تُعتبر جائزة نوبل من بين أكثر الجوائز المرموقة في العالم، ولا يفوز بها عادةً سوى من يُعدّون أساطير في مجالات تخصصهم. ومع ذلك، فإن الجوائز يمنحها البشر، والحكم البشري غير كامل.
كانت بعض الاختيارات التي اتخذتها لجان جائزة نوبل المختلفة مثيرة للجدل إلى حدّ كبير على مرّ السنين، أو اُعتبرت أحياناً أخطاءً جسيمة على مستوى العالم. نورد هنا بعضاً من أسوأ جوائز نوبل التي مُنحت على الإطلاق، وأكثرها إثارةً للجدل أو التي عُدّت من الجوائز الأقل استحقاقيةً لسببٍ أو لآخر.
جيمس واتسون، فرانسيس كريك، وموريس ويلكنز: جائزة نوبل للفسيولوجيا أو الطب، 1962
في بعض الأحيان، تكون النقطة الأكثر إثارة للجدل في الجائزة في من لم يحصل عليها، وهذا هو الحال بالنسبة لجائزة عام 1926 لاكتشاف "البنية الجزيئية للأحماض النووية وأهميتها في نقل المعلومات في المواد الحيوية"، أي بنية الحمض النووي (DNA).
وفقاً لقواعد نوبل، يمكن لثلاثة أشخاص فقط أن يتقاسموا الجوائز وهي قاعدة باتت تُوصف بأنها قديمة نظراً للطبيعة المعاصرة للبحث العلمي، والكيفية التي صار البحث العلمي يعتمد فيها على تعاون أعداد معينة من الباحثين للوصول إلى الاكتشافات. لا يُسمح أيضاً بالترشيحات بعد الوفاة، على الرغم من أن هذه القاعدة لم تصبح رسمية حتى عام 1974. لذلك، عندما مُنحت جائزة اكتشاف الحمض النووي وبنيته، ذهبت إلى واتسون وكريك وويلكنز، مع استبعاد جميع المشاركين الآخرين.
ومن بين هؤلاء الدكتورة روزاليند فرانكلين، التي أنتج عملها في حيود الأشعة السينية (X-ray) صوراً للحمض النووي التي كانت أساسية لاكتشاف تركيبه الحلزوني المزدوج. تغافل الفائزون بالجائزة عن الاستشهاد بأعمال فرانكلين في منشوراتهم الأولية، وعمِد واتسون إلى تصوير فرانكلين بصورة سلبية في كتابه The Double Helix.
لم تُرشّح فرانكلين أبداً للجائزة، وتوفيت عام 1958، ويُعتقد على نطاق واسع أنها كانت ضحية للتمييز الجنسي. لاحقاً، فاز أحد أعضاء فريقها البحثي، الدكتور آرون كلوغ، بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1982، مواصلاً العمل الذي بدأه معها، ما يشير إلى أن عملها كان يستحق الجائزة بالفعل.
أنطونيو إيغاس مونيز: الفسيولوجيا أو الطب، 1949
كان الدكتور مونيز رجل عصر النهضة البرتغالي الذي تحول إلى الطب بعد تقاعده من السياسة. حصل على جائزة نوبل لاكتشافه "القيمة العلاجية لعملية الليوكوتومي (الجراحة الفصيّة) في بعض حالات الذهان"، أي اختراعه لطريقة جراحية لعلاج الأمراض الذهنية عن طريق قطع الروابط بين أجزاء مختلفة من الدماغ.
كانت هذه التقنية تُعرف في البداية باسم "الجراحة الفصيّة الجبهية" أو ليوكوتومي (prefrontal leukotomy)، وقد حسّن الأطباء الأمريكيون هذه التقنية وأعادوا تسميتها إلى "جراحة بضع الفص" (lobotomy).
كان للجراحة هذه شعبية مرعبة، وقد أجرى ما يُقدّر بنحو 40 ألف أمريكي هذه العملية، وكذلك 17 ألف شخص في إنگلترا. وأجري العديد من هذه العمليات على الأطفال وأولئك الذين لم يتمكنوا من اتخاذ قراراتهم الطبية، مثل روزماري كينيدي وهوارد دولي.
صحيحٌ أن الجراحة قللت من أعراض القلق والاكتئاب والذهان، إلا أن قطع الفصّ الجبهي ترك العديد من المرضى بلا شخصية تقريباً. غالباً ما يوصف الذين خضعوا للعملية بأنهم أصبحوا "مملين، لا مبالين، فاترين، بدون دافع أو مبادرة، مسطحين، خاملين، مثل الأطفال، منصاعين، بحاجة إلى الدفع، سلبيين، يفتقرون إلى العفوية، بدون هدف أو غاية، مشغولين واعتماديين". أدت العملية إلى إصابة السيدة كينيدي بالعجز الدائم.
أصبحت البدائل -غالباً على شكل أدوية- متاحة في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين. حظر الاتحاد السوفييتي هذه العملية في نفس العقد بسبب مخاوف أخلاقية. بحلول السبعينيات، كانت معظم الدول قد حظرت هذا الإجراء، على الرغم من استمراره حتى الثمانينات في فرنسا.
ورغم أن المخاوف بشأن هذا النوع من العمليات كانت موجودة منذ أن قدمت للمجال الطبي، إلا أنها تعتبر الآن من "بقايا الماضي الهمجية" على مستوى العالم. واعتبر الدكتور تورستن ويزل الحائز على جائزة نوبل بأن فوز الدكتور مونيز بالجائزة "خطأ مذهلاً في الحكم".
لا تلغي نوبل الجوائز التي تمنحها، ولذلك ما يزال الدكتور مونيز مُدرجاً ضمن قائمة الفائزين بها، بل إن موقعهم الإلكتروني يتضمن قسماً يدافع عن الجراحة باعتبارها أفضل علاج متاح في ذلك الوقت.
في العقود الأخيرة، قام المدافعون عن الصحة النفسية بحملة من أجل إلغاء جائزة مونيز، لأن عملية جراحة الفص جلبت معاناة للبشرية أكثر بكثير من نفعها. ومع ذلك، ظلت لجنة نوبل ثابتة على موقفها، معتبرةً أنه "لا توجد علاجات بديلة فعالة" للعديد من أشكال الأمراض العقلية في الوقت الذي طوّر فيه إيغاس مونيز هذا النوع من العمليات.
يوهانس فيبيغر: جائزة نوبل للفسيولوجيا أو الطب، 1926
كانت جوائز نوبل تُمنح بسرعة نسبياً بعد الاكتشاف أو الإنجاز أو الحدث الذي دفعها، ويبدو أن التعليمات التي تركها ألفريد نوبل تبرر هذه السرعة. ومع ذلك، أدى هذا في بعض الأحيان إلى منح جوائز لاكتشافاتٍ تبين فيما بعد أنها مجرد كلام فارغ. وربما لا توجد حالة أشدّ وضوحاً من جائزة الطب التي أُعطيت عام 1926، وذلك عن اكتشاف سرطان "سبيروبتيرا كارسينوما".
باختصار، يبدو أن بحث الدكتور فيبيغر أظهر أن نوعاً معيناً من طفيليات الدودة المستديرة يمكن أن يسبب السرطان لدى الفئران. ومع ذلك، أثبتت التجارب اللاحقة أن "السرطانات" التي ادّعى أنه لاحظها لم تكن سوى آفات ناجمة عن نقص فيتامين أ. لم تسبب الديدان التي فحصها أي نوع من أنواع السرطانات، على الرغم من أنه من المعروف أن بعض الطفيليات تفعل ذلك.
وتكمن الغرابة الأكبر في الجائزة من انعدام وجود جائزة في عام 1925، إذ أُدرج فيبيغر في القائمة المختصرة للجائزة إلى جانب الدكتور ياماغيوا كاتسوسابورو، وذلك عن عملهما في تحديد أسباب السرطان. ومع ذلك، فقد تقرر أن أياً من منشوراتهما لم تكن كافية للوصول للجائزة في ذلك العام. لم يشارك الدكتور كاتسوسابورو في جائزة عام 1926، لكنه هو من قدم عملاً أكثر دقة في النهاية، فقد استطاع إثبات أن قطران الفحم مادة مسرطنة.
لا تُلغي مؤسسة نوبل الجوائز التي تمنحها، ولذلك ما يزال فيبغر مُدرجاً في قائمة الفائزين على الرغم من دحض عمله.
إنريكو فيرمي: الفيزياء، 1938
في بعض الأحيان، لا تكمن مشكلة الاكتشاف العلمي في أنه خاطئ؛ بل في إن الدليل عليه لا يدعم نتيجة الاكتشاف. كان هذا هو الحال مع جائزة الفيزياء لعام 1938 التي مُنحت لإنريكو فيرمي "لإثباته وجود عناصر مشعة جديدة تنتج عن تعرض النيوترونات للإشعاع، ولاكتشافه المرتبط بالتفاعلات النووية الناتجة عن النيوترونات البطيئة".
فاز فيرمي بالجائزة عن تجربة أجراها في عام 1934، والتي بدت إيضاحاً لإمكانية إنشاء عناصر غير معروفة سابقاً عن طريق قذف ذرات اليورانيوم بالنيوترونات. أُعطيت هذه العناصر الجديدة، المسماة "أوسونيوم" و"هسبيريوم"، العددان الذريّان 93 و94 على التوالي.
لكن في الحقيقة، فيرمي لم يكتشف أيّ عناصر جديدة، لكنه تمكن من إجراء انشطارٍ نوويّ، حيث تنقسم ذرات اليورانيوم الثقيلة لتصبح عناصر أخفّ، ولم يكن فيرمي على علمٍ بهذا. وكانت "العناصر" التي وجدها مجرّد خليط من الباريوم وعناصر أخرى معروفة.
اُكتشف العنصران الحقيقيان 93 و94 لاحقاً، وسُميّا النبتونيوم والبلوتونيوم. وقُدمّت تفسيرات بديلة لما رآه فيرمي عام 1934، ولكن لم يجرِ اكتشاف الانشطار النووي على نحو صحيح إلا بعد حصول فيرمي على جائزته.
ذهب فيرمي للإشراف على أول مفاعل نووي اصطناعي وأول تفاعل نووي متسلسل ذاتيّ الاستدامة في جامعة شيكاغو، وذلك ضمن مشروع مانهاتن، كما توصّل إلى مفارقة شهيرة تتعلق بالحياة خارج كوكب الأرض. مُنحت جائزة الفيزياء لعام 1944 إلى أوتو هان لعمله في اكتشاف الانشطار، ولكن ربما كان فيرمي يستحق جائزة نوبل عن تلك التجربة أيضاً.