يميل الكثيرون منا إلى تكرار خياراته في الحياة؛ لأنه ببساطة معتاد عليها. فهي قرارات آمنة نعلم جيداً ما سينتج عنها، على سبيل المثال: زيارة نفس المقاهي، واختيار نفس أصناف الطعام، أو حتى ارتداء قميص محدد بشكل متكرر؛ لأنه يشعرنا بالأريحية والأمان.
في الجهة المقابلة من هذا الاعتياد، يعاني بعض الناس من حالة "رهاب" حقيقية تجاه الأشياء الجديدة باختلافاتها، الأمر الذي يدفعهم لمواقف محرجة عديدة، بل قد يحرمهم من الفرص والإمكانيات المختلفة في الحياة، وقد يصبح الأمر أحياناً مهدداً للسلامة والحياة!
في هذا التقرير نستعرض رهاب "نيوفوبيا" أو "الخوف من الأشياء الجديدة"، والعوامل النفسية التي قد تدفع الشخص للمعاناة منه، ومدى تأثيره على جودة حياة الإنسان.
الفوبيا من الأشياء الجديدة أو "نيوفوبيا"
يُعد رهاب "نيوفوبيا" (Neophobia) هو الخوف الشديد من الأشياء الجديدة. وهو رهاب معقد نسبياً، إذ لم يتم التعرف عليه كحالة متميزة في "الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية" مثل باقي الاضطرابات النفسية والعقلية المعروفة. ومع ذلك، إذا كانت أعراض الحالة تفي بمعايير معينة، فقد يتم تشخيصها على أنها رهاب مرضي.
في بعض الحالات، ينطبق الخوف في المقام الأول على أشياء معينة مثل الخوف من الأطعمة الجديدة أو عند زيارة الأماكن الجديدة أو لقاء الناس الجدد. ومع ذلك، يمكنه أن يتطور ويتفاقم ليسيطر على حياة المصاب ما يمكن أن يؤدي أيضاً إلى خسائر فادحة تحد من حياة الشخص وعلاقاته وخبراته في الحياة.
أعراض الفوبيا الأكثر شيوعاً
يمكن أن يؤدي رهاب الأشياء الجديدة "نيوفوبيا" إلى أعراض جسدية ونفسية وسلوكية عديدة مثله مثل مختلف أنواع الفوبيا الأخرى؛ لذلك يمكن أن تشمل بعض الأعراض الجسدية لهذا النوع من الرهاب ما يلي:
- ضيق التنفس.
- الدوخة والدوار.
- زيادة معدل ضربات القلب.
- الغثيان.
- الارتعاش والارتجاف.
كما تشمل الأعراض النفسية الشعور بالقلق أو حتى الخوف من الموت.
وتساهم الاستجابات الجسدية والنفسية التي يتعرض لها الأشخاص عند مواجهة أشياء جديدة في ظهور العلامات السلوكية للرهاب أيضاً، والتي قد تتضمن ميل المصاب بفوبيا الأشياء الجديدة إلى تجنّب مختلف التجارب الجديدة.
نتيجة لذلك، تتحدى هذه الفوبيا حاجة الإنسان إلى التطور والتقدم في حياته والنمو سواء في علاقاته بالناس وبناء الدوائر الاجتماعية أو بشكل مهني وعملي في وظيفته وشؤونه الخاصة، الأمر الذي قد يدفع المصابين للعزلة الاجتماعية والإخفاق الوظيفي وحتى الاكتئاب الحاد نتيجة الحرمان.
التشخيص بالـ"نيوفوبيا"
لا يتم تشخيص الأشخاص الذين يعانون من هذا الخوف بأنهم مصابون بالرهاب من الأشياء الجديدة بصورة رسمية، لأنه ليس حالة معترفاً بها في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية كما أسلفنا؛ لكن بدلاً من ذلك، قد يتم تشخيصهم بما يعرف بـ"الفوبيا المحددة"، وهي الخوف من شيء محدد، إذا كانت أعراضهم تفي بالمعايير التالية:
- الشعور بالهلع المفرط عند التعرض للأشياء الجديدة.
- رد الفعل الفوري بالخوف والقلق عند مواجهة أشياء جديدة.
- تجنب الأشياء الجديدة أو الضيق الشديد عند مواجهتها.
ولكي يصبح الأمر أكثر من مجرد شعور بعدم الراحة نتيجة للخروج من منطقة الراحة، وتجاوز الخيارات الحياتية المعتادة، يجب أن تكون هذه الأعراض مقيدة للحياة ومعطلة لقدرات الشخص خلال تعاملاته والتزاماته اليومية المعتادة، وأن تستمر 6 أشهر أو أكثر.
أسباب المعاناة من فوبيا الأشياء الجديدة
قد يصاب الشخص برهاب "نيوفوبيا" نتيجة لعدد من العوامل المختلفة. لكن العوامل الوراثية تلعب دوراً مؤثراً في الإصابة بالفوبيا، بمعنى أنه لو عانى أحد أفراد الأسرة أو العائلة من الرهاب، فقد تزيد فرص الشخص في المعاناة منه أيضاً.
كذلك قد تؤثر تجارب الحياة المؤلمة على التركيب النفسي والعقلي للشخص، الأمر الذي قد يسبب له تطوير حالات الفوبيا المحددة، ومنها الفوبيا من الأشياء الجديدة.
ويُعد هذا النوع تحديداً مرتبطاً بالمخاوف المزدوجة من النجاح والفشل. لأنه لتحقيق النجاح، من الضروري المخاطرة، وتقبل تغيرات الحياة، والتكيف مع الظروف الجديدة، والتمتع بالمرونة الكافية لاستغلال الفرص المختلفة التي تقدمها الحياة لنا.
في المقابل، قد يشعر الأشخاص المصابون برهاب الخوف أن الفوائد المحتملة للنجاح لا تفوق الاضطرابات المحتملة في حياتهم. وبالتالي غالباً ما يقضون عقوداً في نفس المنزل، ويعملون نفس العمل، بل ويأكلون نفس الوجبات يومياً تقريباً.
خيارات العلاج المتاحة لرهاب الـ"نيوفوبيا"
يُعد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو الخيار الأول لعلاج أنواع الرهاب المختلفة، فهو يركز على مساعدة الناس على تغيير أنماط التفكير السلبية لديهم، التي يمكن أن تؤدي إلى سلوكيات الخوف والتجنب.
وبدلاً من الخوف من الأشياء أو التجارب الجديدة، قد يعمل الناس على إعادة تسمية هذه الأفكار على أنها ترقب أو إثارة.
ومن بين تقنيات العلاج المعرفي السلوكي أسلوب العلاج بالتعرُّض. وفي هذا النهج يتعرض الناس بشكل متسلسل وتدريجي لما يخشونه. وبمرور الوقت، تتضاءل مشاعر الخوف لديهم.
كذلك يمكن لبعض العادات اليومية البسيطة أن تساهم في تحسين الحالة؛ على سبيل المثال، اتخاذ قرار بزيارة مطعم جديد، أو اختيار وجبة طعام جديدة، أو بدء مشاهدة عمل درامي جديد عوضاً عن إعادة مشاهدة المسلسل المفضل عشرات المرات.