حقَّق حمام الثلج في الفترة الأخيرة انتشاراً واسعاً جداً، بعد التحديات التي يُطلقها مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي عنه، والتي يزداد عدد المشاركين فيها يوماً بعد يوم؛ حتى أصبحت ظاهرة مُعتمدة فعلياً، تدفع بالكثيرين إلى طرح السؤال الأساسي: "لماذا يستخدم اللاعبون حمامات الثلج"؟
وفيما يروّج بعض الخبراء لفوائد حمام الثلج، ثمة مَن يحذر في المقابل مِن أضراره، وخلال السنوات الماضية أصبحت هذه الممارسة بمثابة علاجٍ يلجأ إليه الرياضيون بعد ممارسة نشاطٍ بدني قوي، أو عقب فعاليات كبيرة، للحدّ من التوتر وشدّ العضلات.
والحقيقة أن حمام الثلج ليس نشاطاً حديثاً، بل إنه ممارسة قديمة تعود إلى بداية القرن الـ20 في البلاد الإسكندنافية، اعتمدتها الشعوب لمواجهة البرد وتقلبات الطقس؛ حتى صار الجلوس في المياه المثلجة علاجاً لآلام المفاصل والعضلات.
فوائد حمام الثلج
بدأ بعض مراكز التعافي وعيادات العلاج الطبيعي في الغرب اعتماد حمامات الثلج، على اعتبار أنه شكل من أشكال التعافي. وفي حديثٍ إلى موقع Mind Body Green يوضح خبير العلاج الطبيعي كيغان هوراك ما هي فوائد حمام الثلج.
فوفقاً لهوراك "يُعتقد أن حمامات الثلج عامل ضغط يدفع الجسم إلى تجاوز مستوى راحته، ليمنحه فوائد إدراكية وجسدية"؛ ما يعني أن الاستحمام بالماء البارد يحفز صحة الجسم والذهن في الوقت نفسه، وأبرز فوائده:
1- يخفف آلام العضلات
وفقاً لموقع Healthline للصحة والمعلومات الطبية، فإن أكبر فائدة لحمام الثلج أنها تجعل الجسم يشعر بالراحة والاسترخاء، بعد المرور بالصدمة الأولى في البداية.
ويوضح الخبراء أن الغطس بمياهٍ مثلجة بعد تمرينٍ مكثف مثلاً يمكن أن يخفف من آلام العضلات وشعور الشدّ في الأماكن التي تمّ تحفيزها بالتمرينات. وبالتالي تُستخدم هذه الحمامات لعلاج الرياضيين عند الألم المبرح، بعد تمرينات قوية تُجهد العضلات.
فحمام الثلج يغير طريقة تدفق السوائل عبر الجسم، مثل الدم واللمف. وحين يتعرض الجسم للماء البارد تنقبض الأوعية الدموية بسبب البرودة، ثم تتوسع حين يصبح الجسم دافئاً مرة أخرى.
وكل هذه العملية تساعد في طرد فضلات عملية الأيض من الجسم، وتمكّن العضلات أيضاً من الحصول على مزيد من الأوكسجين والعناصر المغذية. وبالتأكيد لاحظ الكثيرُ من الناس أن أكياس الثلج تساعد في تخفيف الألم، والتورم الناتج عن تمزق العضلات.
درجة الحرارة المنخفضة تقلل من كينازات الكرياتين، وهي إنزيمات يفرزها الجسم حين تُتلَف خلايا العضلات بسبب التمارين الرياضية القاسية، أو الإصابات. وبحسب دراسة نُشرت عام 2022، فإن حمامات الثلج مفيدة لتعافي العضلات.
2- يخفف التوتر
يُمكن لحمام الثلج أن يساعد الجهاز العصبي المركزي في الجسم، من خلال تحفيز العصب المبهم، الذي ثبُتَ أنه يساعد على الاسترخاء والتخلص من التعب والتوتر. كما يساعد على تحسين ردات فعلنا، وسرعة استجابة الجسم، وكذلك سرعة البديهة.
تساعد حمامات الثلج بانتظام على تنشيط الآليات الخلوية ومسارات الإشارات في جسمنا، التي تغير طريقة تفاعله مع التوتر. وهذا قد يمثل تغييراً جذرياً لمن يتعرضون للتوتر في حياتهم باستمرار.
تفرز أجسامنا هرموني النورإيبينفرين والإبينفرين، ويُعرفان بأنهما هرمونا "الكر والفر" أثناء حمام الثلج. فالتعرض المُتعمَّد لهذين الهرمونين يمكّننا من الحفاظ على الصفاء الذهني، ويمنحنا حالة من الهدوء أثناء أوقات التوتر.
3- يحسّن جودة النوم
وجدت إحدى الدراسات التي أُجريت عام 2021 على رياضيين أن من أخذوا حماماً بارداً لكامل الجسم، بعد استخدام جهاز المشي، كان نومهم أفضل أثناء الليل.
تحفز المياه المثلجة نظامنا على توزيع الدم الطازج، لأن الماء البارد يخفض درجة حرارة الجسم. وهذا بدوره يمكّن جسمنا من خفض مستويات ضغط الدم، ويساعدنا على الراحة والاسترخاء.
ووفقاً لموقع th7 Body Labs، فمن فوائد حمام الثلج أنه يزيد من هرمون الإندورفين، وهو هرمون المواد الكيميائية الذي يجعلنا نسترخي، كما يمكنه أن يكبح قدرة الجسم على إنتاج الكورتيزول، المادة الكيميائية التي قد تزيد التوتر في أدمغتنا.
4- يحسّن الحالة المزاجية
من فوائد حمام الثلج أنه مفيد للصحة العقلية بشكلٍ مباشر. فوفقاً لموقع Byrdie الأمريكي، لا يجد معظم الناس تجربة حمامات الثلج ممتعة في البداية، لا بل يمكن أن يعتبروه مؤلماً للغاية.
لكن رغم ذلك، فإنه "يحسِّن قدرتهم على الاسترخاء والتركيز، وعلى التنفُّس بشكلٍ عميق". ومع مرور الوقت يبدأ الجسم في تحمُّل البرد والتأقلم، ومن شأن ذلك أن يساعدنا على التكيّف مع نواحٍ مختلفة في الحياة، ما يعزز ثقتنا بأنفسنا.
ووفقاً لدراسة أجريت عام 2023، تعزز حمامات الثلج أيضاً إفراز الدوبامين، هرمون السعادة. فالاسترخاء بالمياه المثلجة لـ5 دقائق كان له أثر إيجابي على حالة المشاركين المزاجية، مثل: تقليل التوتر، والعصبية، وزيادة الانتباه.
المدة المناسبة لحمامات الثلج
عموماً، يمكن الاستفادة من حمامات الثلج لو بقيت بداخلها من دقيقة إلى 5 دقائق، فهي مدة كافية لتحصل على فوائدها.
لكن وفقاً لموقع On Running، فإن المدة المثالية لحمام الثلج هي 15 دقيقة، وعليكَ ألا تتعداها حتى لو كنتَ تعاني من آلام العضلات. فالبقاء فيه لأكثر من 15 دقيقة قد يزيد من خطر الإصابة بانخفاض حرارة الجسم، وما يُعرف بـ"قضمة الصقيع".
وإليك بعض النصائح الضرورية، في حال كنت من المبتدئين بهذا المجال:
1- حاول في المرة الأولى أن يرافقك شخصٌ آخر، في حال احتجتَ لأي مساعدة أو تعرضتَ لأي أثرٍ جانبي، فالمرة الأولى غالباً ما تكون تجريبية، لمعرفة ردة فعل جسمك تجاه حمام الثلج.
2- ادخل الحمام دفعة واحدة، وليس تدريجياً، فذلك يساعد أكثر. وعليك أن تدرك أنك قد لا تشعر بالراحة في الدقائق الأولى، لكن جسمك سيتأقلم بعد ذلك، وتنسى أنكَ داخل الثلج.
3- لو كنتَ ستُدخل حمام الثلج إلى روتين حياتك فخذ بعين الاعتبار أن بدلات القدمين (Feet wetsuits) ستكون مثالية، لأنها مصنوعة من مادة ملابس الغطس التي تساعد في الحفاظ على دفء قدميك.
4- درجة حرارة حمام الثلج: وهي من الأمور المهمة أيضاً التي يجب مراعاتها عند البدء في العلاج بالماء البارد. يُفضل أن تتراوح درجة حرارته بين 10 إلى 15 درجة مئوية، صحيح أنه يسمى "حمام ثلج"، لكن الماء لا يجب أن يكون متجمداً بالفعل.
أما لو كنت تتساءل عن عدد المرات التي يُسمح لك بتكرار حمامات الثلج، فحمامان أو ثلاثة أسبوعياً- بعد جلسة تمرين مكثفة- تحقق الغرض، وتذكّر ألا تزيد المدة عن 15 دقيقة.
5- قد يغريك أن تقفز مباشرة إلى حمام دافئ بعد حمام ثلج، ولكن عليك الانتظار، أعطِ جسمك بعض الوقت حتى يعود إلى درجة الحرارة الطبيعية من تلقاء نفسه، فإذا أخذتَ حماماً دافئاً أو ساخناً بعد حمام الثلج مباشرة فقد يتسبب ذلك في إصابة الجسم بالصدمة، وقد يسبب أيضاً تمدداً سريعاً للأوعية الدموية التي انقبضت في حمام الثلج، وهذا يمكن أن يسبب انخفاضاً في ضغط الدم ودواراً، وحتى إغماء.
أضرار حمام الثلج
لا تناسب حمامات الثلج المصابين بأمراض الدورة الدموية، مثل متلازمة رينود أو أمراض الأوعية الدموية الطرفية، وفضلاً عن ذلك لا يُنصح بها للحوامل أو لمن سبق أن أصيبوا بقضمة الصقيع، أو من لديهم جروح مفتوحة، أو أجروا عمليات جراحية مؤخراً، أو من يعانون من مشكلات في القلب.
فالتعرض لحمام الثلج على فترات طويلة قد يؤدي أيضاً إلى زيادة سرعة ضربات القلب، ويؤثر على القلب والأوعية الدموية، وارتفاع معدل ضربات القلب.
وذلك لأن انخفاض درجة الحرارة الأساسية والانغماس في الجليد يضيّقان الأوعية الدموية، ويبطئان من تدفق الدم في الجسم. وهذا قد يكون خطيراً إذا كنت تعاني من انخفاض في تدفق الدم بالفعل، ما يعرِّضك لخطر الإصابة بالنوبة القلبية أو الدماغية.
الخطر الآخر الذي قد يحدث هو انخفاض درجة حرارة الجسم بشكلٍ حاد، خاصةً إذا ظللتَ مغموراً في المياه الجليدية لفترة طويلة.
كما يحتاج الأشخاص المصابون بداء السكري من النوع 1 والنوع 2 أيضاً إلى توخي الحذر إذا قرروا الاستحمام في الثلج، نظراً لأن كليهما مرتبط بانخفاض قدرة الجسم في الحفاظ على درجة الحرارة الأساسية، أثناء التغيرات الشديدة في درجات الحرارة.
لذا، وبكل الأحوال، احرص دائماً على استشارة الطبيب قبل أن تقرر إن كانت حمامات الثلج مناسبة لك أم لا.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.