الحصول على القسط الكافي من النوم خلال فترات الليل يساعد أدمغتنا على أداء عملية "التنظيف العميق" بانتظام.
إذ إن عدم النوم بقدر كافٍ قد يؤدي إلى اضطرابات عصبية خطيرة، قادرة على تكوين عدة أمراض على المدى البعيد من أبرزها مرض الزهايمر.
وهذا هو التحذير الذي أطلقته مجموعتان من الباحثين في شهر سبتمبر/أيلول 2023، خلال إجرائهم بحوثاً حول ما نُمنح إياه عند الحصول على نوم هانئ في المساء، وحول ما يحدث عندما نحلم.
مراحل النوم خلال الليل
إن عدد الساعات التي يجب علينا الحصول عليها كل ليلة يتراوح ما بين 7 إلى 8 ساعات من النوم، وتُحسب ساعة إلى ساعتين من هذا النوم على أنها نوم عميق.
وأما خلال بقية هذه الساعات، فإننا نمر بمرحلة تسمى "نوم حركة العين السريعة"، والتي أُطلق عليها هذا المصطلح لارتباطها بـ"حركات العين السريعة"، ويحدث ذلك في إطار دورات خلال الليل.
وهذا هو الوقت الذي نحلم فيه بالأحلام، لا سيما في الساعة الأخيرة من النوم، عندما نكون قريبين من الاستيقاظ، ما يؤدي إلى تذكرنا للحلم عندما نستيقظ.
وحسب ما كتبه كل من البروفيسور درو داوسون والدكتورة مادلين سبراجسر، المتخصصَين في علوم النوم والإجهاد، في موقع Conversation عن النوم: "أي شيء نقضي وقتاً طويلاً في القيام به، يخدم أهدافاً متعددة، الأحلام والكوابيس غامضة، ولا نزال نتعلم عنها، إنها تُبقي أدمغتنا في عمل مستمر، وتغسل الأفكار من أحداث اليوم على مستوى جزيئي، حتى إنها قد تساعدنا على تخيل الممكن خلال ساعات استيقاظنا".
كيف تتكون الأحلام؟
يعتقد بعض الخبراء أن الحلم ربما يكون عبارة عن طريقة لحماية أجسادنا لكي لا تبرد بشدة، إذ إن درجة الحرارة الأساسية تكون عادة أعلى خلال هذه الأوقات، أو كي تمنعنا من الدخول في النوم العميق؛ ما يجعلنا نكون عرضة للهجوم.
يفسر الخبيران داوسون وسبراجسر: "عادةً يكون أسهل الاستيقاظ من الحلم إذا كنا نريد الاستجابة إلى الإشارات والمخاطر الخارجية".
ويوضح كلاهما: "نشاط الدماغ في نوم حركة العين السريعة ينبهه كي يتأهب قليلاً، أي إنه أشبه بمنظار أفق يُحوِّل الدماغ إلى حالة أكثر وعياً، ليرصد ما يدور حوله في الواقع، ثم يعود مرة أخرى إلى النوم إذا كان كل شيء على ما يرام".
وذكر الخبيران أن جميع الثدييات يُعتقد أنها تحلم، وتمر في نومها عبر مراحل ذات نشاط دماغي يشبه ما يمر به الإنسان تماماً، وعلى النقيض، فإن الحيوانات الأكثر بدائية لا تنام، مع وجود استثناءات.
فمثلاً قناديل البحر، التي ليس لديها دماغ، تمر عبر ما يمكن وصفه سيكولوجياً بالنوم، لكنها لا تلاقي نفس العناصر السيكولوجية والسلوكية التي تشبه أحلام نوم حركة العين السريعة.
وعودة للحديث عن نوم الإنسان، فإن مرحلة نوم حركة العين السريعة تعتبر مهمة جداً لضمان أن الأدمغة تعمل كما ينبغي، مثلما يُشار إليه عن طريق الدراسات التي تستخدم تخطيط كهربية الدماغ، الذي يقيس نشاط الدماغ.
وبنفس الطريقة التي يساعد من خلالها النوم العميق الجسم في استعادة قدراته البدنية، فإن الأحلام أثناء النوم تنفذ عملية "غسل عكسي" لدوائرنا العصبية.
وعلى مستوى جزيئي، فإن المواد الكيميائية التي تدعم تفكيرنا تضطرب بالأنشطة المعرفية خلال اليوم، والنوم العميق يكون عندما تعود هذه المواد الكيميائية إلى شكلها قبل الاستخدام خلال اليوم.
إذ خلال هذه المرحلة يغسل الدماغ عن طريق السائل الدماغي الشوكي، الذي يتحكم فيه الجهاز الغليمفاوي، فيما تساعد الأحلام الدماغ في الوقت ذاته على ترتيب الذكريات والمشاعر الحديثة من اليوم، والتخلص من المعلومات التي لا يريد الاحتفاظ بها، وهذا ما يفسر السبب في أننا نحلم في كثير من الأحيان بالأشياء التي تحدث خلال اليوم.
كيف تتشكل الكوابيس خلال مرحلة الحلم؟
تتشكل أحداث الأحلام بشكل عام خلال مرحلة حركة العين السريعة من خلال الذكريات والعواطف المرسخة في الدماغ.
ولكن قد يكون السؤال عن كيفية تكون الكوابيس التي غالباً ما تكون على شكل أحداث لم يعِشها الإنسان بشكل حقيقي، وليس لها أي علاقة بالواقع.
الإجابة لدى داوسون ومادلين إذ يقولان في إجابتهما: "مع مضينا قدماً في عملية النوم خلال الليل، ننتج مزيداً من الكورتيزول، وهو هرمون التوتر، يُعتقد أن كميته الموجودة قد تؤثر على نوعية الذكريات التي نرسخها، وربما على نوعية الأحلام التي تراودنا،؛ ما يعني أن بعض الأحلام قد تكون مفككة وغريبة بدرجة أكبر، فيما يمكن أيضاً لتجاربنا خلال النهار أن تستثير الكوابيس أو الأحلام المليئة بالقلق بعد أي حادث صادم".
تأثير قلة النوم على الجسد والدماغ
نظراً إلى أن النوم يضطلع بوظيفة سيكولوجية حيوية، فلن نندهش إذا عرفنا أن عدم الحصول على قدر كافٍ من النوم ليس بالشيء الجيد للجسد أو الدماغ.
في حين أن قلة النوم في الليل تجعلنا نشعر بالضيق، فإن الأبحاث السابقة أثبتت أن قلة النوم على مدى فترات طويلة يمكن أن تتسبب في تلف الحصين أو قرن آمون، وهو جزء الدماغ الذي يضطلع بدور مهم في التعلم والتذكر، ويزيد خطر الإصابة بالزهايمر والأمراض العصبية الأخرى.
وفي دراسة حديثة، انطلقت البروفيسورة جيا مي من جامعة بينتشو الطبية في مقاطعة شاندونغ بالصين، وزملاؤها لاستكشاف الطريقة الدقيقة التي يمكن أن يتسبب بها الحرمان من النوم بمثل هذا الضرر، وذلك من خلال استخدام فئران يعانون من أرق مستحث.
إذ حدد الباحثون بروتيناً وقائياً، تنخفض مستوياته عندما يعدم الحصول على نوم كافٍ، مما ينتج عنه موت الخلايا العصبية على مستوى الدماغ.
بدأ الباحثون تجاربهم عن طريق قياس قدرة الفئران على العبور من متاهة بسيطة، وكيف تتعلم التعرف على أغراض جديدة في أعقاب يومين من الحرمان من النوم.
وبعد ذلك استخلصوا البروتينات من داخل حصين القوارض لتحديد أيها تغير مقارنة بخط الأساس.
ولتضييق نطاق تركيزهم، قارن الفريق البحثي هذه البروتينات بالمعلومات الواردة من التجارب السابقة حول أداء تجاوز المتاهات بالنسبة للفئران التي لم تُحرم من النوم.
قادهم هذا إلى البليوتروفين، وهو بروتين اكتُشف أنه يقل لدى القوارض المحرومة من النوم، وكشفت البحوث الإضافية عن أن مساراً جزيئياً، وهو مسارٌ تسبب فقدان بروتينات البليوتروفين من خلاله في موت الخلايا الموجودة داخل قرن آمون، أوضح كيف يحمي النوم وظائف المخ.
وذكر الفريق أن بروتينات البليوتروفين لها دور كذلك في الإصابة بالزهايمر والأمراض العصبية التنكسية الأخرى.
فيما أشارت جيا وزملاؤها أيضاً إلى أن مستويات بروتين البليوتروفين قد تُستخدم أيضاً لتؤدي وظيفة مؤشر الضعف الإدراكي المرتبط بالأرق.