قبل نحو عقدين من الزمن، كان برنامج المسابقات البريطاني الأيقوني "من يريد أن يكون مليونيراً؟" أو "من سيربح المليون؟"، أحد أشهر البرامج التلفزيونية وأكثرها شعبية.
فعلاوة على أن قرابة ثلث سكان المملكة المتحدة كانوا يتابعونه في ذروته، فقد تم صنع نسخ عالمية منه بكل العالم وفي مختلف الدول، مثل لبنان والهند وغيرها.
ومع ذلك، ظلت أشهر وأكثر حلقات البرنامج في نسخته الأصلية محط جدل واسع، حتى بعض مرور سنوات طويلة على تسجيلها. إذ إن أكثر حلقات البرنامج شهرة لم يتم بثها على الإطلاق.
وفيها استطاع الرائد في الجيش البريطاني، تشارلز إنجرام، أن يشق طريقه للفوز بجائزة المليون جنيه إسترليني في العام 2001 بطريقة غير نزيهة، فيما بات يُعرف إعلامياً بـ"فضيحة السعال".
من هو تشارلز إنجرام وشريكته في فضيحة الغش؟
وُلد تشارلز إنجرام في مدينة ديربي شاير الإنجليزية في العام 1963، وحصل على شهادة في الهندسة المدنية وماجستير في إدارة الشركات قبل انضمامه إلى الجيش في العام 1986.
وهناك أصبح ضابطاً مع المهندسين الملكيين، وترقى إلى رتبة رائد عام 1995. ثم خدم إنجرام في البوسنة لمدة 6 أشهر في مهام حفظ السلام التابعة لحلف الناتو.
لكن نجاحه الوظيفي لم يلبث طويلاً بعد مشاركته في برنامج المليون، فبعد فضيحة حول تورّطه في الغش لكي يفوز بالجائزة الكبرى، أُجبر على الاستقالة من الجيش في 2003 بعد مقاضاته أمام المحكمة.
لم يتورّط إنجرام في هذه العملية وحده، فقد كانت زوجته ديانا إنجرام، وأحد أصدقائه، شركاء ساعدوه لتحقيق الفوز بطريقة غير شرعية.
وبالنسبة لديانا، فقد ظهرت بالفعل على برنامج "من يريد أن يكون مليونيراً؟" قبل ظهور زوجها، وفازت آنذاك بمبلغ 32،000 جنيه إسترليني. قبل أن تعود أدراجها مرة أخرى للبرنامج، لكن هذه المرة كداعمة لزوجها.
فضيحة السعال والفوز بالمليون!
في العام 2001، أجاب الرائد تشارلز إنجرام على 15 سؤالاً بشكل صحيح؛ ليحصل بشكل مثير للاهتمام على الجائزة الكبرى في "من يريد أن يكون مليونيراً؟". وذلك بعدما امتدت الحلقة معه ليومين متتاليين من التصوير.
جاء الفوز المباغت لإنجرام بعدما استهلك معظم خيارات المساعدة في اليوم الأول، واتضح للمشرفين على البرنامج أنه لن يتمكن من الاستمرار طويلاً في المسابقة، خاصة مع اشتداد صعوبة الأسئلة تدريجياً.
لكنهم لم يعلموا أنه جهّز خطة مُحكمة لكي يتمكن من الفوز على كل حال. وفي اليوم التالي من التسجيل، حرص تشارلز إنجرام على قراءة الإجابات بصوت مرتفع، وانتظار صديقه ويتوك أن يسعل عند سماع الخيار الصحيح.
وقد اتبع هذا النهج حتى وصل بالفعل لسؤال المليون، الذي جاوبه بعد تردد مصطنع لكي تكتمل الحبكة.
هذا الفوز المشوّق لم يستمر، فقد سُحب الشيك منه عندما غادر الاستوديو لأن الشكوك بدأت تراود القائمين على البرنامج حول مدى نزاهته في الإجابة على الأسئلة.
البرنامج يرفع قضية بسبب الشك في نزاهة الفوز
وبعد رفع قضية عليه من قِبل البرنامج، قضت محكمة ساوثوارك كراون البريطانية بأنه بالفعل أجاب على الأسئلة بمساعدة زميله المتسابق تيكوين ويتوك. وقيل أيضاً إن زوجة إنجرام تورّطت وسعلت لتنبيهه لعدة إجابات صحيحة أثناء المسابقة.
كان ويتوك، وهو محاضر جامعي من مدينة كارديف الإنجليزية، ينتظر في مجموعة المتسابقين المتفرجين عندما بدأ إنجرام في اللعب.
لكن بعد أيام قليلة من العرض وتسجيل حلقة "من يريد أن يصبح مليونيراً"، تلقى إنجرام رسالة للاتصال ببول سميث، رئيس الشركة التي قدمت العرض. وقال سميث إنه قد تم ثبوت وقوع "مخالفات" أثناء تسجيل البرنامج، ولن يتم بث الحلقة. وأخبره أيضاً أنه جرى الاتصال بالشرطة للتحقيق.
وفي البلاغ المقدَّم ضد المتسابق، وشريكيه ديانا وتيكوين، قيل إن زوجة وصديق إنجرام كانا يسعلان بصوت عالٍ للإشارة إلى الإجابة الصحيحة، كما نفخ تيكوين أنفه بصوت عالٍ عندما كان الرائد السابق في الجيش على وشك اختيار إجابة خاطئة.
وزُعم أنه تم استخدام أجهزة الاستدعاء الطنانة "Pager"، والهواتف المحمولة للمساعدة في إتمام عملية الغش أثناء تسجيل الحلقة.
فضيحة مدوّية وقرار صادم من المحكمة
استمرت محاكمة إنجرام وشريكيه في محكمة ساوثوارك كراون في عام 2003 لمدة 4 أسابيع، وفيها تم الاستماع لادعاءات من إنجرام تقول إن شريط الفيديو الخاص بالعرض "تم التلاعب به بشكل غير عادل".
وقد أصرّ الرائد على أنه لم يلاحظ السعال أثناء مشاركته في الحلقة، ومع ذلك، اتضح في بيانات القضية أنه قد تم تسجيل 192 واقعة سعال خلال الليلة الثانية من العرض.
وقال ممثلو الادعاء إن معظم هذا السعال المسجل كان صادراً من ويتوك حول الأسئلة الصحيحة لزميله على كرسي المتسابق، لكن في المقابل ادعى ويتوك أنه عانى من سعال مزمن طوال حياته.
في نهاية المطاف، أُدين الثلاثة بتهمة تدبير بالاحتيال والخداع في 7 أبريل/نيسان 2003. ليتم الحُكم على كل من ديانا وتشارلز بالسجن 18 شهراً مع وقف التنفيذ لمدة عامين، بينما حُكم على ويتوك بالسجن لمدة 12 شهراً مع وقف التنفيذ لمدة عامين.