تعتبر مدينة بئر السبع، أو بير شِفَع كما يسميها الاحتلال الإسرائيلي، من أكبر المدن الفلسطينية التاريخية، والتي كانت محطة فاصلة في العديد من الحقب التاريخية، وأول مدينة فلسطينية تقع تحت احتلال الانتداب البريطاني سنة 1917.
حكم المدينة العثمانيون لقرون عديدة، فيما كانت رقماً صعباً خلال الحروب التي شهدتها المنطقة، خاصة خلال الحروب العربية الإسرائيلية، وذلك يعود إلى موقعها الاستراتيجي ومساحتها الشاسعة.
حسب موقع "britannica" تقع مدينة بئر شفع جنوبي فلسطين، على بُعد 71 كيلومتراً جنوب غرب مدينة القدس المحتلة. يحدها من الغرب قطاع غزة المحاصَر، ومن الشرق الأردن وجنوب البحر الميت ووادي عربة، ومن الشمال الخليل، ومن الجنوب خليج العقبة وصحراء سيناء.
التقسيم الحالي للمدينة يعود إلى الفترة الانتدابية البريطانية من عام 1920 إلى 1948، وكانت مركزاً إدارياً مهماً في تلك الحقبة، تضم بئر السبع 23 قرية، منها 3 قرى مهجرة، ومن بينها الخلصة وترابين وعصلوج، و19 قرية أُزيلت بما في ذلك جبارات وحناجرة والعمارة والعراقيب.
السكان الأصليون للمدينة كانوا من القبائل البدوية، وتم نقلهم إلى مخيمات للاجئين في مدينة أريحا ومن ثم إلى الأردن، مع وجود بعضهم في غزة. يتميز لباس الرجال في المدينة بالثوب الأبيض والحزام والشماغ، وكذلك حمل الشبرية، فيما ترتدي النساء ثياباً مطرزة بألوان زاهية.
كان سكانها قبل النكبة يشكلون مجتمعاً متنوعاً من قبائل البدو، مع أصول تعود إلى الكنعانيين والفينيقيين. هؤلاء السكان كانوا يمتازون بتراثهم الثقافي واللباس التقليدي، الذي يعكس تنوعهم وتاريخهم العريق.
تاريخ بئر السبع الفلسطينية
في زمن الهكسوس، كانت بئر السبع منطقة رئيسية للاتصال عندما وحّدوا مصر والشام في القرن السابع قبل الميلاد. بعد هزيمتهم وخروجهم من مصر، تعرضت بعض البلدات بها للدمار، مما جعلها تشهد فترات من التقلبات والتغييرات. وكمنطقة فلسطينية قديمة، عاشت المدينة فترات عديدة من الاستعمار الآشوري والبابلي والفارسي واليوناني والروماني.
وفي سياق تاريخي آخر، ترتبط بئر السبع بالحضارة الكنعانية، حيث يروي رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة، الدكتور غسان وشاح، أن المدينة بُنيت قبل آلاف السنين، وكانت مذكورة في التوراة.
تتنوع الروايات حول أصل تسمية المدينة، وتتضمن قصة النعاج السبع التي ارتبطت بنبي الله إبراهيم عليه السلام. وفي رؤية أخرى، تربط بعض المصادر التسمية بوجود 7 آبار للماء في المنطقة.
تأثرت بئر السبع بشكل كبير بالطرق التجارية، فقد كانت على طرق التجارة العربية، وكانت تشكل محطة مهمة لنقل المنتجات الهندية والأفريقية الشرقية نحو مصر أو سواحل البحر المتوسط. هذا الدور التجاري للمدينة ساهم في ازدهارها وتقدمها.
يُذكر أن العثمانيين لعبوا دوراً في إعادة بناء المدينة في عام 1900، وجعلوها مركزاً للقضاء باسمها، وقد شيدوا فيها مسجداً تم تحويله فيما بعد إلى متحف من قبل إسرائيل.
في عام 1917، احتلت بريطانيا بئر السبع، مما جعلها أول مدينة فلسطينية تحت سيطرتها. يشير الباحث الفلسطيني خالد عوض إلى أهمية هذه الحدث، حيث كانت بئر السبع البوابة الجنوبية لفلسطين والبوابة الشرقية لمصر.
خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، قاوم السكان البدو بشراسة، ولكن بفارق تجهيز عسكري واضح، سقطت المدينة في أيدي القوات الإسرائيلية في 21 أكتوبر 1948، مما أضاف فصلاً مؤلماً إلى تاريخ هذه المنطقة.
النشاط الاقتصادي بالمدينة
في الماضي، كانت الزراعة النشاط الأساسي للسكان البدو الذين استقروا حول مدينة بئر السبع. كانوا يمارسون أيضاً تربية المواشي، وكانت المحاصيل الزراعية الرئيسية تشمل الشعير والقمح والذرة والعدس والفول، وكانت تعتبر هذه المحاصيل حيوية في المنطقة.
في إطار النشاط الزراعي، كانت بئر السبع مركزاً للقوافل التجارية في مختلف العصور، حيث تطورت المدينة إلى سوق يجتذب البدو وتجار الحبوب والمواشي.
يعود جزء من تاريخ المدينة إلى عصر الدولة العثمانية، حيث توجد سوق قديمة تسمى "سوق البدو". وفي تلك الفترة، أسس السلطان العثماني عبد الحميد الثاني محطة قطارات بهدف ربط أجزاء الإمبراطورية العثمانية ببعضها.
أما فيما يتعلق بالصناعة، فقد شهدت المدينة حقبتين مختلفتين، الأولى كانت قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث كانت الصناعات تتسم بالبساطة واستخدام وسائل محدودة، مثل طحن الحبوب ودباغة الجلود وأعمال الحدادة والنسيج.
أما بعد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة، فشهدت بئر السبع تحولات كبيرة في مجال الصناعة والبنية التحتية. تمت إقامة العديد من المراكز الصناعية المتخصصة لتلبية احتياجات المدينة والمناطق المحيطة. تركزت هذه المراكز على صناعات متنوعة بما في ذلك مواد البناء، والصناعات المعدنية، والأدوات الصحية، والصناعات الكيميائية.
الأماكن التاريخية في بئر السبع
تمتلك مدينة بئر السبع تاريخاً حافلاً ورصيداً حضارياً مهماً يعكس التأثيرات التي مرت بها على مر العصور. تشتمل المدينة على عدة معالم تاريخية مهمة، من بينها:
- أطلال المدينة القديمة: تعتبر أطلال مدينة بئر السبع القديمة موقعاً فريداً يحمل في جوانبه الكثير من تاريخ وتطور هذه المنطقة عبر العصور. تم اكتشاف هذه الأطلال خلال حفريات أثرية في شمال شرق المدينة، مما أضفى على بئر السبع طابعاً ثقافياً وتاريخياً فريداً.
تكشف البنية التحتية المتقدمة لهذه الأطلال عن تطور حضاري للمدينة عبر العصور، حيث يمكن رؤية آثار الطرق والمباني القديمة، مما يبرز التطور المستمر لها. وبفضل وجود الأطلال، يمكن رصد تأثيرات الحضارات المختلفة في هندسة البناء والزخارف المعمارية، مما يضيف أبعاداً إضافية للتاريخ الثقافي للمنطقة.
إضافة إلى ذلك، تحمل المعالم التاريخية داخل هذه الأطلال قصصاً مهمة حول الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية التي كانت تتمتع بها بئر السبع في فترات زمنية مختلفة. وخلال عمليات الحفر، تم اكتشاف العديد من القطع الأثرية مثل الفخاريات والأدوات، التي تسلط الضوء على حياة السكان وعاداتهم في الماضي.
يعمل وجود أطلال مدينة بئر السبع القديمة كشاهد حي للتاريخ المحلي، حيث يوفر نافذة فريدة للزوار والباحثين؛ لفهم تفاصيل النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمدينة على مر العصور. كموقع للتراث العالمي المعترف به من قبل منظمة اليونسكو، تسعى بئر السبع إلى الحفاظ على هذا التراث الثقافي وتوثيقه للأجيال الحالية والمستقبلية.
يحمل بئر السبع ثروة من الآثار الثقافية التي تنعكس عبر العديد من العصور، مما يعكس تاريخاً غنياً وتطوراً حضرياً. تحتضن المدينة العديد من المواقع التاريخية والثقافية التي تسلط الضوء على تأثير الحضارات المختلفة وتطور المجتمع على مر الزمن من بينها:
- المسجد الكبير: يُعد المسجد الكبير الذي بناه العثمانيون من بين المعالم الثقافية الرئيسية في بئر السبع. يشكل هذا المسجد، ليس فقط مكاناً للعبادة، ولكن أيضاً تحفة معمارية تعكس الطابع الإسلامي والعثماني.
- السراي: يُعَدُّ السراي، الذي كان مبنىً للحاكم العثماني، من بين المعالم التاريخية الرائعة. يعكس تصميمه وهيكله الداخلي الطابع الإداري والحكومي لفترة الحكم العثماني في المنطقة.
- المتحف التاريخي: يعمل المسجد الكبير السابق كمتحف تاريخي، حيث يحتوي على مجموعة من القطع الأثرية والمعروضات التي تسلط الضوء على تاريخ بئر السبع. يوفر المتحف نظرة فريدة على التطورات الاجتماعية والثقافية في المنطقة.
- الأحياء التاريخية: تتميز بعض الأحياء في بئر السبع بالهندسة المعمارية القديمة، وتحتفظ ببعض البيوت القديمة التي تعكس طابعاً تاريخياً خاصاً.
تجمع هذه الآثار الثقافية في بئر السبع بين التنوع والتأثيرات المتعددة، مما يوفر فرصة للزوار والباحثين لاستكشاف وفهم غنى تاريخ وتراث المدينة.