خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة المحاصر، والتي تجاوزت الشهرين، منذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، تعرضت مدينة غزة إلى القصف العشوائي والإبادة الجماعية التي يعانيها سكانها، جراء هذا القصف خسرت المدينة ذات الأصول التاريخية العديد من الأماكن التي يعود بعضها إلى مئات السنين.
وفقاً لدراسات حديثة أجرتها مجموعة "التراث من أجل السلام"؛ دمّر الاحتلال الإسرائيلي منذ طوفان الأقصى أكثر من 100 موقع أثري وتاريخي داخل القطاع.
الاحتلال الإسرائيلي وتدمير الأماكن التاريخية
تعرضت عدة معالم تاريخية بفلسطين لأضرار كبيرة نتيجة للأحداث الأخيرة. من بين هذه المعالم، تأثر المسجد العمري الكبير، والذي يعد واحدًا من أهم المساجد في التاريخ الفلسطيني، بالعديد من الأضرار. كما تعرضت كنيسة القديس برفيريوس، المعتبرة ثالث أقدم كنيسة في العالم، لأضرار جسيمة.
وفي شمال غزة، تم التنقيب العام الماضي في مقبرة رومانية تاريخية تعود لما يقرب من 2000 عام، والتي تعتبر أحد المواقع الأثرية المهمة. على الجانب الآخر من قطاع غزة في جنوبه، تضرر متحف رفح الذي كان يعد مكاناً مقصوداً للدارسين والباحثين في تاريخ وتراث المنطقة الطويل.
تلك الأضرار تشير إلى الخسائر الثقافية والتاريخية الكبيرة التي لحقت بتلك المعالم الفلسطينية المهمة نتيجة للأحداث الأخيرة، وتبرز حاجة ملحة للحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة.
في تصريح لرئيس مجموعة "التراث من أجل السلام" إسبر صابرين، أعرب عن قلقه البالغ إزاء تهديد فقدان التراث الثقافي في قطاع غزة، حيث قال: "إذا اختفى هذا التراث في غزة، فسيكون ذلك خسارة كبيرة لهوية الناس في غزة".
وأشار صابرين إلى أن المجموعة تعتزم مواصلة أعمال المسح ورصد حالة المعالم الثقافية في المنطقة خلال الأشهر المقبلة، سواء على الأرض بالتعاون مع السكان المحليين، أم باستخدام صور الأقمار الصناعية.
يحمي اتفاق لاهاي لعام 1954، الذي وقعه الفلسطينيون والإسرائيليون، المعالم التاريخية في غزة من تداولات الحروب. ورغم أن الحرب الأخيرة ليست الحدث الأول الذي يؤدي إلى تدمير المعالم الأثرية في المنطقة، إلا أنها تُسجّل كارثة جديدة بعد الأضرار التي تعرضت لها العديد من المواقع، بما في ذلك المسجد العمري الكبير في عام 2014.
تقرير من اليونسكو يشير أيضاً إلى مزيد من الدمار في المواقع الثقافية والتاريخية في غزة خلال عام 2021.
وقدمت "مبادرة التراث من أجل السلام" تقريراً يحتوي على قائمة بأسماء المعالم الأثرية والتراثية في غزة التي تعرضت للدمار، شملت حوالي 23 موقعاً تاريخياً، بالإضافة إلى أكثر من 70 منزلاً أثرياً، ومركز المخطوطات والوثائق القديمة الذي دمر بالكامل.
المسجد العمري الكبير
يعتبر المسجد العمري الكبير واحداً من أبرز المعالم التاريخية في فلسطين، حيث يتمتع بتاريخ طويل وبنية معمارية رائعة. يقع هذا المسجد الكبير في قلب البلدة القديمة في حي الدرج بمدينة غزة، وقد شهد لحظات تاريخية مهمة.
تمتد مساحة المسجد على مساحة تبلغ 4100 متر مربع، ما يجعله أحد أكبر المساجد في المنطقة. يتميز بتصميمه المعماري الفريد الذي يعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، والذي يعكس الأسلوب البازيليكي. هذا الأسلوب يبرز التفاصيل الجمالية والتناغم في الهندسة المعمارية.
للأسف، عانى المسجد العمري الكبير من دمار شامل، ما أسفر عن فقدان هذه التحفة التاريخية. الدمار يمثل خسارة ثقافية كبيرة، حيث يفتقد الناس اليوم فرصة التعرف على جمال وتاريخ هذا المكان الديني البارز.
يرتبط المسجد بذكريات البلاد وشعبها، ويجسد قيماً تاريخية ودينية عميقة، ويظل واحداً من الأماكن التي شهدت على تطور الحضارة في هذه المنطقة، ومع الأسف، تاريخه العريق اليوم أصبح مجرد ذكرى للأجيال.
مسجد السيد هاشم
دمر الاحتلال الإسرائيلي مسجد السيد هاشم جزئياً، وهو أحد المساجد التاريخية البارزة في مدينة غزة. يوجد المسجد في حي الدرج، وتبلغ مساحته حوالي 2400 متر مربع. يشتهر المسجد بوجود ضريح تحت قبته، يعتقد أنه يحتوي على قبر السيد هاشم بن عبد مناف، الجد الأكبر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
تم بناء المسجد خلال العصر العثماني، واعتمد على الطراز المعماري المملوكي. يتميز بوجود محراب يواجه القبلة، وتم تجديد المنبر في عام 1850 برعاية السلطان العثماني عبد المجيد.
تعتبر هذه الهيكلية الدينية جزءاً من التراث التاريخي في المنطقة، ومع ذلك، تعرضت للتدمير الجزئي، ما يبرز الحاجة إلى الحفاظ على هذا الإرث الثقافي المهم.
دار السقا الأثرية
توجد دار السقا الأثرية في حي الشجاعية بالضاحية الشرقية لمدينة غزة، وقد تعرضت لأضرار جزئية. تم بناء هذه الدار في القرن السابع عشر الميلادي، تحديداً في عام 1661، خلال فترة حكم السلطان محمد الرابع بن السلطان إبراهيم.
كانت دار السقا مكان اجتماع لكبار التجار وأهل الاقتصاد على مر القرون، وكانت تستخدم كقاعة للاحتفالات، سواء أكانت مناسبات فرح أم عزاء. واشتهر البيت كأول منتدى اقتصادي في فلسطين، حيث تاريخه يعكس التاريخ الاقتصادي والثقافي للمنطقة.
تعرضت دار السقا لأول عملية ترميم بسبب قذيفة خلال حرب عام 1948، وتظل هذه الهيكلية الأثرية تعبر عن الثراء التاريخي للمنطقة، وتحتاج إلى الحفاظ والصيانة للحفاظ على هذا التراث الثقافي القيم.
كنيسة القديس برفيريوس
كنيسة القديس برفيريوس تعتبر من بين أقدم الكنائس الأثرية في البلدة القديمة بغزة، حيث توجد في حي الزيتون، والذي يُعتبر واحداً من أقدم أحياء المدينة. تم بناء الكنيسة في عام 425م على يد القديس برفيريوس الذي سُميت الكنيسة باسمه، وتحتضن الكنيسة الآن ضريحه.
مع الأسف، تعرضت الكنيسة للتدمير الكامل تقريباً نتيجة للقصف المباشر، ما أسفر عن فقدان جزء كبير من التراث الديني والثقافي في المنطقة. يظهر هذا الحدث الأليم أهمية الحفاظ على المعالم الأثرية والدينية كجزء لا يتجزأ من تاريخ وثقافة المجتمع.
قصر الباشا أو دار السعادة
يعد هذا المعلم جزءاً من تراث العمارة الإسلامية، وقد تعرض للدمار الجزئي. يقع في حي الدرج في الجهة الشرقية من البلدة القديمة، ويشكل هذا الحي جزءاً من أغنى المباني التاريخية في المنطقة. يسلط الضوء على تاريخ غزة الغني عبر العصور.
تم تحويل هذا المعلم الثقافي إلى متحف حكومي بواسطة وزارة السياحة في بداية عام 2010، وهذه الخطوة قد تعكس التزام الحكومة بالحفاظ على التراث الثقافي وتوفير مكان يعكس الثقافة والتاريخ الغني للمدينة. يجسد هذا التحول جهوداً للمحافظة على الهوية التاريخية والفنية للمبنى وتقديمها للجمهور من خلال المتحف.
مقبرة دير البلح
تعد مقبرة دير البلح، التي تعرضت للدمار الكلي، من بين أهم المقابر التاريخية والأثرية في غزة، إذ تعكس تاريخ الشعب الفلسطيني على مدى عدة عصور.
تم إجراء العديد من التنقيبات الأثرية على ساحل دير البلح بين عامي 1972 و1982، وكشفت عن مقبرة ذات أهمية خاصة يعود تاريخها إلى العصر البرونزي المتأخر 1550 و1200 قبل الميلاد.
تُعتبر هذه المقبرة تابعة لـ"ملوك الفلسطينيين"، وتتكون من مجموعة بارزة من التوابيت الفخارية ذات الشكل البشري.
تشكل هذه التوابيت أكبر مجموعة تم اكتشافها في فلسطين على الإطلاق، وتشبه التوابيت الفرعونية المصرية. تم العثور عليها في مقابر منحوتة من الطين الأحمر أو حجر الكاركار، تواجه البحر، ولكن مع الأسف، تم سرقتها لاحقاً من قبل موشيه ديان.
الكنيسة البيزنطية
تعتبر الكنيسة في بلدة جباليا شمالي قطاع غزة من المعالم التاريخية الفريدة التي تعود إلى العهد البيزنطي، وقد تجاوز عمرها 1600 عام، حيث يعود تاريخها إلى عام 444م. رغم أهميتها الثقافية والتاريخية، إلا أنها تعرضت للدمار الكامل.
تضم الكنيسة 16 نصّاً تأسيسيّاً باللغة اليونانية القديمة، وتُعتبر من بين أكبر النصوص التأسيسية داخل الكنائس. إن وجود هذه النصوص يبرز أهمية الكنيسة كمصدر للمعلومات التاريخية والدينية، وتظل تحتاج إلى جهود لحفظ هذا الإرث الثقافي الفريد والمهم في بيئة الشام.
مقام الخضر
يقع هذا المقام في وسط مدينة دير البلح، وتحته يوجد دير القديس هيلاريون أو "هيلاريوس" الذي يعود إلى الفترة بين 278 و372م، أي إنه يرتبط بالقرن الثالث الميلادي.
مسجد الظفردمري الأثري
يعود تاريخ تأسيس المسجد إلى الحقبة المملوكية، حيث أسسه الأمير المملوكي شهاب الدين أحمد بن أزفير الظفردمري في القرن الثامن الهجري، تحديداً في سنة 762هـ. المسجد، الذي دمر تماماً نتيجة القصف الإسرائيلي، كان يتميز بمساحة تبلغ 600 متر مربع.
اشتهر المسجد باسم القزدمري لدى الجمهور، ويحتوي على قبر الأمير شهاب الظفردمري، ويمثل هذه الهيكلية الدينية الفاعلة في التاريخ الإسلامي، ويظهر أهمية الحفاظ على المعالم الثقافية والدينية للمحافظة على الهوية والتاريخ الغني للمنطقة.
المدرسة الكاميلية
تعتبر المدرسة الكاميلية هي المدرسة التاريخية الوحيدة المتبقية في غزة، وتوجد في قلب البلدة القديمة في غزة. تم تسميتها بهذا الاسم نسبةً إلى الملك الأيوبي الكامل الذي قام ببنائها في عام 653هـ – 1237م.
تم استخدام المدرسة منذ إنشائها لإيواء الفقراء والطلاب والتجار، وظلت نشطة حتى عام 1930. يعكس الغرض الأصلي للمدرسة التزام المجتمع بتقديم الدعم والتعليم للفئات المحتاجة.
تتبع المدرسة أسلوب البناء السائد خلال العصرين الأيوبي والمملوكي، وبالتالي، تمثل هذه الهيكلية الدينية جزءاً من التراث المعماري الغني في المنطقة.