اختراعات الصين القديمة والحديثة هائلة وكثيرة، فهذه البلاد تتميّز بتاريخٍ طويل وحافل في مجال الصناعات الإنتاجية والابتكارات الغزيرة، ولطالما كانت السباقة واحتلت مراتب متقدّمة في مجالاتٍ مختلفة.
فإلى جانب الاختراعات الأربعة العظيمة التي تشتهر بها -الورق، والطباعة، والبارود، والبوصلة- ساهمت الصين بعددٍ لا يُحصى من الاختراعات، وصدّرتها إلى العالم. فمنذ أكثر من 5 آلاف عام، عرف العالم اختراعات الصين التي ما زلنا نستخدمها حتى اليوم.
فيما يلي، قائمة بأعظم اختراعات الصين القديمة:
الورق.. طوّره المسلمون
قبل صناعة الورق، كان البشر يكتبون على الألواح، والأواني الفخارية، والحجارة، وعظام الحيوانات، وأوراق النبات، والجلود؛ وقد صنع السومريون في جنوب بلاد ما بين النهرين أقراصاً طينية، وتركوها تجف، من أجل الكتابة عليها.
من ناحية أخرى، طوّر المصريون القدماء الكتابة على لحاء نبات البردي، الذي انتقل منها إلى اليونان ثم إيطاليا القديمة. ومع استهلاكٍ عالمي يصل إلى أكثر من 400 مليون طنٍّ اليوم، يُعتبر الورق أحد أبرز اختراعات الصين قبل قرنين تقريباً.
صُنِعَ للمرة الأولى في العام 105، على يد مسؤولٍ في البلاط الصيني يُدعى تساي لون، وقد أعدَّه في البداية عبر خلط لحاء شجر التوت والقنب مع خِرَق القماش بالماء.
كان تساي بعد ذلك يسحق المكوّنات ليكوّن عجينة، ويُعلِّقها حتى تجف وتصبح صحفاً رقيقة، وهو ما أصبح تباعاً الورق الذي يمكننا الكتابة عليه.
غيَّر هذا الاكتشاف تقنيات الكتابة السابقة على أوراق نبات البردي، فانتشر الورق تدريجياً في أرجاء العالم، حتى دخل أوروبا بحلول القرن الـ13. وفي القرن الـ19، أصبح الورق المصنوع من الخشب هو القاعدة.
كانت الصين تحتفظ بسر صناعة الورق وتعتبره سراً من أسرار الدولة، لكن مع تقدّم الزمن نقل المسلمون التقنية الصينية وطوّروها لتصبح صناعة كبرى، ولعبوا دوراً كبيراً في تعميم الصناعة ونقلها إلى أوروبا، مما مهد الطريق أمام ثورة الطباعة.
انتقلت صناعة الورق إلى العرب عندما وقع صنّاع صينيون في الأسر بيد العرب، مع سقوط سمرقند عام 705، ساهموا بإنشاء أول معملٍ لصناعة الورق في سمرقند. وبعد ذلك بفترة قصيرة، انتقلت صناعة الورق إلى خراسان.
تعلّم العرب فن صناعة الورق، وازدهرت مصانع الورق في أنحاء العالم الإسلامي. وفي بغداد عرف العرب صناعة ورقة أكثر سمكاً، كما أصبحت الطواحين -التي تعمل عبر الطاقة المائية- عاملاً مهماً في إنتاج الورق بشكلٍ أسرع.
لاحقاً جرى تصنيع الورق الدمشقي في الشام والحجاز بداية القرن الثامن، وكذلك صناعة الورق من الكتان والقنب في المغرب العربي.
وفي القرن التاسع، أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بالتوسّع في إنتاجه بسمرقند واستخدامه في المجمعات العلمية والدواوين ببغداد، لينهي استخدام الرق وورق البردي.
انتعشت صناعة الورق في عهد المنصور، ونقلها الخليفة هارون الرشيد إلى بغداد التي أنشأ فيها مصانع الورق بعد أن أثبتت فعاليتها. وقد أنشئت أول ورشة لصناعة الورق في بغداد خلال فترة وزارة الفضل بن يحيى البرمكي.
لم تعرف أوروبا الورق قبل القرن الـ13، وكذلك أمريكا التي عرفته في القرن الـ16.
فبعد أن غزا العرب إسبانيا، أدخلوا إليها صناعة الورق. ومن إسبانيا انتقلت صناعة الورق إلى أوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط، في الوقت الذي انتقلت فيه من بلاد الشام إلى إيطاليا، حيث أُنشئت أول طاحونة هواء لصناعة الورق عام 1276.
البارود أحد أبرز الاختراعات الصينية
يُعتبر البارود واحداً من أضخم اختراعات الصين القديمة، والذي غيّر شكل العالم. وفي حين تُشير بعض المصادر إلى أنه اكتُشف عام 142، حين أشار كيميائي صيني إلى مادةٍ تُشبه البارود، تعود أول التقارير المؤكدة إلى القرن التاسع، تزامناً مع أواخر حكم سلالة تانغ.
خلال تلك الفترة، كان الرهبان الصينيون يحاولون التوصل إلى إكسيرٍ يُطيل الحياة نحو العام 900، عُرف لاحقاً باسم "إكسير الخلود" الذي لطالما كان عنصراً أساسياً في القصص الخرافية والأساطير لدى معظم الشعوب.
لكن النتيجة قادتهم تدريجياً إلى صنع مسحوق البارود، الذي أبهرهم لناحية قدرته التفجيرية، فأصبحت المادة شائعة في البلاد.
يمكن تتبُّع أقدم صيغ كيميائية للبارود وصولاً إلى القرن الـ11، خلال حكم سلالة سونغ. لكن الامتلاك الحصري لهذا المسحوق لم يستمر طويلاً، بعدما نشر المغول في القرن الـ19 المعرفة حوله في أرجاء آسيا وأوروبا.
يُعتقد أن البارود انتقل إلى أوروبا في أثناء الغزو المغولي بين سنة 1200 و1300. وبينما حاول الصينيون في البداية استخدام هذا الاختراع لأغراضٍ جيدة، مثل الألعاب النارية والاحتفال، فإن الأوروبيين سرعان ما فهموا أن تأثيراته قاتلة في المعارك والحروب.
فتطور البارود بصورةٍ هائلة منذ ذلك الحين، مع تطور الأسلحة والقذائف والصواريخ وغيرها في أرجاء العالم. ويُعَدّ البارود اليوم عنصراً رئيسياً في الحرب، ويتم إنتاجه بكميات هائلة عالمياً.
الشاي.. سرّ من أسرار الدولة
لسنا نبالغ لو قلنا إن الشاي يُعتَبَر مشروباً رئيسياً لملايين البشر حول العالم. ورغم أنه أحد اختراعات الصين الأساسية، فإنه غالباً ما يُنسب إلى الهند وبريطانيا، بسبب استهلاكه الكبير في المنطقتين.
ابتُكِرَ الشاي في الصين القديمة قبل أكثر من 4500 عام، وتوجد روايات عن اكتشاف الإمبراطور الصيني شين نونغ الشاي بالصدفة، أثناء جلوسه تحت إحدى الأشجار في القرن الثاني قبل الميلاد.
فوفقاً لبعض المراجع، كان الإمبراطور يحتسي الماء المغلي حين سقطت أوراق الشجر داخل كوبه وغيّرت لون الماء، وأضافت له رائحة زكية. وما إن تذوق طعمه حتى استطابه وبات يوصي به.
وفي حين أنَّ لهذه القصة جانباً إبداعياً أكثر منه حقيقة، تبقى الصين أول مَن اكتشف الشاي، قبل عقودٍ كثيرة من ظهوره في أي بلدٍ آخر. وهو، كسواه من اختراعات الصين الأخرى، كان سراً من أسرار الدولة.
لم يعرف العرب الشاي حتى القرن التاسع، وكان في البداية مشروباً نخبوياً يقتصر على الأسر الغنية والأرستقراطية. وعملياً يمكن القول إن شعبية الشاي عند العرب بدأت في القرن الـ19، وهي الفترة نفسها التي انتشر فيها بالأناضول وتركيا.
وحين وصل العرب في غزوهم إلى بلاد فارس، تعرّفوا على "السماور"، وهو وعاء معدني يُستخدم لغلي الماء وتحضير الشاي.
استُخدم في روسيا وأوروبا الشرقية بدايةً عام 1717 واقتصر على العائلة القيصرية والنبلاء، قبل أن يصل إلى بلاد الفرس وبلدان الشرق الأوسط. وقد دخل السماور البلدان العربية عن طريق العراقيين، الذين عرفوه من الأتراك.
يرجع دخول الشاي إلى إنجلترا مع زواج تشارلز الثاني بالأميرة كاثرين البرتغالية عام 1622، حين منحت البرتغال إنجلترا حق استخدام موانئها في مستعمراتها بإفريقيا وآسيا، فدخل الشاي إنجلترا بواسطة الطرق التجارية الجديدة.
وبذلك عرفت بريطانيا الشاي كمشروبٍ أنيق يقتصر فقط على الطبقة الملكية والراقية، لا سيّما مع ارتفاع سعره آنذاك. أما انتشاره بين عامة الشعب، فقد بدأ مع الثورة الصناعية في بريطانيا وبداية النصف الثاني من القرن الـ19، بالتزامن مع انتشار المصانع وتأثيرها على الحياة الاجتماعية في بريطانيا قبل غيرها من الدول الأوروبية.
الحرير.. أضخم اختراعات الصين
يُعرّف الحرير على أنه ألياف بروتينية طبيعية تُنتجها يرقات دودة القز. اكتُشِفَت هذه الألياف عالية الجودة، والتي تُستخدَم في كل شيء بدءاً من الملابس وحتى الطب، في العصر الحجري الحديث بالصين خلال حضارة يانغ تشاو.
إنتاج الحرير، بالاعتماد على دودة القز، كان من أضخم اختراعات الصين القديمة. وقد كان الصينيون يجمعون الحرير قبل نحو 6 آلاف عام، كما تشير بعض الاكتشافات في المقابر الصينية القديمة إلى أن إنتاج الحرير ربما يعود إلى سنة 8500 قبل الميلاد.
وعلى مدار القرون التالية، اقتصر الحرير بالأساس على الصين. كانوا أول من أتقن إنتاج الحرير وحافظوا على سر صناعته لقرون عدة، وهذا الأمر جعل الحرير مادة مطلوبة جداً في أوروبا وأحد أبرز اختراعات الصين التي ارتكز عليها -وما زال- الاقتصاد الصيني من خلال تصديره الذي أدى إلى تشكيل طريق الحرير.
ولهذا، حافظت الصين على احتكار الإنتاج لسنوات عدة، وما تزال أكبر منتج في العالم. فوفقاً للتقديرات الحديثة، تنتج الصين أكثر من 400 ألف طن من الحرير سنوياً، متجاوزةً الهند التي تحل في المرتبة الثانية.
في العام 2005 استحوذت الصين على 75% من إنتاج الحرير الخام في العالم، كما استحوذت على 90% من صادراته في الاقتصاد الدولي.
لم تتعلم الدولة البيزنطية سر صناعة الحرير إلا بعد 3 آلاف سنة من إتقان واستمرار الصينيين في صناعته؛ حينها فقط بدأ الحرير في اتخاذ طريق له نحو الغرب، إلا أن الصين وقتها كانت قد تربعت على عرش الصناعة وحدها.
في سبعينيات القرن الـ19، بدأت الصين تسيطر بشكل واضح على تجارة الحرير مع كثير من البلاد، كان من بينها الهند والجزء الجنوبي والغربي لأواسط آسيا، ومنها إلى السواحل القريبة من إفريقيا ومنها إلى أوروبا.
وحينها أطلق العالم الجغرافي الألماني "فرديناند فون ريتشهوفن" على الطرق التي تتبعها الصين لتجارة الحرير اسم "طريق الحرير"، الطريق الذي قدمت الصين به نفسها إلى دول العالم. ما يؤكد أن الحرير أعظم اختراعات الصين.
البوصلة.. GPS القديم
قبل التوصل إلى نظام تحديد المواقع العالمي GPS وأجهزة الملاحة المحمولة المتقدمة في عصرنا، كانت البوصلة هي الوسيلة الأساسية في الوجهات والسفر. وكان يكفي أن تحملوا بوصلة مع خريطة حتى يمكنكم عبور المياه المجهولة والوصول إلى أي بلد في العالم.
تُعتبر البوصلة اختراعاً مدهشاً ولعلّه أهم اختراعات الصين؛ ألم يستكشف كريستوفر كولومبوس الأراضي الجديدة بالاعتماد على البوصلة؟
صُنِعَت أول بوصلة قبل الميلاد خلال حكم سلالة هان، باستخدام حجر مغناطيس طبيعي. ومع ذلك، كانت تُستخدَم في القرون الأولى لأغراض التنجيم بالأساس. ولم تصبح البوصلات أساس الملاحة إلا في القرن الـ11 خلال حكم سلالة سونغ.
انتقلت البوصلة إلى أوروبا على مرحلتين؛ المرحلة الأولى أثناء الحروب الصليبية عن طريق ملاحي البحر الأبيض المتوسط المسلمين، والمرحلة الثانية خلال حقبة ابن ماجد في القرن الـ15 عن طريق ملاحي جنوبي آسيا المسلمين عندما استعان بهم البحارة الإسبان والإيطاليون.
بحلول القرن الخامس عشر، أدرك المستكشفون أن الشمال المشار إليه بالبوصلة لم يكن مماثلاً للشمال الجغرافي الحقيقي للأرض، كما تم إجراء تعديلات أخرى على البوصلة المغناطيسية بمرور الوقت، لاستخدامها في الملاحة البحرية.
فعندما تطورت صناعة السفن من الخشب إلى الحديد والصلب، أثرت مغناطيسية السفينة على قراءات البوصلة، فأجريت بعض التعديلات على البوصلة لزيادة دقة القراءات.
وبعد ذلك، سرعان ما طوَّرها الأوروبيون، الأمر الذي سمح للناس بالسفر والاستكشاف بدقة أكبر بكثير. لكن تبقى البوصلة أحد أبرز اختراعات الصين القديمة.
فرشاة الأسنان الحديثة ذات الشعيرات
لا بدّ أن عدداً كبيراً منكم لا يعرف أن فرشاة الأسنان الحديثة هي أحد أبرز اختراعات الصين القديم، وأنه حتى القرن الـ15 كانت الحضارات تستخدم الأغصان وأوراق الشجر لتنظيف أسنانها، في حال نظف الناس أسنانهم أساساً.
وعكس اختراعات الصين الأخرى، لم يُصمِّم الصينيون أول فرشاةٍ حديثة إلا في العام 1498 باستخدام مزيجٍ من الخيزران لصنع المقبض، وشعر رقبة الخنزير لصنع الشعيرات؛ وفق ما ذكرته دراسة أجرتها جامعة كارولينا الجنوبية.
سرعان ما حلَّ هذا التصميم محل أعواد المضغ المصنوعة من أغصان الشجر، وأصبحت فرشاة الأسنان هي القاعدة في تنظيف الأسنان.
ومع رواجها، شهد القرن التالي نقل الأوروبيين للتصميم مع استخدام شعر الخيل، وطوَّروها أكثر بصورة تدريجية حتى أصبحت الفرش الاصطناعية الموجودة لدينا اليوم.