تسبب الزلزال الأخير الذي ضرب المغرب، وكانت بؤرته في إقليم الحوز، القريب من مدينة مراكش، في انهيار عددٍ كبير من المنازل المتواجد في المناطق الجبلية، حيث قضى سكانها تحت الأنقاض.
ليس هذا فقط، فقد تعرضت العديد من المباني للانهيار، والتصدع، في المدن المجاورة للإقليم، من بينها مراكش، وأكادير، وآسفي.
وقد شملت هذه المباني أماكن أثرية شهيرة، أبرزها قصبة أكادير أوفلا، التي تم ترميمها حديثاً، بعد الزلزال الكبير الذي ضرب أكادير سنة 1960، والمسجد الأعظم في قرية تينمل، التابعة للحوز.
قصبة أكادير أوفلا.. بُنيت على يد سلطان الدولة السعدية ودُمرت مرتين بسبب الزلزال
توجد قصبة أكادير أوفلا في مدينة أكادير، على قمة جبل ارتفاعه 236 متراً، حيث كانت تقع المدينة قديماً، قبل الدمار الكبير الذي محى أغلب آثارها في الزلزال الذي ضربها سنة 1960.
وتعد هذه القصبة من أبرز المعالم السياحية والتاريخية لأكادير، إذ إنها شُيدت على يد السلطان محمد الشيخ السعدي، سنة 1540، لأسباب عسكرية، وذلك للتحكم في ضرب البرتغاليين، الذين كانوا متواجدين أسفل الجبل، بحثاً عن طريق الهند.
وقد كان البرتغاليون حينها قد أنشأوا حصناً لهم على سفح الجبل، وبرجاً للمراقبة، الشيء الذي دفع بالسعديين لبناء قصبة أكادير أوفلا في نفس المكان، من أجل الدفاع عن المدينة.
تم تصميم قصبة أكادير أوفلا بشكل ملتوٍ، يطل على أسفل الجبل الذي بنيت عليه، بها سور خارجي مدعم بعدة أبراج، ومسجد كبير، ومبنى الخزينة، ومستشفى، ومنازل، وأزقة عديدة، وأضرحة، كلها تطل على شاطئ البحر، وشعار المغرب الشهير "الله الوطن الملك".
استمر هذه القصبة في حماية مدينة أكادير أوفلا، وهي تسمية باللغة الأمازيغية، تعني "الحصن العالي"، إذ كانت تعتبر نواة للمدينة، وأهم معالمها، حتى دمارها سنة 1960 بسبب الزلزال، الذي تسبب في إنهاء تاريخ هذه المدينة بكل ما فيها.
خصوصاً أن إمكانيات المغرب لم تكن قادرة حينها على مواجهة كارثة مماثلة، فبقيت الجثث تحت الأنقاض، ولم يتم انتشالها، وتم رشّ بعض المبيدات والمواد الكيميائية على المنطقة، لتفادي انبعاث الروائح الكريهة بفعل تحلل الجثث.
بقيت قصبة أكادير على حالها المدمر لسنوات طويلة، إذ تحولت إلى مزار سياحي شهير، يتوجه إليه السياح من أجل مشاهدة مدينة أكادير من أعلى الجبل، كما أنها كانت طريقاً من أجل التوجه إلى مناطق جبلية أخرى قريبة من المدينة.
ولأن الطريق هناك تعتبر وعرة وخطيرة، فقد أغلقت السلطات المغربية القصبة سنة 2019، بسبب كثرة حوادث السير، وارتفاع عدد الضحايا هناك، ليتم ترميمها من جديد، وافتتاحها سنة 2020، لكن الأمر لم يستمر طويلاً، بعد أن تضررت من جديد، وانهار جزء كبير منها، في الزلزال الذي ضرب المغرب، وبالتحديد إقليم الحوز، في شهر سبتمبر الجاري.
المسجد الأعظم في تينمل.. انطلق منه المد الموحدي واختفت كل معالمه بسبب الزلزال
بُني المسجد الأعظم في قرية تينمل، المتواجدة في الأطلس الكبير، والتابعة لإقليم الحوز، بالقرب من مدينة مراكش، وذلك سنة 1153، على يد الخليفة عبد المؤمن الموحدي، ويعتبر مهد الدولة الموحدية.
وقد بُني هذا المسجد تخليداً لذكرى مؤسس الدولة الموحدية المهدي بن تومرت، الذي توفي سنة 1130 م، وبقي صامداً في مكانه، حتى سنة 2023، عندما تحول إلى ركام وأحجار متناثرة هنا هناك، بفعل الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز، والذي يعد الأقوى على الإطلاق في المنطقة.
تم تسجيل المسجد الأعظم في لائحة "اليونسكو" للتراث العالمي، سنة 1995، وهي نفس السنة التي تم فيها إدراج العديد من المعالم المغربية التاريخية في اللائحة.
وقد بُني هذا المسجد على شكل طولي، على مساحة تصل إلى 48,10 متر في الطول، و43,60 متر في العرض، وهو محاط بسور مرتفع تعلوه عدة شرفات.
توجد داخل المسجد قاعة صلاة، منقسمة إلى تسع أروقة، متجهة نحو القبلة، ويشكل الرواق والبلاط شكل هندسي على شكل حرف "T".
وبه قد كانت به ثلاث قباب تتوزع بشكل منتظم على طول رواق القبة، إلا أنه في آخر تحديث له قبل الزلزال، بقيت فقط قبة واحدة في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد.
لقاعة الصلاة جمالية خاصة، من خلال الأقواس المبنية داخل المسجد، ذات الأشكال المختلفة والمتنوعة، التي تحاكي الهندسة الإسلامية لمساجد المغرب القديمة.
عرف المسجد عمليات إعادة الترميم بداية سنة 2023، وذلك ليكون في وضع أفضل لاستقبال السياح والمصلين، ثم للحفاظ على واحد من أهم المعالم التي تحكي تاريخ تأسيس الدولة الموحدية، إلا أن القدر شاء أن يختفي بشكل كامل ولا يتبقى منه إلا الذكريات.