تعتبر مهمة الهبوط على القمر والعينات من حجارة القمر التي أحضرها رواد الفضاء معهم إلى الأرض مصدر فخر لوكالة ناسا، وإثبات لتفوقها في سباق الفضاء، وربما من "الكنوز الوطنية الأمريكية" التي لا تقدر بثمن.
ولكن عندما اكتشفت الأمريكية "نانسي لي كارلسون" عام 2017، كيساً من القماش قيل إنه يعود لوكالة ناسا يحتوي بعض العينات من الحجارة معروضاً في مزاد على الإنترنت، لم تصدق حظها.
نظراً لكونها مهتمة بالجيولوجيا وكانت لها هواية في جمع عينات الأحجار، وأن الكيس تم عرضه في المزاد نيابة عن مكتب خدمات المارشال الأمريكي، وهو إحدى وكالات إنفاذ القانون الحكومية الأمريكية؛ توقعت نانسي أن ذلك الكيس والحجارة قد يحملان قيمة مادية ما، لكنها لم تكن تتوقع أنهما سيجعلانها مليونيرة، وأنها ستكون مضطرة لرفع قضية على وكالة ناسا للحصول على تلك الثروة.
كنز وكالة ناسا الذي لا يقدر بثمن يصل للمزاد بسبب خطأ
تعتبر وكالة ناسا المعدات المستخدمة في المهمات القمرية ملكاً للشعب الأمريكي، ويجب عدم بيعها أبداً لمشترين من القطاع الخاص.
من بين تلك الأشياء الغبار القمري والعينات التي جلبها رواد الفضاء نيل آرمسترونغ، و"مايكل كولينز"، و"بز ألدرن" أثناء مهمة أبولو 11 سنة 1969.
جمع أرمسترونغ العينة الأولى في كيس من التفلون، وغطت الحبيبات الدقيقة للغبار القمري الجزء الخارجي من الكيس أيضاً. ومن أجل النقل إلى الأرض، تم تخزين الكيس بأكمله داخل حقيبة مختومة بكلمات "عينة القمر" بأحرف كبيرة.
قامت وكالة ناسا بإعارة كيس العينات إلى جانب القطع الأثرية الأخرى إلى متحف الفضاء في ولاية كانساس. ولكن في وقت غير معلوم اختفى الكيس ولم تعثر السلطات حينها على أي دليل يقودهم إلى أين اختفى ذلك الكيس.
لكن في عام 2002، بدأ الموظفون في التحقيق في العديد من العناصر المفقودة. اكتشفوا أن مدير المتحف السابق "ماكس أري" كان يبيع القطع الأثرية من المتحف ويأخذ الأموال لنفسه أو يحتفظ ببعض القطع لنفسه في مجموعة خاصة في منزله.
بعد القبض عليه حُكم على ماكس بالسجن 3 سنوات وغرامة قدرها 132 ألف دولار بتهمة الاحتيال والسرقة وغسيل الأموال، ومصادرة أية قطع كان يحتفظ بها في منزله، ومن بين تلك القطع كان الكيس الذي يحتوي بقايا العينات القمرية.
لم يدرك عناصر الشرطة أهمية ذلك الكيس في ذلك الوقت. وعُرضت في المزاد بعد سنوات، وحين شاهدتها "نانسي لي كارلسون"، اشترت الكيس وما يوجد في داخله مقابل 995 دولاراً فقط، ولم تكن تتخيل أن الكيس يساوي ثروة، ويعتبر كنزاً وطنياً أمريكياً. وأنها ستضطر لرفع قضية على وكالة ناسا، لتثبت كونها مالكة الكيس بشكل قانوني.
نانسي تستعين بوكالة ناسا لكنها تفقد الكيس
بعد حصول نانسي على الكيس، واكتشافها بقايا العينات والغبار الموجود داخل الكيس، أرادت التأكد من مصدره، وهل هو من الفضاء فعلاً أم من الأرض، ولم يخطر ببالها أن ما في داخل الكيس هو من صخور وغبار القمر، وليس أي غبار قمري عادي، وإنما من أول رحلة وصل فيها البشر على سطح القمر.
تواصلت نانسي مع "رايان زيجلر"، وهو موظف في مركز جونسون للفضاء التابع لناسا، للمساعدة في التحقق من الغبار الموجود، وهل الكيس أصلي أم لا.
أرسلت نانسي الكيس طواعية لوكالة ناسا، كان الموظفون هناك في حالة صدمة بعد اكتشافهم أن الغبار والعينات داخل الكيس ليست أصلية فحسب، بل كان مصدرها أول مهمة هبوط للبشرية على سطح القمر.
رفضت وكالة ناسا بعد ذلك إعادة الكيس، بحجة أنها كنز وطني. قال ويليام جيفز، المتحدث باسم ناسا، في بيان صدر عام 2017: "لم يكن من المفترض أبداً أن تكون هذه القطعة الأثرية مملوكة لفرد". وقال إنه ليست له قيمة علمية فحسب، بل إنه يمثل أيضاً "تتويجاً لجهد وطني هائل يشارك فيه جيل من الأمريكيين".
عرضت وكالة ناسا على نانسي أن تدفع لها قيمة المبلغ الذي دفعته في المزاد وهو 995 دولاراً فقط، لكن نانسي بعد أن علمت قيمة الكيس ومحتوياته وما يعنيه، لم تكن لتستلم المبلغ؛ فهي اعتبرت نفسها صاحبة الكيس الشرعية الآن، خاصة أنها اشترته بشكل قانوني.
ملايين الدولارات مقابل كيس القماش وبقايا الغبار القمري
رفعت نانسي أكثر من قضية على وكالة ناسا؛ الأولى في تكساس، حيث احتفظت وكالة ناسا بالكيس بعد أن صادرته من نانسي، وقضية ثانية في كانساس حيث تمت مصادرتها.
وجد قاضي محكمة محلية أمريكية أنه نظراً لأن مكتب خدمات المارشال الأمريكي، وهو وكالة فيدرالية تابعة للحكومة الأمريكية، هو الجهة التي قامت بالبيع وعرض الكيس في المزاد، وأن نانسي اشترت الكيس بشكل قانوني، فإنه أصبح ملكها، ولا يحق لوكالة ناسا الاحتفاظ به أو بمحتوياته.
وقال متحدث باسم ناسا في ذلك الوقت: "من الواضح أن ناسا تشعر بخيبة أمل بسبب قرار المحكمة.. لم يكن من المفترض أن تكون هذه القطعة الأثرية مملوكة لفرد".
في عام 2017، أي بعد 48 عاماً من اليوم الذي تم فيه استخدام الكيس على سطح القمر، باعت نانسي الكيس والعينات التي في داخله في مزاد علني مرة أخرى، وبدلاً من الـ995 دولاراً التي اشترته بها هذه المرة حصلت على حوالي مليوني دولار.
لم تكتفِ نانسي بهذا المبلغ الذي حولها لمليونيرة بين ليلة وضحاها، فقررت رفع قضية أخرى على وكالة ناسا طلباً للتعويضات، هذه المرة ادعت أن وكالة ناسا أتلفت الكيس عندما فحصته، وأنهم احتفظوا ببعض الغبار القمري والعينات التي قاموا بفحصها للتأكد من حقيقتها.
ومرة أخرى كسبت نانسي القضية، وعرضت تلك العينات التي سلمتها إياها وكالة ناسا في مزاد علني ثانٍ، وهذه المرة حصلت على حوالي نصف مليون دولار. فيكون المجموع الذي حصلت عليه نانسي حوالي 2.5 مليون دولار بعد بيعها "قطعاً من التاريخ".