لا يتمتع البطيخ بعقل واعٍ! فهذا بديهي. لكن عدم وجود جهاز عصبي مركزي لا يمنع هذا النبات، أو النباتات الأخرى، من حماية نفسها بشكل أو بآخر عندما تتعرض لخطر القتل أو الالتهام.
إذ تفتخر بعض أنواع النباتات بأسلحة خطيرة مثل الأشواك أو الخناجر المدببة التي تمنع الحيوانات التي تقتات على العشب من أكلها. وحتى أن بعضها مليء بالسموم لإصابتها بالمرض أو ما يصل أحياناً لدرجة القتل.
وعلى الرغم من أن الطماطم قد لا تكون قادرة على الصراخ والاستغاثة، فإن بعض النباتات تنبعث منها مركبات تحذر أقربائها من اقتراب التهديدات.
وبالرغم من هذه الإمكانيات المتطورة، لكن نادراً ما نفكر في النباتات على أنها تمتلك آليات البقاء أو استراتيجيات الدفاع الخاصة بها، إلا أن الحقيقة أن الكثير منها يفعل ذلك بمهارة وذكاء ما مكنها من البقاء على قيد الحياة لآلاف السنين.
في هذا التقرير نستعرض بعض الطرق المدهشة التي تحاول بها النباتات الدفاع عن نفسها من التعرض للأكل أو تفشي الحشرات وحتى نمو الفطريات.
1- نباتات الذرة وتقنية استدعاء الدبابير لنجدتها!
الجميع يحب الذرة، لكن هل تعلم أن نباتات الذرة يمكنها جذب الدبابير عمداً ضمن تقنياتها المتطورة في حماية نفسها؟ فعندما تتلف نباتات الذرة تطلق مركبات كيميائية تعمل كإشارة استغاثة تجذب الدبابير إلى النبات.
وتسمى هذه المواد الكيميائية بـ (terpene synthase)، وهي إنزيمات تشكل مركبات رائحة يطلقها النبات. وعندما تنجذب الدبابير إلى الرائحة ويمكن أن تساعد في حماية سيقان الذرة عن طريق تدمير الآفات والتهامها.
حتى أن بعض أنواع الدبابير الطفيلية تضع بيضها داخل أجسام الآفات مثل اليرقات، والتي تقتل الآفة في النهاية وتساعد في السيطرة على أعدادها، الأمر الذي يساهم في حماية نبات الذرة من التلف بسبب العدوى.
2- نباتات تأخذ هيئة الحصى والحجارة
في بعض الأحيان، يكون أفضل دفاع عن النفس هو ارتداء زي رائع.
وهذا ينطبق بالتأكيد على نبات فالليثوبس، المعروف أيضاً باسم نباتات الحصى، فهو يتمتع بقدرة تكيف رائعة تسمح له بالتشبه بالحجارة، وبالتالي يمتزج بشكل فعال في محيطه القاحل والصخري الذي ينمو فيه. هذا التنكر الطبيعي بمثابة دفاع قوي ضد الحيوانات العاشبة الجائعة، لكن هذا ليس الشيء الوحيد الذي يمكن لهذا النبات العبقري فعله.
تخصص نباتات ليثوبس جزءاً كبيراً من هيكلها لتخزين المياه، وتعمل أوراقها السمينة، التي تشبه الصخور في المظهر، كخزانات لتخزين المياه. هذا التكيف يتيح للنباتات البقاء على قيد الحياة في المناطق التي تعاني من الجفاف الشديد، مثل الصحاري، حيث تشكل ندرة المياه تهديداً مستمراً.
وباعتبارها كائنات ذاتية التلقيح، فإنها تعتمد على وضع البذور داخل كبسولة مثمرة مائية تتكون من 4 إلى 8 غرف، ولا تفتح هذه الكبسولات إلا عند ملامستها للرطوبة، مثل قطرات المطر التي تلعب دوراً مهماً في توزيع البذور. لذا، فإن زيها الصخري يحافظ عليها في مأمن من الأكل ويحافظ على رطوبتها ويتمم عملية تكاثرها أثناء الاختباء.
3- مادة كيميائية خاصة يفرزها نبات البروكلي
بالرغم من كونها أحد أكثر أنواع الخضراوات التي يعتمد عليها الإنسان كمصدر للغذاء شيوعاً، يحتوي نبات البروكلي على مادة السلفورافان لحماية نفسه من المفترسات المحتملة.
والسلفورافان هو مركب نباتي طبيعي يوجد في العديد من الخضراوات الصليبية مثل: البروكلي والملفوف والقرنبيط واللفت. لكن في نبات البروكلي، يعتبر السلفورافان حماية طبيعية ضد الآفات والأمراض التي قد تصيبه، حيث تقتل الآفات أو تطردها بعيداً، وتقيه من التقاط العدوى.
لحُسن حظ البشر، يعتبر السلفورافان إضافة ممتازة للنظام الغذائي. ويمكن للمركب أن يحقق الوقاية الكيميائية من خلال آليات مختلفة وله تأثيرات وقائية على الخلايا من الإجهاد التأكسدي.
يُعد السلفورافان أيضاً أحد مضادات الأكسدة التي تقاوم الجذور الحرة وتقلل من الالتهابات وتم ربطه بتحسين صحة القلب والهضم.
4- خصائص الاختباء والرائحة الكريهة لبنات الميموزا
نبات الميموزا بوديكا، المعروف باسم النبات الخجول، يحمي نفسه من الحيوانات المفترسة والضغوط البيئية بطريقة خاصة جداً.
فأوراق هذا النبات مغطاة بشعيرات صغيرة تظهر حساسية عالية للمس ودرجة الحرارة والحركة. وعندما يتم لمس أوراقه، فإنها تغلق وتنطوي إلى الداخل وتعطي مظهر نبات يابس لا حياة فيه.
وتُعد تقنية طيّ الأوراق تلك رادعاً للحيوانات المفترسة، حيث تقل احتمالية إدراكهم للنبات كمصدر محتمل للغذاء.
علاوةً على هذا، يأتي الدفاع الكيميائي كثان استراتيجية دفاعية لنبات الميموزا بوديكا. فعندما تنزعج جذور هذا النبات المزهر الاستوائي، فإنه يبعث رائحة كبريتية كريهة.
تعمل هذه التقنية كنظام إنذار نباتي، لردع التهديدات المحتملة.
5- الكافيين هو السلاح السري لنبات القهوة
يُعد الكافيين مبيداً طبيعياً يستخدمه نبات القهوة لحماية نفسه من الآفات والنباتات العشبية المفترسة الأخرى. إذ يحتوي الكافيين على مضادات حيوية قوية ومضادة للفطريات، كما يسبب العقم للعديد من الحشرات.
كذلك يتغلغل الكافيين أيضاً في التربة التي تحيط بالنباتات عن طريق تراكم الأوراق المتساقطة وثمار التوت الخاصة به، ما يعيق نمو النباتات المنافسة حوله.
يوفر الكافيين أيضاً الحماية للنبات تحت التربة، فيحميه من البكتيريا والفطريات. لكن عند القيام بذلك، فإن نبات الكافيين الشهير يقتل نفسه في النهاية أيضاً، حيث يتراكم في التربة بنسب كبيرة مع الوقت لدرجة أن مستوى السمية بالتربة يلحق الضرر بالنبات الأم.
6- السم القاتل لبناتات الفوكس غلوف
"فوكس غلوف"، أو "قفاز الثعلب"، هي واحدة من تلك النباتات التي قد تخدع البشر والحيوانات على حد سواء. فبالرغم من شكلها الجذاب ولونها الزهري الزاهي، يمكن أن يؤدي تناول أي جزء من هذا النبات إلى تسمم شديد.
وتشمل المواد السامة الموجودة في نباتات قفاز الثعلب ديزلانوسيد وديجيتوكسين وديجيتاليس جليكوسيد، وهي عناصر شديدة السمية للكائنات الحية، وتشمل الأعراض عند التعرض للنبات أو استهلاكه الغثيان والصداع وتهيج الجلد والإسهال.
وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يؤدي النبات حتى إلى اضطرابات بصرية وإدراكية ومشاكل في القلب أو الكلى.
وبالرغم من مخاطر المركبات السامة في النبات، فإنها ليست كلها سيئة. إذ تحتوي نباتات قفاز الثعلب على الجليكوسيدات السامة التي تستخدم طبياً لعلاج قصور القلب.
7- الأشواك والوخز بالخناجر والشعيرات اللاذعة
الأشواك والخناجر الدقيقة هي في الأساس فروع أو سيقان مدببة تتمتع بها العديد من النباتات لوقاية نفسها من أي جسم معتدي يحاول التهامها أو قتلها من خلال الطعن والوخز.
وتتمتع نباتات عديدة بمثل تلك التقنيات مثل أشجار الورود والصبار وغيرها من النباتات ذات النتوءات المدببة الموجهة لمن يقترب من بشرة النبات ولتجنب الحيوانات المفترسة.
عادة لا تدافع الأشواك عن السيقان النضرة للصبار ضد الحشرات والحيوانات النهمة الآكلة للعصارة والورق فحسب، بل تحميها أيضاً من الشمس.
علاوةً على الأشواك والخناجر، هناك تقنيات أكثر تعقيداً قد تتمتع بها بعض النباتات الأخرى، وهي ملمسها الشوكي الخشن المليء بالشعيرات الواخذة التي تفرز سموماً قادرة على إصابة البشر والحيوانات والحشرات بالتهيج والتحسس أو حتى الموت.
ومن بين تلك النباتات نبات القراص اللاذع الذي يتمتع بفرو خشن من هذه الهياكل المدببة لحماية نفسه من أي تهديد.
وبعض النباتات -مثل نبات القراص- لها غدد مرتبطة بحقن السم في الجروح بعد لسع الجسم الغريب، حتى أن بعض نباتات القراص الاستوائية قد تسبب تلفاً دائماً للأعصاب أو حتى الموت.