يتوقع أن يباع خطاب أصلي من الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس يعود لعام 1493، وجّهه آنذاك إلى النخبة الأوروبية يعلن فيه اكتشاف أمريكا، في مزاد كريستي خلال الشهر الجاري، وذلك للمرة الأولى، بحوالي 1.5 مليون دولار، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.
الصحيفة أشارت إلى أنه في عام 1493، كتب كريستوفر كولومبوس بعد عودته إلى أوروبا رسالة غيرت مشهد العالم الحديث. وقال في هذه الرسالة التي أرسلها إلى أمين الخزانة الملكية الفرنسي لويس دي سانت أنجيل: "أبحرت إلى جزر الهند بالأسطول الذي أعطاني إياه الملك والملكة اللامعان، حيث اكتشفت عدداً كبيراً من الجزر، التي يسكنها عدد لا يحصى من الناس، واستحوذت عليها جميعاً لصاحبي السمو".
ووفقاً للصحيفة، فإن الرسالة تشيد بالموارد الطبيعية الغنية في الجزر التي عثر عليها كولومبوس، وتصف السكان الأصليين "الخجولين جداً" الذين التقى بهم هناك بأنهم "لم يبدوا أي شكوك، وكرماء جداً إلى حد السذاجة". وينظر المؤرخون إلى هذه الرسالة الآن على أنها جزء من الدعاية التي تبشر ببداية الاستعمار الأوروبي للعالم الجديد.
"أقدم طبعة"
وظلت هذه الرسالة ضمن مجموعة سويسرية خاصة لقرابة قرن من الزمان، ووصفتها دار كريستي بأنها "أقدم طبعة متوفرة من رسالة كولومبوس"، التي أثار نشرها الدولي واحدة من أولى مظاهر "الهياج الإعلامي" للكلمة المطبوعة. وطبعت الرسالة في مطبعة قديمة لنقل خبر "اكتشافات" كولومبوس بسرعة إلى النخبة الأوروبية.
إلى ذلك، قال البروفيسور جيفري سيمكوكس، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "تكمن أهمية هذه الرسالة في انتشارها على نطاق واسع بفضل الطباعة. وباستخدام ما كان تكنولوجيا متطورة حينذاك، أرسل التاج الإسباني نسخاً منها إلى البلاطات الملكية الأوروبية لتأكيد سيادة إسبانيا عليها، وانتشر هذا الخبر بسرعة، لا من خلال القنوات الدبلوماسية فقط، وإنما في القنوات التجارية أيضاً".
براعة كولومبوس
يوضح تأثير هذه الرسالة مدى براعة كولومبوس في الدعاية، وفقاً لمؤرخ العصور الوسطى الكوبي الأمريكي البروفيسور تيو رويز، الذي قال: "حرص على أن يعرف الجميع ما فعله، وأنه وصل إلى جزر الهند بالإبحار غرباً، وهذا بالطبع لم يكن صحيحاً".
كان المستكشفون الأوائل يُحجمون عن الإبحار غرباً، لخشيتهم ألا يتمكنوا من العودة إلى أوطانهم مرة أخرى، لكن كولومبوس أجرى سلسلة من الحسابات الجامحة دون توحيد القياسات، وخلص إلى أن العالم أصغر بنسبة 25% مما هو عليه الآن، ثم أقنع ملكَي إسبانيا، فرديناند الثاني وإيزابيلا الأولى، بتزويده بأسطول من السفن ليتمكن من الإبحار غرباً، وإيجاد طريق بحري جديد إلى آسيا، وبالتالي يمنع البرتغال من احتكار تجارة التوابل.
وقال رويز: "قابل هذه الجزر بالصدفة، لم يكن يعلم ولم يتخيل حتى أنها موجودة".
من جهته، قال البروفيسور ويليام فيليبس، خبير كولومبوس في جامعة مينيسوتا: "لم يدرك ما حققه". أما عن رسالة كولومبوس فقال إنها "كانت بمثابة دعاية له"، أو نموذج لخبر زائف من القرن الخامس عشر.
"الهمجي النبيل"
وهي أيضاً تمثل أحد المظاهر الأولى لنموذج "الهمجي النبيل". يقول سيمكوكس إن رسالة كولومبوس تصور السكان الأصليين العراة، الذين التقى بهم، بـ"أبرياء سذج يعيشون حياة بسيطة في الغابة، وبالتالي جاهزون للمهمة الحضارية التي أخذها الأوروبيون على عاتقهم في تعاملاتهم مع الشعوب في الأمريكتين وإفريقيا".
وبعد ذلك، بعد أن تحول إلى حاكم استعماري وحشي ونائب للملك، استغل كولومبوس بشكل منهجي شعب التاينو في منطقة البحر الكاريبي، وأجبرهم على استخراج الذهب وتقديم حصص منه تحت وطأة العقوبة القاسية. واستعبد كولومبوس الآلاف وشحنهم إلى إسبانيا لبيعهم، وذُبح آخرون أو تعرضوا للعنف والقسوة الشديدين.
وأصيب البعض أيضاً بأمراض فتاكة جلبها الإسبان، مثل الجدري والحصبة. وتشير التقديرات إلى أنه في ظرف بضعة عقود من وصول كولومبوس، مات معظم أفراد التاينو بسبب الاستعباد أو القتل أو المرض.
والآن أصبح الجانب المظلم من التدخل الأوروبي في الأمريكتين معروفاً، وفقاً لفيليبس، وبات المؤرخون ينظرون إلى كولومبوس على أنه "أول المستغلِّين وليس أول المستكشفين".