لا بدّ أننا جميعاً نعرف شخصاً معروفاً بـ"التأخر" وأنه غير منضبط في مواعيده مهما كان نوع الموعد: عمل يومي، موعد غداء، الخروج مع الأصدقاء ليلاً… ولا بدّ أنكم، مع مرور الوقت، أصبحتم معتادين على تأخره حتى صِرتم لا تعاتبونه.
ورغم أن التأخير وعدم الوصول في الموعد المحدد يعكس صورة سلبية عن الشخص في العادة، فإن دراسة حديثة من جامعة هارفارد اكتشفت جانباً إيجابياً في الأمر.
فقد وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يتأخرون عن مواعيدهم كانوا أقلّ عرضة لارتفاع ضغط الدم، فضلاً عن انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب.
ووفقاً للدراسة، فالأشخاص الذين يتأخرون دائماً يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة ويعيشون لفترةٍ أطول. لكن هل تساءلتم يوماً: لماذا يتأخر بعض الأشخاص دائماً؟
أسباب التأخر
في حديثٍ إلى موقع Live Science، يشير هوغو سبيرز (أستاذ في علم الأعصاب الإدراكي) إلى أنه من المرجح أن تكون هناك آلية في الدماغ تتسبب في التأخر الدائم لبعض الأشخاص، لأنهم يقللون من تقدير الوقت الذي سيحتاجونه للوصول إلى هناك.
قرن آمون (Hippocampus) هو منطقة في الدماغ تعالج بعض جوانب الوقت، مثل تذكر توقيت فعل شيءٍ ما، والوقت الذي يستغرقه. فالخلايا العصبية في قرن آمون هي خلايا الوقت، التي تساهم في إدراكنا وتذكرنا للأحداث.
ورغم ذلك، فإن السبب المحدد لتأخر بعض الأشخاص يبدو غير واضح. لكن دراسة نُشرت عام 2017 خلُصت إلى أن أحد العوامل قد يكون مرتبطاً بمدى درايتنا بالمسافة.
في الدراسة، طلب سبيرز من 20 طالباً (انتقلوا منذ وقت قصير إلى لندن) أن يرسموا خريطة المنطقة التي توجد فيها جامعتهم، وأن يضعوا تقديرات للوقت المستغرق للانتقال إلى وجهات مختلفة.
صحيحٌ أن تقديرات الطلاب للمسافة كانت متوسعة؛ لأنهم كانوا على دراية جيدة بمنطقة ما، إلا أن تقديراتهم لزمن الانتقال كانت تتقلّص كلما كانوا على دراية بهذه المنطقة. ما يجعل التأخر أقرب.
وعن هذا الأمر، قال سبيرز: "إذا كنتَ على دراية جيدة بالمسافة، فإنك تبدأ في تقليل المتاعب التي سوف تتطلبها هذه المسافة".
في بعض الحالات، ربما لا يضع الشخص المتأخر في حسبانه الوقت الكافي لإتمام المهام غير المرتبطة بالتنقل، مثل مهمة الاستعداد في الصباح. فتقديرنا للوقت يستند إلى ما كنا نعتقده المدة الزمنية المطلوبة في الماضي، لكن ذكرياتنا لا تكون صحيحة على الدوام.
الموسيقى عنصر مشتت
في دراسةٍ أخرى نُشرت في الجمعية الأمريكية لعلم النفس، توصلت إميلي والدوم (أستاذة مساعدة في جامعة كامبل) إلى أن العوامل البيئية -مثل الموسيقى- قد تشوّه إحساسنا بالوقت وتدفعنا إلى التأخر.
بعض الأشخاص يخطئون في تقدير طول المهمة المطلوبة منهم استناداً إلى عدد الأغاني التي سمعوها في الخلفية، فيصبح التأخر حتمياً.
فمثلاً، يميل البالغون الأصغر سناً إلى تضخيم تقديراتهم حول الوقت إذا سمعوا 4 أغنيات قصيرة مقارنةً بالاستماع إلى أغنيتين طويلتين، وهو شيء لم يبدُ أنه يؤثر على إدراك البالغين الأكبر سناً للوقت.
ثمة عامل بيئي آخر يسبب التأخر ويتمثل في الازدحام. فالأشخاص الذين يخوضون رحلات مزدحمة يُطيلون تقدير المدة الزمنية التي تستغرقها أي رحلة قد يقومون بها.
وثمة نقطة مهمة يجب التوقف عندها: لا يُدرك بعض المتأخرين عن مواعيدهم أنهم متأخرون، خصوصاً إذا كانوا ذاهبين إلى موعدٍ يعتبرونه غير مهم. نستطيع أن نكون منضبطين عندما نعتبر الأمر مهماً.وأخيراً ثمة عامل مرتبط بالمرض؛ ففي دراسةٍ نُشرت عام 2019 بالمجلة العلمية Medical Science Monitor، تبيّن أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، قد يجدون صعوبة في معالجة مرور الوقت وتقديره.