كثيراً ما يكون الصداع أكثر من مجرد ألم عابر يصيب الرأس، فقد تشمل أعراض الصداع النصفي مثلاً، التي تؤثر على واحد من كل 7 أشخاص بجميع أنحاء العالم، ألماً نابضاً في جانب واحد من الرأس، والغثيان، والحساسية للضوء والصوت، واضطرابات بصرية تسمى الهالات.
أما اليوم، فيتم وصف العديد من الأدوية إما لمنع حدوث الصداع وإما لإيقافه بمجرد أن يبدأ. ولكن في القرون السابقة وعبر التاريخ القديم، لم تكن علاجات الصداع النصفي مريحة أو فعالة قط، بل تضمّنت تقنيات وعمليات فظيعة غالباً ما هددت حياة الشخص وربما عرضته للموت.
1- إراقة الدم الفاسد لعلاج الصداع والأمراض
سواء عن طريق المبضع أو باستخدام العلقات، كانت إراقة الدم هي العلاج الأكثر شيوعاً للصداع النصفي (والعديد من الأمراض الأخرى) قبل ظهور الطب الحديث.
وعلى مدى معظم التاريخ القديم، اشترك الأطباء الغربيون في اعتقاد أن المرض ما هو إلا اختلال في الجسم، وكان يعتقد أن إراقة الدماء تعيد توازن النظام مجدداً. وقد تباينت طرق إراقة الدم لعلاج الصداع تحديداً، وكان إحداها مثلاً هو تمرير ريشة طائر بعمق في أنف المريض سيئ الحظ، وتحريكها لحين نزول قطرات من الدم.
كذلك كان يُعتقد أن الحجامة وهي الأوعية الزجاجية الساخنة التي توضع على جسم المريض، تؤدي نفس وظيفة إراقة الدم. وقد عالج الطبيب الهولندي البارز نيكولاس تولب، بطل لوحة رامبرانت التي تعود لعام 1632 بعنوان "درس التشريح للدكتور نيكولاس تولب"، مريض الصداع النصفي بالحجامة.
2- ربط حيوان ميت فوق الرأس لعلاج الألم
تعود هذه التقنية الغريبة للطبيب علي بن عيسى الكحال، أشهر علماء وأطباء العيون العرب والمسلمين في القرن الحادي عشر ميلادياً، والذي نجح في تطوير مجال الطب من خلال عمله وكتاباته الثمينة.
فكان ابن عيسى أول طبيب يكتشف الأعراض التي قد تظهر بانتظام لدى مرضى متلازمة فوغت كوياناجي هارادا، وهو مرض يصيب العين.
وعلى الرغم من أنه كان نابغة من نواحٍ عديدة وسابقاً في علمه لمعظم مفكري عصره، فإنه وردت في كتاباته توصية طبية بربط حيوان الخلد الميت برأس الشخص المصاب بالصداع إلى حين زوال الألم.
وللأسف لم يكن هناك أي توضيح لأسباب هذا الاعتقاد فيما ورد في التوصية الغريبة من نوعها.
3- تمرير حبة من الثوم في ثقب بالوجه!
اقترح الطبيب المسلم أبو القاسم الزهراني الذي عاش بين القرنين الـ10 والـ11 ميلادياً، وضع فص من الثوم في صدغ المصاب بالصداع النصفي لعلاج الألم.
وقال في وصف العملية: "يؤخذ الثوم ويُقشر ويُقطع من كلا الطرفين. ثم يُصنع شق بمشرط كبير في الصدغ وفتح تجويف تحت الجلد واسع بما يكفي لإدخال الثومة وإخفائها تماماً فيه".
بعدما كان يتم وضع الكمادات وشدها على الثوم، وتُترك لمدة 15 ساعة، ثم يتم استخراج الثوم ويُترك الجرح ليجف لمدة يومين إلى ثلاثة أيام، ثم وضع قطن منقوع في الزبد على الجرح حتى يتقشر.
وكان بمجرد أن يبدأ الجرح في إفراز الصديد، كان يعتبر ذلك علامة جيدة فيقوم الطبيب بتفريغ الجرح وكيه بأداة ساخنة لمنع العدوى.
4- إشعال النار في الرأس المتألم لعلاج الصداع!
عند الشعور بألم الرأس الشديد، نصح الطب اليوناني القديم بإشعال النار في الرأس للتخفيف من الألم!
هذا ما أوصى به أراتيوس الكابادوكيا، وهو طبيب يوناني كتب في إحدى الوثائق التاريخية واصفاً العملية كالتالي: "بعد حلق الشعر يتم حرق الجلد سطحياً وصولاً إلى العضلات. بعدها يقوم بعض الأطباء بشق عظام الجبهة على طول حدود الشعر. ويقومون بكشط العظم ثم يُترك اللحم لكي ينمو مجدداً فوق المكان المفتوح".
5- ثقب الرأس لتحرير "الأرواح الشريرة"
تميز عصر ما قبل التاريخ بعدم فهم جسم الإنسان أو استيعاب مفهوم المرض وأصله. لذا كانت تُعرف هذه الفترة أيضاً في مجال الجراحة العصبية باسم عصر ثقب الجمجمة.
وهي العملية التي شاعت آنذاك عبر إزالة قطعة من عظم الجمجمة لأغراض علاجية وطبية مزعومة.
ورغم أن أن أقدم وصف طبي موثوق للصداع يعود إلى 4000 عام مضت تقريباً، يمكن إرجاع علاج ألم الرأس عن طريق نقب الجماجم وإحداث ثقب فيها إلى العصر الحجري الحديث منذ 9000 عام.
إذ كان يُعتقد أن النقب يساعد في علاج الصداع عن طريق إعطاء الأرواح الشريرة طريقاً ونافذة جسدية لمغادرة رأس المريض.
وبحلول عهد الدولة المصرية الفرعونية القديمة وحضارات البابليين، تطورت مفاهيم التشخيص والفحص الطبي. على سبيل المثال، تحتوي بردية إيبرس التي تعود لنحو 1550 قبل الميلاد، ويُشار إليها على أنها أقدم نص طبي، على أول وصف موثق للصداع النصفي، وتقترح فيه العلاج الجراحي في الرأس بطرق محددة لتخفيف الألم وعلاج الحالة.
كما تم ذكر مفهوم ثقب الجمجمة لعلاج الألم في الأساطير اليونانية القديمة. ففي نحو عام 700 قبل الميلاد، قيل إن الإله اليوناني القديم هيفايستوس قد أجرى ثقباً في رأس زيوس للتخفيف من صداعه المؤلم الناتج عن كتلة كانت تنمو داخل رأسه.
هذه القصة الكلاسيكية للتخفيف من الصداع الشديد عن طريق ضرب زيوس على جبهته بفأس مزدوج الرأس لفتح جمجمته تماماً، تؤكد الفهم البدائي لتطور الصداع واستخدام النقب في إدارة الألم قديماً.