لا شك في أن تشغيل مكيّف الهواء أمرٌ مغرٍ، وقد يكون الحل الأمثل، لمواجهة موجة الحر التي يبدو أنها باقية وتتمدد هذا العام. لكن مع غياب التكييف في بلادنا التي تعاني من أزماتٍ متلاحقة، ومع اضطرارنا إلى التحرك نهاراً، لا بدّ أن نواجه الشمس الحارقة ودرجات الحرارة المرتفعة.
وفي الخارج، نحن على موعد مع الجحيم، وفي أفضل الأحوال قد نشعر بأننا داخل فرنٍ مشتعل. فنحن لا نتحدث هنا عن طقسٍ صيفي حار، بل عن موجة حر ترافقها في أغلب الأحيان نسبة رطوبة عالية، وتستمر أكثر من 3 أيام.
اعتاد أجدادنا الوقوف طيلة النهار تحت أشعة الشمس الحارقة، وهم يحرثون الأرض، أو يسقون الزرع قبل موسم القطف. وبعضهم كان يعمل في العمارة، والتجوال في الشوارع، منذ ساعات الصباح الأولى. كيف استطاعوا ذلك، من دون أن يُصابوا بالإجهاد الحراري؟
حِيَل لمواجهة موجة الحر
صحيحٌ أن أجدادنا لم يعرفوا آثار التغير المناخي التي نختبرها اليوم، لكنهم اعتادوا اتباع استراتيجيات وحِيَل معيّنة للتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة ومواجهة الطقس الحار، ما عُدنا نلجأ إليها اليوم.
فهناك طرق مختلفة يُمكن اتباعها، من شأنها أن تساعدنا على تبريد المنزل وحماية جسمنا من حرارة الشمس، نجزم بأنها نافعة تماماً لمواجهة موجة الحر. وبين توقيت الخروج من المنزل، ونوع الملابس، والبيوت ذاتية التبريد، هذه 5 حِيَل لا بدّ أن تساعدك في موجة الحر:
1- المياه ثم الفواكه والخضراوات
من المعروف أن التعرق هو آلية الجسم الطبيعية لتبريد نفسه، لكن لا بدّ من تعويض تلك الرطوبة المفقودة على الفور، ولا يوجد ما هو أفضل من شرب المياه باستمرار.
كما يمكن تعويض الرطوبة المفقودة من الجسم عن طريق تناول الخضراوات والفواكه، التي تحتوي على الماء، مثل المانجو والبطيخ والخيار. ويلجأ سكان المناطق الاستوائية إلى تناول الحساء الساخن، من أجل تبريد أنفسهم بواسطة التعرق. جرِّبوا تلك الطريقة في موجة الحر، لن تندموا.
بكل الأحوال، فإن مواجهة درجات الحرارة المرتفعة تعتمد أولاً وأخيراً على الترطيب، والترطيب لا يقتصر فقط على شرب المياه. مزج المياه مع الكهارل، أي المعادن ذات شحنة كهربائية -مثل الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم- يمكن أن يكون مثالياً في هذا الإطار.
وليس هناك أفضل من ماء جوز الهند الذي يُعتبر مفيداً جداً؛ لاحتوائه على الكهارل.
2- تغطية نفسك
اعتدنا ألا نحمل مظلة إلا عندما تُمطر، وألا نعتمر قبعة إلا حين نذهب إلى الشاطئ، مع أن الأمرين مهمان جداً لحمايتنا من الشمس الحارقة والمباشرة في موجة الحر.
عموماً، علينا أن نتفادى الخروج من المنزل بين الـ11 صباحاً والثالثة عصراً، لكن في حال اضطُررنا إلى ذلك، يجب تغطية أنفسنا جيداً لمواجهة الشمس في ذلك التوقيت. فلنحمل مظلة، ولو كان حملها مُربكاً، فلمَ لا نرتدي قبعة؟
وعلى النحو نفسه، إن كنتَ تظن أن ارتداء الملابس الخفيفة فكرة جيدة لتبريد جسمك، فأنت مخطئ، لأن ذلك يعرضك لأشعة الشمس بشكلٍ مباشر.
ففي حديثٍ إلى صحيفة New York Times الأمريكية، قالت الدكتورة جيل تيراباسي (خبيرة الطب الرياضي): "تحتاج في الواقع إلى طبقات ملابس قابلة للتنفس، حتى تساعد في نقل حرارة جسمك إلى الخارج".
وأفضل طريقة لذلك هو ارتداء الملابس الفضفاضة، المصنوعة من القطن أو الكتان. كما أن اختيار الألوان الزاهية التي تعكس أشعة الشمس، من شأنه أن يسمح للهواء بأن يمرّ من وإلى خارج جسمك.
في موجة الحر، تجنب قدر المستطاع أقمشة البوليستر والنايلون، وحاول أن تبتعد كذلك عن الألوان الداكنة. فهي تحبس الحرارة داخل جسمك، ما يؤدي إلى صعوبة تبخر العرق. وفي الواقع فإن السماح للعرق بالتبخر يُعدّ أحد أهم طرق تبريد الجسم أثناء الحركة.
3- المواعيد الذكية
لا شك في أنَّ تجنب التعرض لأشعة الشمس قدر الإمكان يمثل أفضل طريقة لحماية نفسك منها. وهذا يعني جدولة العمل خلال الساعات التي تقل فيها حدة ضوء النهار لدى مختلف الثقافات.
اعتاد أجدادنا أن يبدأ يوم عملهم عند الرابعة صباحاً وحتى الظهيرة على أقصى تقدير، بينما يمضون فترة ما بعد الظهيرة في الراحة، قبل معاودة العمل عند الرابعة عصراً.
في موجة الحر التي اجتاحت أوروبا، بدأت بعض الدول تدرس فكرة منح استراحاتٍ للطلاب خلال منتصف النهار أيضاً. كانت ألمانيا على رأس هذه الدول، مع العلم أنها كانت تسخر من هذه الفكرة في السابق.
4- تبريد المنزل من دون مكيّف
لم تحتوِ بيوت أجدادنا على مكيفات الهواء قديماً، ورغم ذلك استطاعت منازلهم الحفاظ على برودتها، عبر استخدام آلياتٍ أخرى أكثر ذكاء.
ومن أبرز تلك الآليات ترك النوافذ مفتوحة ليلاً وخلال ساعات اليوم الأولى، وإغلاقها قبل أن تبدأ درجة الحرارة في الارتفاع خلال الظهيرة. كما أن وضع ستائر ثقيلة من شأنه أن يمنع دخول الحرارة، وأشعة الشمس إلى الغرف.
وتقترح وزارة الطاقة الأمريكية أن نستخدم ستائر ملونة، مدعمة بستارة أخرى بيضاء، بهدف تقليل اكتساب الحرارة بنسبة تصل حتى 33%. ويُمكن استخدام حيلة رش الستائر ببضع قطراتٍ من الماء كل بضع ساعات، حتى تحوّل الهواء الحار إلى نسمات باردة.
إضافةً إلى ذلك، حاول تعليق مراوح في سقف الغرف، لأنها تعمل على تدوير الهواء البارد المحصور في الداخل.
5- تبليل نفسك
في الدول الأوروبية، اعتاد المواطنون رش وجوههم بالماء، خلال الصيف. وفي الواقع، هذه حيلة ممتازة لمواجهة موجة الحر، لأنها تساعد على تبريد البشرة، بعدما يتبخر منها الماء بسبب التعرق. فامتلاك طبقة ماء باردة يساعد في تسريع قدرة الجسم على إطلاق الحرارة.
في المقابل، تستطيع قطع القماش الباردة والمبللة تحقيق الغاية نفسها، وهذا ما اعتاد الرجال في شمال الهند فعله. فهم يلفون الوجه بوشاح أو منشفة مبللة، خلال ساعات الحر الشديدة، وهذه ممارسة منطقية جداً.
فمن الناحية العلمية، الرقبة مليئة بالأوعية الدموية التي تتوسع مع ارتفاع درجات الحرارة. وتحمل هذه الأوعية المتوسعة كمية أكبر من الدم الساخن، من داخل الجسم إلى الجلد، حيث تتبخر الحرارة في الهواء.
لذلك، وحين يصل أحدهم إلى غرف الطوارئ بعد نوبةٍ من الإجهاد الحراري مثلاً، أول ما يفعله الأطباء عادةً هو تغطية الرقبة بالثلج أو المناشف الباردة، من أجل خفض درجة حرارة الجسم بسرعة.