منذ بداية الصراع الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد النكبة سنة 1948، كان الأطفال الفلسطينيون جزءاً لا يتجزأ من المقاومة ضد الاحتلال والظلم.
وقد شارك الأطفال بوسائل متنوعة من أجل طرد المحتل من أراضيهم وأراضي الأجداد، سواء بالحجارة أو الكلمات أو التصرفات الشجاعة، التي أظهرت إصرارهم الكبير على التشبث بحقهم، ورغبتهم في الحصول على حريتهم وعيش حياة طبيعية وعادية كما هي حال جميع أطفال العالم.
وخلال فترات زمنية مختلفة، كان هناك أطفال، بقيت أسماءهم راسخة في العقول، بسبب صمودهم وإصرارهم وقوتهم الكبيرة، التي ظهرت أمام قوات جيش الاحتلال، التي اغتالت أغلبهم، وراحوا شهداء للوطن، فكانوا محركاً لغيرهم من أجل الصمود والاستمرار مهما طال العدوان واستمرّ.
1- لينا النابلسي
وُلدت الطفلة لينا النابلسي سنة 1961 في مدينة نابلس، وقد كانت من بين الأطفال الذين كبروا على شعارات المقاومة ومظاهرات النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.
استشهدت الطفلة لينا النابلسي على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي سنة 1976، وعمرها لم يتجاوز 15 سنة، عندما كانت عائدة من المدرسة متجهة إلى منزلها.
إذ إن الطفلة الشهيدة، التي تحولت إلى أبرز رموز المقاومة في فلسطين لسنوات عدة، قادت مسيرة ضد الاحتلال، صادفتها وهي في طريق العودة إلى البيت، إلى جانب عدد من أبناء المدينة.
إلا أن المسيرة تحولت إلى اشتباكات بين أبناء المدينة وجنود الاحتلال، لتقوم الطفلة لينا النابلسي بالهرب والاختباء في مدخل إحدى العمارات، لكن شاهدها أحد الجنود ولحقها إلى هناك، ثم أطلق عليها النار بدم بارد إلى أن أرداها قتيلة.
وهناك بعض شهود العيان الذين قالوا إن عدداً من الجنود الآخرين قاموا بإطلاق النار على الطفلة الشهيدة حتى بعد وفاتها، وتركوها وهي تنزف ملقاةً على درج العمارة بزيها المدرسي الذي استشهدت وهي ترتديه.
أصبحت منازل الفلسطينيين لا تخلو من صورة لينا النابلسي، إذ إنها كانت تعبيراً عن النضال المستمر، ودليلاً على الاعتداء الوحشي لقوات الاحتلال.
إلا أن هذه الصورة كانت تتم مصادرتها من طرف جنود الاحتلال لعشرات السنين، ومنع نشرها أو تسريبها مهما كان السبب.
وقد تم تخليد صورة لينا النابلسي من طرف الرسام المقدسي سليمان منصور، فيما تم الحديث عنها في أغنية لمحمود درويش وأحمد قعبور تسمى "نبض الضفة"، وبها مقطع يقول "لينا كانت طفلة تصنع غدها.. لينا سقطت.. لكن دمها.. كان يغني".
2- فارس عودة
يتم وصفه على أنه أحد أيقونات وأبطال الانتفاضة الفلسطينية، إنه الطفل فارس عودة، الذي اشتهرت صورته خلال انتفاضة الأقصى سنة 2000، وهو يقوم برشق دبابة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة، قبل استشهاده بعدة أيام، وعمره لم يتجاوز 14 عاماً.
ولد فارس عودة سنة 1985، في حي الزيتون بمدينة غزة، وقد كان دائم المشاركة في الانتفاضات والمسيرات ضد دولة الاحتلال إلى جانب أبناء جيله.
وفي يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول من سنة 2000، عوض الذهاب إلى المدرسة، استبدل طريقه إلى طريق مستوطنة "نتساريم"، ومعبر المنطار، وغيرهما من مواقع المواجهات الساخنة في القطاع، من أجل المشاركة في عمليات المقاومة.
وقد كان فارس عودة قد اعتاد تغيير ملابسه النظيفة بأخرى يخبئها في مكان قريب من المدرسة، وعند الانتهاء يعود لارتدائها والعودة لمنزله وكأن شيئاً لم يكن.
وخلال ذلك اليوم، وعندما كان يواجه الدبابات بحجارته الصغيرة، تم التقاط صورته من طرف الصحافة، وقد انتشرت تلك الصورة كالنار على الهشيم، وأثارت الجدل في العديد من الصحف الدولية والعالمية.
بعد 10 أيام من التقاط هذه الصورة، استشهد فارس عودة على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن كان يشارك في عملية رشق بالحجارة عند معبر كارني.
يقول أصدقاؤه إن فارس كان قد انحنى لالتقاط حجرة فأصيب في رقبته، بعد أن بدأ الجنود في إطلاق النار، ولأنه كان قريباً جداً من دبابة إسرائيلية، فقد اضطروا إلى الانتظار لمدة ساعة قبل أن يستطيعوا إخراج جسده وتحميله في سيارة إسعاف، فيما تم إعلان وفاته بعد وصوله إلى المستشفى.
3- محمد الدرة
خلال الانتفاضة الثانية سنة 2000، استشهد الطفل محمد الدرة برصاص جيش الاحتلال، بين ذراعي والده جمال الدرة، بعد أن تمت محاصرتهما في عملية إطلاق نار متبادل بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية في قطاع غزة.
إذ في يوم 30 سبتمبر/أيلول 2000، كان الطفل محمد (12 سنة) برفقة والده، واللذان يعيشان رفقة عائلتهما في مخيم البريج للاجئين، يسيران في شارع صلاح الدين الحدودي مع الأراضي المحتلة في قطاع غزة، ليُفاجآ بوقوعهما تحت الطلقات النارية الاسرائيلية.
قرر الأب الاختباء رفقة ابنه محمد الدرة خلف برميل إسمنتي، بينما كانت كاميرا الصحفي شارل أندرلان، من قناة فرانس 2، توثق المشهد المروع، ولحظات الخوف التي عاشها الأب والابن قبل استشهاد هذا الأخير برصاص الاحتلال.
كان جمال الدرة يصرخ بكل قوته طالباً من مطلقي الرصاص التوقف، دون جدوى، فيما كان يحاول حماية طفله الصغير الذي كان يظهر وهو يختبئ تحت ذراعيه، قبل أن تصيبه الرصاصة الأولى، ثم الثانية، التي دخلت صدره وخرجت من ظهره، وأردته شهيداً.
كان الأب جمال قد أصيب بدوره برصاص الاحتلال في يده، وبعد وفاة ابنه أمام عينيه فقد وعيه، إلى أن جاء رجال الإسعاف الذين اكتشفوا أنه مازال على قيد الحياة.
لحظات الرعب التي عاشها محمد الدرة قبل وفاته انتشرت على نطاق واسع في كل أنحاء العالم، وأثارت غضباً وحزناً شديديْن في نفوس الملايين من المشاهدين، ما زاد حالة التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية.
ليصبح بعد ذلك محمد الدرة أشهر رموز المقاومة الفلسطينية، وأبرز ما يكشف الجرائم الفظيعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين، وخاصةً الأطفال منهم.
وقد حاولت دولة الاحتلال التشكيك في الفيديو الذي يوثق لحظة استشهاد الطفل محمد، الذي بُث عبر قناة فرانس 2، حيث ادعت أنه مفبرك، وأن الطفل لم يمُت، إلا أن الادعاءات لم تجد قبولاً لدى الرأي العام الدولي، ولا لدى المحاكم التي نظرت في القضية. فقد أكدت التحقيقات والشهادات والخبرات أن الطفل محمد قتل برصاص إسرائيلي، وأن المشهد كان حقيقياً.
4- إيمان حجو
قبل أن تنطق كلمتها الأولى، أو أن تعرف ما يحدث من حولها من جرائم بشعة على يد دولة الاحتلال الإسرائيلي، راحت الرضيعة إيمان حجو شهيدة وعمرها لم يتجاوز 4 أشهر فقط، متأثرة بشظايا قذيفة أطلقها الجنود في اتجاه منزلها، لتخترق جسدها الصغير.
إذ بعد الانتفاضة الثانية في قطاع غزة، التي بدأت سنة 2000، وبالضبط بعد 7 أشهر من اندلاع الانتفاضة، توجهت والدة إيمان حجو لزيارة عائلتها في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، قادمة من مدينة دير البلح.
وخلال تلك الزيارة، شهدت المنطقة تصعيداً من طرف جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي أطلق قذيفة مدفعية، التي كانت موجهة إلى منزل عائلة الرضيعة إيمان حجو.
تعرضت الأم والطفلة لإصابات بسبب شظايا القذيفة، إلا أن إيمان حجو توفيت بشكل مباشر بعد أن دخلت الشظية إلى بطنها واخترقت ظهرها، فيما دخلت الأم غرفة العناية المركزة في حالة حرجة.
أصبحت الطفلة إيمان حجو رمزاً آخر من رموز النضال، ودليلاً آخر على جرائم دولة الاحتلال، بعد أن تم تداول صورها وهي مصابة، وكذلك لحظة وداع والدها لها وهو يبكي على فراقها، خصوصاً أنه كان كذلك من بين ضحايا جنود الاحتلال، بعد أن أصيب قبل 6 أشهر من وفاتها في ساقه خلال عملية للمقاومة.
ولم تكن إيمان هي الطفلة الوحيدة التي استشهدت برصاص الاحتلال، فقد سبقتها ابنة عمها بثينه عن عمر يناهز 5 سنوات في الانتفاضة الأولى برصاص قوات الاحتلال.
5- عهد التميمي
إذا كان الحديث عن أبرز أسماء الأطفال الفلسطينيين الذين برزوا خلال السنوات الأخيرة، والذين أصبحوا من بين رموز النضال الفلسطيني، فإن عهد التميمي تعتبر من بين أبرزهم.
فقد اشتهرت عهد بصورها وفيديوهاتها العديدة، التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي سنة 2012، وهي تواجه جنود الاحتلال بكل شجاعة وقوة، دون اكتراث للأسلحة التي يحملونها، أو تهديداتهم لها، وعمرها لم يتجاوز 11 سنة فقط.
وقد ولدت عهد التميمي في بلدة النبي صالح، غربي رام الله، وسط الضفة الغربية سنة 2001، وهي تنتمي إلى عائلة ناشطة ضد الاستيطان والاحتلال، الشيء الذي جعلها تشارك رفقة والديها وإخوتها في المظاهرات منذ نعومة أظافرها.
استمرت عهد في المشاركة في المسيرات الأسبوعية المناهضة للاحتلال، ومواجهة قوات الجيش والجنود بشكل مباشر ودائم، إلى سنة 2017، عندما تمت مداهمة منزلها واعتقالها من طرف عشرات الجنود، وعمرها حينها كان 16 سنة فقط.
وقد كانت تهمة عهد التميمي حينها هي ظهورها في شريط فيديو وهي تقوم بطرد جنود الاحتلال من أمام منزلها في القرية، بعد ساعات من إطلاق رصاصة مطاطية على وجه شقيقها.
وقد تم إطلاق سراح عهد التميمي من سجون الاحتلال، يوم الأحد 29 يوليو/تموز 2018، ثم قامت بتدوين سيرتها الذاتية في كتابها الذي نشرته بالتعاون مع الصحفية دينا تكروري.