إذا كنت من محبي المغامرات الغريبة، وتريد عيش تجربة فريدة ومختلفة، فإن الغطس والغوص في قاع البحار لمشاهدة بعض المنحوتات والآثار يمكن أن يكون مناسباً لك.
إذ إنه ابتداء من سنة 2008، وبالضبط في مدينة كانكون المكسيكية، تم افتتاح أولى هذه المتاحف تحت الماء، الذي أصبح مزاراً سياحياً شهيراً، وذلك بفضل غرابة فكرته.
لتتجه العديد من الدول الأخرى، من بينها دول عربية، لنسخ الفكرة نفسها، وإغراق عدد من القطع الفنية، بعضها يعود لحقبة زمنية قديمة، وأخرى تم تصميمها ونحتها بمواد صديقة للبيئة خصيصاً من أجل خلق فضاء خاص بالغطس والاستمتاع، بعيداً عن المزارات السياحية والمتاحف العادية والمتعارف عليها فوق سطح الأرض.
ويعود الهدف الرئيسي وراء فكرة افتتاح متاحف تحت الماء، لتخفيف الضغط الحاصل على أماكن الغطس الاعتيادية، التي تتواجد بها أنواع أسماك خاصة، وبعض الشعب المرجانية، وفتح فضاءات جديدة أكثر غرابة، وبها أشياء جديدة يمكن الاستمتاع برؤيتها تحت الماء.
متحف كانكون في المكسيك
يتواجد "متحف كانكون" الغارق تحت الماء قبالة سواحل جزيرة موخيريس، بالقرب من مدينة كانكون المكسيكية المطلة على البحر الكاريبي.
إذ إن متحف كانكون هو الأول من نوعه الذي جاء بفكرة توفير هذا النوع من الأماكن الترفيهية، التي تعتمد على الغوص، لمشاهدة بعض الآثار والمنحوتات، وذلك ابتداء من سنة 2008.
وقد جاءت فكرة هذا المتحف من طرف مؤسسيه، خايمي خوانزاليس، أحد أعضاء الحديقة المائية في المكسيك، وروبرتو دياز، عضو جمعية كانكون البحرية، وذلك لتعزيز السياحة في المكسيك بعد الدمار الكبير الذي أحدثه إعصار ويلما سنة 2005.
ومن بين أكثر ما يميز هذا المتحف تنوع القطع الفنية التي يتوفر عليها، والتي يصل عددها إلى 450 تمثالاً، للفنان جايسون تايلور، والموجودة في قسمين مختلفين.
القسم الأول هو "صالون مانشونيس"، وهو الموجود على عمق 8 أمتار، به عدة منحوتات لأشخاص بعضهم يشاهد التلفزيون، والآخر يأخذ مشروباً له من المطبخ.
أما القسم الثاني منه فهو المسمى "نيزوك"، الموجود على عمق 4 أمتار، وبه عدة مجسمات تمثل أشخاصاً في وضعيات مختلفة.
يتيح هذا المتحف فرصة زيارته ليس فقط للأشخاص الذين يجيدون الغوص، وإنما لكافة السياح، من خلال النزول رفقة غواصين ماهرين، أو القيام بجولة داخل قارب شفاف، يتيح إمكانية مشاهدة ما هو موجود في قاع البحر من خلاله.
متحف سيدا بالقرب من مدينة أنطاليا التركية
تم افتتاح متحف سيدا الموجود تحت الماء، في المنطقة التي تحمل الاسم نفسه بالقرب من مدينة أنطاليا التركية، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ابتداء من سنة 2015.
وقد تم افتتاح هذا المتحف من طرف غرفة التجارة البحرية التركية بمدينة أنطاليا، بهدف خلق فرصة جديدة مليئة بالمتعة والمغامرة لعشاق الغوص، وهذا ما تم تحقيقه، إذ إنه إلى حدود سنة 2019، عرف المتحف زيارة 50 ألف شخص من مختلف أنحاء العالم.
ويتكون المتحف من 117 قطعة فنية، تم تصميمها على شكل منحوتات ترمز إلى ثراء حضارة الأناضول، وتجسيد لقطات حقيقية من أحداث تاريخية شهدتها المنطقة، من بينها حرب الدردنيل والاستقلال.
إضافة إلى تمثال بوسيدون العملاق، الذي يبلغ طوله ثلاثة أمتار ونصف المتر ويزن 50 طناً، ليكون أكثر المنحوتات إثارة للاهتمام، ويجعل الكثيرين يقررون الغوص فقط من أجل رؤيته.
وقد تم تصنيع كل هذه التماثيل والمنحوتات من مواد صديقة للبيئة، ومناسبة لكي لا تتآكل تحت الماء، وتحافظ على شكلها الجميل، الذي تزيّنه بعض الشعاب المرجانية والمخلوقات الطبيعية، التي تعمل على عدم الإخلال بتوازن الطبيعة.
إذ إن متحف سيدا يتواجد على بعد 1.5 ميل بحري قبالة سواحل منطقة "سيدا" بأنطاليا، وعلى عمق 11 و18 و24 متراً، لذلك فإن عيش هذه التجربة يستدعي الحصول أولاً على شهادة غوص احترافية ومعتمدة.
متحف الفن تحت الماء في أستراليا
يتواجد متحف الفن تحت الماء، قبالة ساحل تاونسفيل في شمال مدينة كوينزلاند الأسترالية، وقد تم افتتاحه ابتداء من سنة 2020، ليكون بذلك المتحف تحت الماء الوحيد الموجود في نصف الكرة الأرضية الجنوبي.
يأتي الهدف من افتتاح هذا المتحف لخلق مجال التوعية من أجل الحفاظ على الشعاب المرجانية والمساعدة في استمرار وجودها، من خلال خلق فضاء جديد للغوص في المنطقة.
وقد أشرف على عملية تصنيع المنحوتات المختلفة الموجودة في أعماق البحر باحثون ومختصون في علوم البيئة، من خلال استعمال مواد تسمى الخرسانة صديقة البيئة.
ومن بين أكثر الأعمال الفنية المهمة التي يمكن مشاهدتها عند الغوص داخل المتحف، والتي قام بصناعتها الفنان جوهان بروور ريف، المنزل الأخضر، الموجود على بعد ارتفاع 18 متراً تحت مستوى سطح البحر.
ومن أجل الوصول إلى مكان متحف الفن الأسترالي، يجب القيام برحلة بحرية بالقارب مدتها ساعتان، ثم الغوص، شريطة الحصول على شهادة مرخصة لمثل هذا النشاط.
متحف دهب في مصر
بهدف خلق فضاءات جديدة للغوض والحفاظ على النظام البيئي المائي في البحر الأحمر، والعمل على منع انقراض الشعاب المائية، تم افتتاح المتحف الأول تحت الماء في مدينة دهب المصرية، ابتداء من سنة 2011، حيث تم إغراق 3 تماثيل فقط حينها.
وقد جاءت الفكرة من طرف الغواص عبد الرحمن المكاوي، من مؤسسة "I-DiVE TRiBE"، الموجودة في خليج الفنار بمدينة دهب، المهتم بموضوع البيئة البحرية، وذلك بالتنسيق مع المسؤولين بمحميات جنوب سيناء، ووزارة البيئة.
وفي سنة 2014 تم إغراق مجموعة أخرى من التماثيل، تم تصنيعها من طرف حامد محمد، المدرس المساعد بكلية فنون جميلة بالأقصر، الذي اعتمد على مواد معادة التدوير، تمت معالجتها لتكون مقاومة للمياه ولا تسبب أي تلوث.
ومن بين التماثيل المعروضة بالمتحف تمثال للإله حورس، رب الملكية المصرية، وآخر للإله بس، رب المرح وحامي الأطفال عند الولادة، وجحوتي، رب الحكمة والتوازن وواضع القوانين والتقاويم ومخترع الأبجديات، ثم تمثال لفيل بالحجم الطبيعي.
وقد أسهم هذا المتحف في تعزيز النشاط السياحي في مدينة دهب المصرية، خصوصاً من طرف الأشخاص المهتمين بالغوص، خصوصاً أنه مفتوح للجميع دون رسوم خاصة من أجل الوصول للأماكن التي تم فيها إغراق التماثيل.
وكجميع المتاحف الأخرى، فإن الغوص في البحر الأحمر بمدينة دهب لمشاهدة هذه التحف يحتاج إلى شهادة معتمدة من الدرجة الثانية، وذلك لأن تمثال الفيل، والذي يصنف على أنه أهم المنحوتات، موجود على عمق 22 متراً تحت عمق البحر.
المتحف العسكري تحت الماء في الأردن
ابتداء من سنة 2019، افتتحت السلطات الأردنية أول متحف عسكري تحت الماء، وذلك في منطقة العقبة الجنوبية، على ساحل البحر الأحمر، مع العمل على الحفاظ على التدابير لضمان حماية وسلامة البيئة البحرية.
ويضم هذا المتحف عدداً من الدبابات، وسيارات الإسعاف، وناقلات الجنود وطائرات عمودية، ورافعات عسكرية، التي وصل عددها إلى 19 قطعة، تم إغراقها بالقرب من جنوب عمان بنحو 325 كلم.
وبحسب ما صرحت به سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، نقلاً عن وسائل إعلام أردنية، فإن هذا المتحف يتيح لعشاق الغطس فرصة عيش تجرب فريدة، من خلال اكتشاف التحف العسكرية الموجودة به.
كما أنه يهدف إلى إظهار نوع جديد ومختلف من تجارب المتاحف، من خلال المزج بين الممارسة الرياضية، والاكتشاف البيئي، واكتشاف المعروضات الموجودة بالمتحف، التي تم تشكيلها بشكل يحاكي وضعها الحقيقي في ميدان المعارك.
يمكن الوصول إلى هذه القطع العسكرية على عمق يتراوح بين 15 و28 متراً، فيما يمكن للزوار مشاهدة القطع بثلاثة طرق مختلفة، وهي السباحة بالنظارة وأنبوبة التنفس، أو القيام بجولة في القارب الزجاجي أو الغوص.
متحف نصف القمر في السعودية
على يد غواصين محترفين من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، تم افتتاح أول متحف تحت الماء بمنطقة شاطئ نصف القمر، الموجودة في مدينة الظهران الشرقية.
إذ يوفر هذا المتحف، الذي انتهت المرحلة الأولى من بنائه سنة 2016، فرصةً لعيش تجربة فريدة ومختلفة عن باقي مواقع الغوص الأخرى، التي تمزج بين الاستمتاع بالسباحة إلى جانب الأسماك، والتمتع بالنظر إلى مجسمات تشكل معالم مختلفة من دول الخليج.
ومن بين هذه المعالم المصغرة التي تم إغراقها، مجسمات لبرج الفيصلية وبرج المملكة في السعودية، وأبراج الكويت، ومركز البحرين التجاري العالمي، وبرج خليفة بالإمارات.
وجاء الهدف الأساسي من خلال هذا المتحف، الذي يعطي فرصة مجانية لعشاق الغطس للاستمتاع بهذه التجربة، هو خلق بيئة مناسبة لتكاثر الكائنات الحية البحرية، دون الإضرار بها، وذلك لأن المجسمات مصنوعة من مواد صديقة بالبيئة.
وقد أسهم هذا المتحف، الذي يعمل على إغراق مجسمات جديدة ومختلفة أخرى، في جذب عدد كبير من السياح، ليس فقط المهتمين بالغوص، بل كذلك الأشخاص العاديين، الذين يستطيعون عيش التجربة من خلال مرافقة غواص محترف، شريطة أن يكون سنهم فوق 10 سنوات.