ويتير عبارة عن أصغر مدينة في ولاية ألاسكا بأمريكا، تقع بين الأنهار الجليدية والجبال الخضراء، وهي البوابة إلى مضيق الأمير ويليام.
يعيش في هذه المدينة الصغيرة بضعة أشخاص، اختاروا أن تكون موطناً لهم، خصوصاً أنهم يعيشون بشكل جماعي في مبنى واحد.
هذا المبنى الذي كان عبارة عن معسكر قديم، تحول إلى مدينة كاملة، به كل المرافق الأساسية التي يحتاجها أي مواطن في أي مدينة أخرى، من بقالة، إلى دور عبادة، إلى قسم شرطة، إلى عيادة طبية، ثم المدرسة.
لغرابتها، تستقبل مدينة ويتير آلاف الزوار سنوياً، والذين يأتون غالباً عن طريق البحر، في سفن كبرى مخصصة للرحلات السياحية اليومية، إذ يستمتعون في طريقهم بمشاهدة أكبر تجمع للأنهار الجليدية، والحيتان الكبرى، وثعالب البحر، ومغدقة الطيور البحرية النشطة.
يستطيع الزوار قضاء يوم واحد في المدينة، من أجل زيارة أبرز مرافقها، وأشهرها غابة سوند، وركوب دراجات جت سكي، فيما تبقى أحسن تجربة بالنسبة لهم، زيارة المبنى الذي يضم ساكنة المدينة كاملة.
من قاعدة عسكرية إلى مبنى يضم كل سكان المدينة!
يعيش جميع أهل مدينة ويتير، الذين لا يتعدى عددهم 220 شخصاً، في مبنى واحد يسمى "أبراج بيجيتش"، وهو مجمع يشبه الوحدات السكنية العادية عند مشاهدته من الخارج.
إلا أن هذه الوحدة السكنية تختلف بشكل كبير عند الدخول إليها، لأنك في هذه اللحظة فقط يمكن أن تعتبر نفسك قد دخلت فعلاً إلى مدينة ويتير، حيث يمكن لقاء سكانها، والتجول بين مختلف الشركات ومكاتب الخدمات الموجودة في الأروقة.
وقد كانت مدينة ويتير قبل الحرب العالمية الثانية غير مأهولة بالسكان، لذلك اعتمدتها الحكومة الأمريكية لتكون قاعدة عسكرية، فتم بناء اثنين من بين أشهر المباني حالياً في المنطقة، وهما مبنى باكنر، المهجور الآن، ومبنى هودج، المعروف الآن باسم "أبراج بيجيتش"، المكونة من 14 طابقاً، وتبلغ مساحتها 51 كم².
خلال سنوات الستينيات، تم إخلاء مباني المدينة كاملة، وأصبحت القاعدة العسكرية غير موجودة، فيما كانت المدينة ميناء للسفن فقط لا غير.
وابتداءً من سنة 1974، بدأ سكان مدن ألاسكا الأخرى بالهروب إلى ويتير، بسبب الأجواء الباردة جداً، فوجدوا في هذا المبنى ملاذاً لهم، ليحميهم من قساوة البرد الذي يستمر عدة أشهر خلال السنة.
ومع التوافد الكبير للسكان، تم توفير جميع المرافق الأساسية التي يمكن أن يحتاج إليها المواطن، داخل المبنى نفسه، وذلك تحسباً لأي طارئ، وكذلك بسبب صعوبة التنقل إلى خارج المدينة، سواء عن طريق البر أو البحر.
سكان ويتير لا صلة لهم ببقية العالم
عند القول إن سكان ويتير لا صلة لهم ببقية العالم فهذا التعبير يعتبر صحيحاً، وذلك لأن هناك بعض العائلات لم يخرجوا فعلاً من المدينة منذ عدة سنوات، لأنهم يرون أنهم لا يحتاجون لأي شيء من الخارج، فكل شيء متوافر أمامهم، ليس فقط في المدينة، وإنما في البناء نفسه.
إذ لا يحتاج السكان هناك لسيارة أو باص، وقطع مسافات طويلة للوصول إلى الأماكن التي يريدونها، فقط يكفي ركوب المصعد، والتوجه إلى الطابق الذي تتوافر فيه الخدمة المطلوبة.
إذا كان الشخص يريد الصلاة، فهناك كنيستان في المبنى، وإذا شعر بتوعك، فإن عيادة طبية في خدمته طول أيام الأسبوع، كما أن الوثائق والأوراق الأساسية يمكن استخراجها كذلك داخل "أبراج بيجيتش".
تقول المعلمة إريكا طومسون، وهي إحدى سكان المدينة: "بعض الناس يحبونها، لأنها مكان يمكن فيه خلق علاقات اجتماعية، فيما هناك أشخاص آخرون يفضلون العيش هنا، لأنها مدينة منعزلة تماماً".
نفق واحد يربط ويتير بالعالم.. لكن لا يمكن استعماله بحرية
على الرغم من أن مدينة ويتير تعتبر وجهة سياحية شهيرة في ولاية ألاسكا الأمريكية، وهناك رحلات يومية تتوجه إلى مينائها الشهير، فإن الطريق البحري لا يعتبر الحل الأفضل أمام السكان هناك، وذلك لأن هذه الرحلات تكون مرتفعة السعر، وتتخللها أنشطة سياحية، كما أن الوصول إلى مدينة أخرى يحتاج لمدة طويلة.
لذلك فإن الحل الوحيد أمام سكان ويتير للخروج من المدينة، والتوجه إلى مدينة أنكوراج، وهي الأقرب بمسافة 100 كيلومتر، هو عبور نفق سكة القطار، الذي تم بناؤه خلال فترة الحرب العالمية الثانية، ليكون الطريقة الوحيدة التي يسلكها الجنود حينها للوصول إلى الثكنة العسكرية.
بعد انتقال السكان للعيش في مدينة ويتير كان القطار هو وسيلة النقل التي تساعدهم في الخروج من المدينة، إذ إنه كان ينطلق مرة واحدة في ساعات الصباح الباكر، ثم يعود مرة واحدة ليلاً، وفي حال لم يتمكن أحد السكان من ركوب قطار العودة فما عليه إلا الانتظار إلى مساء اليوم الموالي.
لكن خلال السنوات الأخيرة، أصبح بإمكان أصحاب السيارات السفر كذلك، بعد أن تم فتح النفق في وجه السيارات كذلك.
إلا أن هناك شروطاً يجب احترامها للسفر بالمركبة الخاصة، تتمثل في ساعات فتح النفق الضيق، الذي لا يتسع إلا لاتجاه واحد فقط، ويبلغ طوله نحو 2.5 ميل، ويصنف على أنه ثاني أطول نفق للطرق السريعة في أمريكا الشمالية.
لذلك فإن النفق يفتح كل نصف ساعة، مرة للسيارات التي تريد الدخول للمدينة، ومرة أخرى لتلك التي تريد الخروج، وفي حال وصل الشخص قبل الوقت المحدد لطريقه، فعليه الانتظار إلى أن يسمح له بذلك، من خلال الإشارة بالضوء الأحمر.
كما يجب الإشارة إلى أن النفق لا يعمل على مدار اليوم، إذ إن عمليات الدخول والخروج من المدينة تبدأ ابتداء من الساعة الـ5:30 صباحاً، وتنتهي عند الساعة الـ11:00 ليلاً.
أبراج بيجيتش ليست لسكان المدينة فقط
على الرغم من أن مبنى "أبراج بيجيتش" لا يتوفر إلا على 14 طابقاً فقط، فإنه في الأساس عبارة عن 3 مبانٍ ملتصقة فيما بينها، لذلك فهي قادرة على لم جميع السكان، وتوفير خدمات أخرى للسياح كذلك.
لذلك فقد تم تخصيص الطابقين العلويين من المبنى ليكونا عبارة عن فندق ومقهى خاص بالزوار من خارج المدينة، الذين يبحثون عن عيش تجربة فريدة وغريبة في الوقت نفسه.
وما يميز هذين الطابقين أنها يطلان على مدينة ويتير كاملة، حيث يمكن رصد جمالها الطبيعي، من خلال الطبيعة الخلابة، والجبال التي تكسوها الثلوج، إضافة إلى البحر والميناء الكبير الذي ترسو به السفن بشكل مستمر.
ويجب الإشارة إلى أن الفندق الموجود في نهاية المبنى يعتبر من بين أفخم الأماكن هناك، وذلك لأنه يعتبر واحداً من بين أهم مصادر جذب السياح إلى المدينة.
فيما يوجد في الطابق الأول جميع المرافق التي يحتاجها السياح والسكان، من مركز الشرطة، إلى مكتب البريد، ثم متجر البقالة وغيرها.
أما المدرسة، فترتبط بأبراج بيجيتش عبر نفق تحت الأرض، يمكن الوصول إليها دون الحاجة إلى الخروج من الباب الرئيسي للمبنى، لذلك فهي تعتبر جزءاً لا يتجزأ منه.