تختلف العادات والتقاليد وطقوس الاحتفال بعيد الأضحى من بلد إلى آخر، ولعل واحداً من بين أغرب وأقدم هذه الطقوس هو كرنفال بوجلود، الذي يقام سنوياً في مدينة أكادير، وبالضبط في بلدة الدشيرة الأمازيغية بالمغرب، وذلك حصراً خلال ثاني أيام العيد.
إذ يسخّر شباب هذه البلدة الكثير من الوقت والمجهود لأيام قبل الكرنفال من أجل تحضير جلود المواشي، لتكون صالحة للبسها والتجول بها في الشوارع، على أنغام وأهازيج الموسيقى الأمازيغية التقليدية، وبحضور عدد كبير من المتفرجين، الذين منهم من يأتي إلى الدشيرة خصيصاً لعيش تجربة كرنفال بوجلود السنوي.
بوجلود.. تقليد قديم مستمر إلى يومنا هذا
يسمى كرنفال بوجلود "بيلماون" باللغة الأمازيغية، وقد تم إطلاق هذا الاسم عليه نسبة إلى جلود الماشية، سواء أكانت بقراً أو ماعزاً أو كباشاً، التي يقوم الشباب بارتدائها والتنقل بها بين أزقة المدينة، في جوٍّ من الرقص والفرجة والموسيقى.
ويعود تاريخ بوجلود، بحسب ما نشرته جريدة "رصيف 22" المغربية، إلى ما قبل الإسلام، إذ إن بعض المؤرخين والباحثين الأنثروبولوجيين يقولون إنه من بين طقوس الوثنية، فيما يرجعه البعض الآخر إلى كونه رمزاً من رموز الاحتفال اليهودي، ليتم نسبه من طرف آخرين إلى الرومانيين، وبسبب تعاقب الحضارات على أرض المغرب فقد تم الاحتفال به لأول مرة هناك، ثم تم توارثه، ليتحول إلى تقليد سنوي، مرتبط بعيد الأضحى، الذي يتم فيه ذبح الأضاحي، واستغلال جلودها من أجل الكرنفال.
وقبل أن يتطور الاحتفال ببوجلود، ويصبح على شكل كرنفال، فقد كانت طقوسه تقتصر على ارتداء الشباب لجلد الأضحية، ثم التوجه إلى المنازل من أجل الحصول على ما تيسر من المال، أو قطع من لحم الأضحية، أو جلدها.
وبعد ذلك تطور الأمر ليصبح بوجلود احتفالاً مرتبطاً بالثقافة الأمازيغية، وذلك على يد القائمين على هذا الكرنفال، وهم أعضاء الجمعية الإقليمية لكرنفال بيلماون "بوجلود" في الدشيرة.
التحضير والاحتفال بكرنفال بوجلود
يبدأ الاستعداد لكرنفال بوجلود قبل عيد الأضحى بأيام، إذ يقوم الشبان الحريصون على استمرار هذا التقليد السنوي، من سكان بلدة دشيرة في أكادير، بالبحث عن جلود المواشي، عند الجزارين، والأماكن التي تتم فيها عادة عملية الذبح.
كما أنه يتم توصية سكان المدينة بالحفاظ على جلود الأضحية أو "الهيدورة" سليمة أثناء إزالتها من على الكبش، لتكون مناسبة لعملية التنكر.
بعد جمع الجلود الكافية يتوجه هؤلاء الشبان إلى مكان بعيد وسط الغابات، من أجل الشروع في عملية تنظيف الجلود، وذلك لكي لا تصل رائحتها الكريهة إلى وسط المدينة، وتُسبب إزعاجاً للسكان.
إذ يتم غسل جلود المواشي جيداً، ثم تجفيفها، إلى أن تصبح صالحة للتنكر، وقبل ارتدائها يتم رشها بماء الزهر، للتأكد من أن رائحتها الكريهة قد اختفت تماماً.
وفي ساعات المساء من اليوم الثاني من عيد الأضحى يبدأ السكان من مختلف المناطق المجاورة لبلدة الدشيرة بالتجمع بالقرب من الملعب البلدي، لحجز مكان في الصفوف الأولى لمشاهدة والمشاركة في كرنفال بوجلود.
وبعد ذلك يأتي الشبان المتنكرون بجلود المواشي وهم يرقصون ويشعلون النار في حلقات دائرية، وكل هذا على أهازيج الموسيقى الأمازيغية، لإدخال البهجة والسرور على المتفرجين.
الضرب بقوائم المواشي للبركة!
من بين طقوس الاحتفال بكرنفال بوجلود التنكري ضرب بعض الحضور والمتفرجين بعصي مصنوعة من قوائم الخرفان أو الماعز.
إذ يعترضون المارة، ويقومون بضربهم بشكل خفيف عدة مرات، وذلك لأنه حسب الاعتقاد السائد، والمرتبط بطقوس كرنفال بوجلود، فإن من يتم ضربه فهو من المحظوظين الذين سيتمتعون بصحة جيدة طيلة السنة، وسيحقق أمنياته.
كما أنه يجب على من تلقَّى الضرب تقديم بعض من المال للشخص المتنكر بالجلد الذي قام بضربه، وذلك لتكون جميع الطقوس قد تمت بالشكل المتعارف عليه منذ القدم.
كرنفال بوجلود.. بين مؤيد ومعارض
بالرغم من أن هذا التقليد مستمر إلى يومنا هذا، وهناك عدد كبير من المغاربة يزورون أكادير في عيد الأضحى لحضور أجواء كرنفال بوجلود البهيجة، فإن هناك فئة تعترض على هذا الاحتفال، الذي يحتمل أن تعود أصوله للوثنية.
وبحسب ما نشرته جريدة "هسبريس" فإن عدداً من المعترضين على هذا الكرنفال، يرون أن الطقوس التي تتم ممارستها فيه تخالف الدين الإسلامي، وأنها يجب وقفها، لأن كل ما يروج عنها من التبرك وغيرها من الممارسات لا أساس لها من الصحة.
إلا أن القائمين على هذا الكرنفال يشيرون إلى أنه نوع من أنواع الجذب السياحي لمدينة أكادير، وبالخصوص لبلدة دشيرة، مشيرين إلى أنه نوع من أنواع الثقافة الأمازيغية، التي يعملون على الحفاظ عليها، وتطويرها بشكل أكبر.
كما أن بوجلود فرصة لانخراط الشباب في نشاطات مفيدة، وإنقاذهم من طريق الانحراف والضياع، وخلقهم جواً من الفرجة والمتعة، بعيداً من المعتقدات السائدة.