في كل بلد فنون فلكلورية مختلفة تعود إلى آلاف السنين، في المغرب تشتهر التبوريدة المغربية "الفانتازيا" أو كما يسميها البعض باسم الخيالة أو الباردية خلال فصل الصيف، وهي أحد أنواع الفنون في عالم الفروسية، يتم تقديم عروض فروسية تحكي عن الهجمات العسكرية في المغرب منذ القدم وخاصة عند الأمازيغ.
يعود تاريخها إلى القرن الـ15، توارثها المغاربة عبر الأجيال كما أنها تحافظ على بعدها الروحي القوي، في التبوريدة المغربية يعامل الحصان بمعاملة الحيوان المقدس، وللتبوريدة أهمية كبيرة وإقبال من قبل المغاربة، كما ترتبط بالمناسبات الاحتفالية التي يتم تنظيمها في مختلف المدن في أرجاء المملكة المغربية.
تتكون التبوريدة من 15 فارساً من كل سربة "أي من كل فريق"، يصطفون على خط مستقيم ومنتظم، ويكون في وسط الفرقة المقدم "القائد" ومهمته تتمثل في تنظيم حركات الخيل والرجال، ويقوم جميع الفرسان بترديد عبارات متنوعة تعرف بحركات الجهاد.
يقومون بتوجيه النيران من البنادق التي يحملونها في اتجاه السماء أو في اتجاه الأرض وهذه الحركات لا تتم إلا بإشارة المقدم وهو قائد الفرقة، ومع خروج كل طلقة يكون هناك تصفيق حار وزغاريد، ولا يتم إطلاق أي طلقات عشوائية أو مبعثرة.
التبوريدة.. من الجهاد ضد الغزاة إلى أهم فلكلور بالمغرب
حسب موقع "unesco" يعود فن التبوريدة المغربية إلى القرن الـ15 الميلادي، كان يستخدم في البداية من قبل المجاهدين ضد الغزاة، فيما كانت المراسم تقام عندما يركب المجاهدون الخيول ويمسكون بالبنادق أثناء تشكيل صفوف الأعداء والغزاة الأجانب المتوافدين على أرضهم.
في المغرب التبوريدة جزء متجذر في التراث المغربي، كما أن لها إعجاباً وشهرة واسعة منذ الأزل، إذ لا تخلو مناسبة وطنية أو عائلية إلا وكانت التبوريدة جزءاً منها، خاصة أنها تعتبر من التراث اللامادي للمغرب.
تتم إقامة العروض وتشتعل الساحة بالمواويل والأغاني والصيحات وتمجّد البارود والبندقية التي هي أساس العرض ولا يمكن الاستغناء عنها، ويقدم هذا العرض أمهر الفرسان وأجمل أنواع الخيول الخاصة بالتبوريدة، ومن أكثر ما يميز التبوريدة أنه لا يمكن امتلاكها أي شخص بل من يمتلكها يكون صاحب سمعة طيبة بين شعبه وله شأن عظيم.
استخدمت التبوريدة المغربية خلال فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب في المقاومة، وذلك لإتقان أصحابها ركوب الخيل واستخدام البواريد من فوقها بشكل جيد.
التبوريدة المغربية.. ملابس خاصة وسرج تقليدي
للفانتازيا ملابس خاصة وهي عبارة عن الزي التقليدي الذي يجب أن يكون موحداً بين كل أعضاء السربة، وهو عبارة عن جلباب رقيق تحته ما يعرف في المغرب بالفرجية أو تشامير، بالإضافة إلى السروال العربي الواسع المعروف بلونه الأبيض.
يضاف إلى الزي العمامة في الرأس بجانب بعض الإكسسوارات الجلدية من حقيبة "الشكارة" ومجادل على الأكتاف، أما حذاء الفارس فمصنوع هو الآخر من الجلد الخفيف ويصل إلى تحت الركبة ويتم ربط مهاميز فيه من الأمام، وذلك لنقر الخيل ليقوم بأداء الحركات إذا تقاعس وتعرف بـ"التّماك".
ليس الفارس الوحيد من يرتدي لباساً موحداً وتقليدياً، فلكل سربة لباس خاص بها، إذ يقومون بتزيين الفرس بمظهر أنيق ومتألق، وذلك بسرج مصنوع على الطريقة المغربية التقليدية وتتكون هذه الزينة من الأشياء التالية:
- اللبد: ويكون عبارة عن نسيج مصنوع من الصوف المحلي وناعم مثل الحرير ويتم وضعه على صهوة الفرس.
- الطّراشح: وهو عبارة عن ستة سجاجيد مصنوعة من الملف (نوع من الخيوط) وتكون وظيفتها حماية صهوة الفرس من الاحتكاك بـ"القربوس".
- القربوس: من أهم العناصر في التزيين وخاصةً في السرج، يربط هذا هذا الجزء في الفرس من مقدمة البطن برباط محكم يعرف بـ"تاكُست" وبآخر من صدر الفرس ويعرف بـ"الدِّير".
بالإضافة إلى السروج هناك أنواع من الزينة التى يتم تعليق أجراس بها، وتكون عبارة عن أجراس صغيرة معلقة بخيوط من الحرير ويتم ربط حبات الموزون، والقبض وهو عبارة عن وشاح ذهبي اللون يعلق في رقبة الفرس ومعه تِسككِرِّيت والتي تربط إلى اللجام في ناصية الفرس.
الفانتازيا ترويض خاص وشهور من العمل
حسب "وكالة الأناضول" للفانتازيا طقوس وتقاليد محددة تبدأ بالترويض؛ إذ يجب ترويض المهر أولاً على طريقة الرقص، تعتبر هذه أصعب مرحلة يكون الهدف منها هو اكتساب الألفة بين الفارس والفرس، أما المرحلة الثانية فهي وضع اللجام للمهر، هذه المرحلة تكون بها صعوبة في البداية بعدها تبدأ مرحلة ركوب المهر بشكل متقطع لمسافات قصيرة إلى أن يشتد عود المهر.
من نجاح فن التبوريدة المغربية هو احترام المجموعة للقائد وللشروط التي يضعها، ومنها شروط للفرس وشروط للفارس، وهناك شروط تتعلق بالمكان والنشاط الفني، وهو ما يعرف لدى العامة بـ"المطرك" أو "المجبد" ويكون عبارة عن ميدان يحتضن به ملتقيات ومجريات فن التبوريدة وعلى أرضيته يتم العرض والفرجة، فيما تقام على أطراف هذه المنطقة الخيام.
الخيول الأمازيغية في عروض التبوريدة المغربية
حسب موقع"independent arabia" يُشكل الحصان البربري أحد أقدم سلالات الخيول في العالم، يعود وجوده في شمال إفريقيا إلى 3 آلاف عام، استخدمته القبائل الأمازيغية سابقاً في الصيد والتنقل والحرب، وارتبط الحصان البربري في المغرب حالياً بفن "التبوريدة المغربية" نظراً إلى ما يتميز به من خفة وليونة وسهولة في الترويض، ما يسهل عليه تأدية بعض الحركات الصعبة خلال تلك العروض.
يُعتبر من أقوى الخيول نظراً إلى مقدرته الهائلة على التحمل وشجاعته، إذ يمكنه الجري لمسافات طويلة وبسرعة كبيرة، كل تلك المميزات جعلت منه أهم حصان يعتمد عليه المغاربة في عروض الفروسية التقليدية، وبالتالي أصبحت له مكانة خاصة في حياتهم اليومية.
من بين أهم المميزات التي تجعل منه أقوى الجياد، كونه يمتلك 5 فقرات صدرية في حين تكون للفرس العادي 6 فقرات. تلك الفقرة الخامسة تُعتبر علمياً نقطة الضعف عند الأحصنة. وبالتالي، عدم وجودها لدى الحِصان البربري منحه القوة والمرونة والمقدرة على التحمل.
كما يمكنه البقاء من دون طعام ومياه لمدة معينة، ويتراوح طوله بين 1.16 و1.55 متر، ووزنه بين 400 إلى 500 كلغ، ويمكن أن يصل سعر أرقى سلالاته إلى 200 ألف دولار.
لخيول التبوريدة المغربية مواصفات خاصة وذلك ليتمكن الفارس من توجيه الخيل، ويمكن للخيل الاستجابة لبعض الضوابط في لعبة الفروسية ومن بعضها:
- أن يكون الفرس حراً: وهذا يعني أن يكون الفرس عزيز النفس ومن مؤشرات الرفعة عند الفرس هو التعفف عن أكل علف أي فرس آخر، ويقوم بتحريك الأذنين في اتجاهين مختلفين وذلك عندما يقترب منه أي شخص غريب.
- صغر السن: ومن أهم الشروط أن يكون الفرس ذا سن صغيرة، لمن يرغب في اقتناء الخيل وألا يكون قد حمل السرج قط حتى يسهل ترويضه من طرف صاحبه الجديد.
- الطول: من التعليمات الهامة أن الفرس يجب أن يكون طويلاً ويعتمد ذلك على قياس المسافة بين ركبتيه وبين ملتقى الحافر والساق، وإذا تجاوز الفرس أربعين سنتيمترا فهذا يعتبر من المميزات وأنه خيل مميز.
- الهيئة من الخلف ما يعرف بالسلهام: من أكثر العلامات المميزة للفرس هو اتساع خاصرته وأن يكون الفرس ذا عضلات مفتولة وذيله قصيراً وينتهي بخصلة من الشعر الطويل الناعم غير المجعد، وهذه المواصفات في الخيل يطلق عليها مصطلح السلهام.
- الهيئة من الأمام: يجب أن يكون الفرس يمتلك صدراً واسعاً عريضاً من الركبتين ورأسه مرفوعاً دائماً.
- اللون: أغلب الأشخاص يفضلون اختيار لون الفرس، ومن أميز ألوان الفرس الأشقر والأدهم والمذهب اللون، والأسود الداكن، هناك بعض أنواع الفرس التي تمتلك ثلاثة ألوان، حيث يولد الفرس أسود ثم يتحول إلى لون مزركش بالأبيض والأسود وهذا هو اللون المحبب.