يعتبر التحيز الذاتي، أو الانحياز للمصلحة الشخصية، من بين السلوكيات الشائعة بين الناس، التي تجعلهم ينسبون الفضل إلى أنفسهم في جميع الأحداث أو النتائج الإيجابية في الحياة بشكل عام، فيما يميلون إلى لوم العوامل الخارجية عند الفشل أو الأحداث السلبية.
وتعتبر ثقافة الشخص ومحيطه من بين أبرز الأسباب التي تؤدي إلى هذا السلوك، الذي تم الحديث عنه لأول مرة في مجال علم النفس خلال الستينيات، من طرف عالم النفس النمساوي فريتز هايدر، خلال دراسة بحثية تتعلق بتحيز الانسداد، والذي يشير إلى الأخطاء التي يقوم بها الناس تجاه الآخرين.
نظام السيطرة الداخلية والتحيز الذاتي
حسب علم النفس، فإن معتقدات الشخص تنقسم إلى نظامين مختلفين، يمكن وصفهما بوحدة تحكم، متعلقين بالأسباب والأحداث والسمات التي تميزه، ويطلق عليهما السيطرة الداخلية والخارجية.
إذ إن نظام السيطرة الداخلية، هو الذي يجعل الشخص يربط نجاحه وتفوقه بعمله الشخصي، ومجهوده الكبير، ومثابرته الدائمة، بعيداً عن أي عوامل خارجية.
أما عمن يتمتع بنظام السيطرة الخارجية، فدائماً ما ينسب نجاحه إلى الحظ، أو الصدف، أو أي سبب خارجي بعيد عن مجهوده الشخصي.
والتحيز الذاتي مرتبط بنظام السيطرة الداخلي، الذي يخدم الذات بشكل مباشر، من أجل الارتقاء بها، وتحسين صورتها، والحفاظ على تقديرها.
مظاهر التحيز الذاتي في الحياة اليومية
هناك العديد من المظاهر في الحياة اليومية التي تبرز تمتع الأشخاص بالتحيز الذاتي، وهو السلوك الذين يرون فيه نوعاً من القدرة على الارتقاء وتقدير الذات، وإبعادها عن الانتقادات والآراء السلبية.
ومن بين هذه المظاهر، عندما يحصل طالب على درجات عالية في امتحان ما، ويعزي ذلك إلى جده الكبير في الدراسة، وسهره من أجل التفوق.
أما في حال حصوله على درجات سيئة، فغالباً ما يرجع السبب إلى أن الأستاذ لا يحبه، أو أن أسئلة الاختبار كانت مختلفة عما درسه في المنهج.
وقد يُعتبر الشخص، الذي يجتاز مباراة توظيف ويتمكن من الحصول على الوظيفة، شخصاً ذكياً، ويستحق عن جدارة الحصول على تلك الوظيفة.
فيما يختار إلقاء اللوم على القائم على إجراء المقابلة، واعتباره شخصاً منحازاً، من أجل تبرير سبب فشله في الحصول على الوظيفة المقترحة.
وهناك مثال آخر عن التحيز الذاتي، وهو عندما يفشل رياضي ما، بغض النظر عن مجاله، في الحصول على المركز الأول، ليقوم بتوجيه أصابع الاتهام إلى مدة التدريب غير الكافية، أو مكان تقديم البطولة غير المجهز بالطريقة الصحيحة، أو التحكيم غير العادل.
فيما يفضّل مدح نفسه، ومجهوده الكبير في التدريب وتجهيز نفسه لخوض المنافسة، إذ يحاول إيصال فكرة أنه الشخص الوحيد الذي يستحق التقدير على ما وصل له من نجاح.
التجارب المتعلقة بالتحيز الذاتي
حسب دراسة أجريت سنة 2011، شملت مجموعة من الطلاب، الذين طلب منهم الإجابة على اختبار عبر الإنترنت متعلق بالتحفيز العاطفي.
وبعد الانتهاء من الاختبار، طلب منهم مرة أخرى تقديم إسناد فيما يتعلق بأجوبتهم، وكانت النتيجة أن الأغلبية كان التحيز الذاتي مسيطراً على مشاعرهم.
أي إن الأغلبية نسبوا مشاعرهم العاطفية إلى حسن نيتهم وسلوكهم، باعتبارهم الطرف الجيد والأفضل في أي نوع علاقة أو مشاعر عاطفية.
وفي سنة 2003، تم اكتشاف من خلال دراسة أجريت عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ، أن المخطط الظهري يعمل كذلك في الجوانب المعرفية، وهو ما يعمل على ظهور سلوك التحيز الذاتي.
دوافع التحيز الذاتي
هناك دافعان أساسيان يؤديان إلى سلوك التحيز الذاتي، وهما: التعزيز الذاتي والعرض الذاتي.
وينطبق مفهوم التعزيز الذاتي على الحاجة إلى الحفاظ على تقدير الذات، ما يجعل السبب وراء استخدام التحفيز الذاتي هو خلق نوع من الإيجابية في النفس، ورسم صورة إيجابية تستحق التقدير.
أما العرض الذاتي، فهو عندما يرغب الشخص في إظهار نفسه بصورة معينة للآخرين، في الغالب قد تكون صورة غير حقيقية، وذلك من خلال نسبة الإيجابيات إلى النفس والتبرؤ من السلبيات.
وغالباً ما يمكن أن يتغير سلوك التحفيز الذاتي عند التقدم في السن، إذ إنه يقل بشكل ملحوظ عند كبار السن مقارنة بالشباب.
ويرجع السبب في ذلك إلى إدراك مدى التغير الذي يطرأ على الشخص مع مرور الوقت، والمتمثل في المرض، أو قلة التركيز، أو النسيان المستمر.
طرق اختبار التحيز الذاتي
هناك مجموعة من الطرق الطبية التي تساعد على اختبار وتشخيص التحيز الذاتي عند الأشخاص، من أبرزها الفحوصات المخبرية، والتصوير العصبي، والتقرير الذاتي.
إذ يوفر التصوير العصبي للباحثين صوراً للدماغ لمعرفة الأجزاء التي تشارك في اتخاذ القرارات، كما يساعد التقرير الذاتي على توفير النتائج بناءً على السلوك السابق للشخص.