لم يحظ ويليس نيوتن وإخوته بشهرة بالغة في مطلع حياتهم المهنية بصفتهم لصوصاً محترفين، وربما كان ذلك أحد أبرز أسباب نجاحهم، فقد كانوا بارعين في التخفي عن أعين الشرطة، وحرصوا على عدم إثارة الضجة حولهم على الرغم من أنهم نفذوا حوالي 70 عملية سرقة بنك، بالإضافة إلى السطو على قرابة ستة قطارات، وفي حادثة واحدة من تلك الحوادث استطاعوا سرقة حوالي 3 ملايين دولار دفعة واحدة عام 1924، وهو مبلغ يعادل 45 مليون دولار في أيامنا هذه. فما قصة هذه العصابة التي عرفت لاحقاً باسم "الإخوة نيوتن"؟
الإخوة نيوتن.. "السرقة مهنة عادية مثل الطب والمحاماة"
حصلت قصة الإخوة نيوتن على زخم عندما عرض فيلم يصور حياة الإخوة الإجرامية عام 1998، ويحمل اسم The Newton Boys. لكن قبل هذا الفيلم الذي يمزج بين الدراما والأكشن، عرض فيلم وثائقي عن الإخوة، ظهر فيه بعض منهم بعد أن كبروا في السن، وقد وضح الإخوة في الفيلم أنهم لطالما كانوا فخورين بعملهم ولا يندمون عليه، موضحين أن السرقة مهنة عادية مثل الطب والمحاماة وغيرها، خاصة أنهم لم يستهدفوا الفقراء في عمليات السطو التي قاموا بها خلال حياتهم الحافلة بالسرقات.
مع ذلك، فقد كتب المؤلف جي آر ويليامسون عن مقابلة أجراها ويليس نيوتن قبل أشهر قليلة من وفاته عن عمر يناهز التسعين، وقال ويليامسون إن الرجل يبدو شريراً للغاية، خاصة أنه لم يبد أي ندم على أي من جرائمه.
بداية عصابة نيوتن
كان الإخوة نيوتن الأربعة (ويليس وويلي وجيس وجو) أبناء لأحد مزارعي تكساس الفقراء، وقد تركوا المدرسة في وقت مبكر ودخلوا بعد ذلك على الفور إلى حياة الجريمة، حيث ارتكبوا جرائم صغيرة في البدايات وقضوا فترات بسيطة في السجن جراء ذلك.
كان ويليس يبلغ من العمر 25 عاماً تقريباً عندما سرق بنكاً لأول مرة، وحصل على حوالي 4700 دولار والتي تعادل حوالي 120 ألف دولار في عام 2019.
بعد ذلك بدأت نشاطات ويليس بالتطور، وفي عام 1916 نفذ عملية سطو مع بعض الخارجين عن القانون حصل بعدها على مبلغ 10000 دولار (حوالي 237000 دولار)، وبعد أن ثبت قدمه في عالم الجريمة ضم إخوته إليه ليشكلوا عصابة عائلية هي عصابة "الإخوة نيوتن".
كان ويليس بالطبع هو رئيس هذه العصابة، وقد وضع بعض القواعد الأساسية التي من شأنها أن تساعد العصابة في أن تصبح الأكثر إنتاجية في مجال سرقة البنوك في التاريخ.
لقد كان لدى ويليس حنكة في عالم الإجرام، وكان يعلم أنهم إذا قاموا بقتل شخص ما فستكثف الشرطة محاولاتها لإيجادهم، لذلك كان عدم قتل أي أحد واحدة من قواعد ويليس الأساسية.
وبمساعدة خبير المتفجرات المسمى برنت جلاسكوك، استطاع الإخوة الأربعة أن يصبحوا اللصوص الأكثر إنتاجية في المنطقة ما بين تكساس وأوكلاهوما عبر الغرب الأوسط وحتى تورنتو، كندا.
وكانوا محنكين؛ لدرجة أنهم استطاعوا في أكثر من مرة سرقة مصرفين في يوم واحد. وواظبوا على سرقة البنوك والسطو على القطارات بشكل منتظم. وفي حين كان لصوص القطارات يستخدمون الخيول للفرار، كان الإخوة نيوتن يستخدمون السيارات الحديثة آنذاك.
"كنا مجرد رجال أعمال هادئين"
كان الإخوة نيوتن منهمكين في مهنتهم إلى حد كبير، أرادوا أن يبقوا في طليعة اللصوص وسارقي البنوك، لكنهم لم يحظوا بالشهرة التي حظي بها غيرهم من اللصوص الذين برز نجمهم في نفس الفترة وكشفت هوياتهم للشرطة والمجتمع.
وعلى عكس غيرهم من اللصوص لم يضطر الإخوة إلى الهروب من القانون أو عيش حياة سرية بالخفاء، إذ لم تستطع الشرطة الكشف عن هوياتهم في جميع العمليات التي قاموا بها.
وعلى حد تعبير ويليس، فقد وصف عصابته قائلاً: "كنا مجرد رجال أعمال هادئين، كل ما أردناه هو المال".
وأحد العوامل الأساسية التي ساعدت الإخوة على عدم لفت انتباه الشرطة هو أنهم كانوا يؤدون عملهم في الغالب في الليل، ولم يقحموا البنوك وهم يلوحون بالبنادق ويصرخون "ارفعوا أيديكم!".
كذلك فقد كانت العديد من البنوك التي سرقها آل نيوتن واقعة في بلدات صغيرة مع القليل من الأمن، وكانت البنوك آنذاك سهلة السرقة على عكس أيامنا هذه، فقد كانت أنظمة الحماية ضعيفة في عشرينيات القرن الماضي، كما كانت وسائل الاتصال الوحيدة هي التلغراف والهاتف، ولا يوجد إنترنت، كما لا يوجد وسائل متطورة لمطابقة بصمات الأصابع.
لا توجد قاعدة بيانات وطنية لبصمات الأصابع. لا توجد قاعدة بيانات وطنية لصور mugshot أو أي شيء من هذا القبيل. "حتى يتمكنوا من سحب هذه الأشياء ولم يكن أحد يعرف أنها كانت نيوتن".
ولم تكن الشرطة وحدها عاجزة على اكتشاف هوية الإخوة المجرمين، فعلى الرغم من أن الإخوة نيوتن لم يكونوا محط إعجاب الناس في حيهم، إلا أن أحداً لم يكن يتوقع أنهم لصوص خطيرون.
عندما كانوا في رحلات عمل خارج تكساس، كما أخبر جو كارسون في برنامج "The Tonight Show"، كانوا يقيمون في أجمل الفنادق ويتناولون الطعام في أفضل المطاعم. حضر اثنان على الأقل من الإخوة بانتظام الأحداث الرياضية مثل كنتاكي ديربي وإنديانابوليس 500. لقد أنفقوا ببذخ حتى نفدت أموالهم، ثم خططوا للوظيفة التالية.
يقول ويليامسون: "الصبي، هل استمتعوا بعملهم؟ لقد عاشوا مثل عمال النفط الأثرياء في تولسا".
حقق قطار روندوت، إلينوي، سرقة قطار لأبناء نيوتن مبلغاً مذهلاً قدره 3 ملايين دولار نقداً. هذا يعادل حوالي 45 مليون دولار اليوم.
أكبر عملية على الإطلاق
عاش الإخوة نيوتن ببذخ شديد، فقد كانت مكاسبهم جيدة للغاية من عمليات السطو، فعلى سبيل المثال حقق لهم السطو على قطار روندوت مبلغاً مذهلاً قدره 3 ملايين دولار نقداً، أي ما يعادل حوالي 45 مليون دولار اليوم.
لكن هذه العملية الضخمة كانت السبب في وقوعهم أخيراً.
ففي 12 يونيو/حزيران 1924، أوقف الإخوة نيوتن، برفقة جلاسوك وعدد قليل من المجرمين الآخرين، قطاراً في طريقه لتوصيل الأموال النقدية إلى العديد من البنوك على طريقه. وسرعان ما قامت العصابة بتحميل 63 كيساً من المسروقات في أربع سيارات جميعها مسروقة، ولكن في ارتباك الغارة الليلية، وبعد أن هرب أحد عمال الفرامل وأبلغ السلطات، أطلق جلاسكوك النار بطريق الخطأ على أحد المارة عدة مرات، ظناً أنه من الشرطة.
هرب الرجال جميعاً، ووضعوا الشخص المصاب على أكياس نقود، لكن السلطات سرعان ما عثرت عليهم بعدما استطاعت التوصل إلى طرف خيط عن طريق الطبيب الذي عالج الشخص المصاب بالطلق الناري..
ورغم هرب ويليس إلى المكسيك، استطاعت الشرطة القبض على جميع المتورطين في غضون أشهر وتوجهوا إلى المحاكمة
وبحلول نهاية نوفمبر/كانون الثاني 1924، انتهت المحاكمة، وكان اللصوص في طريقهم إلى السجن. وعلى الرغم من كمية الأموال المسروقة، تلقى معظم اللصوص أحكاماً خفيفة إلى حد ما، ولم يقض أي من المدانين عقوبته بالكامل وتم إطلاق سراحهم جميعاً في النهاية لحسن السلوك.
أبطال شعبيون
غالباً ما يتم الآن النظر إلى قصة الإخوة نيوتن على أنهم كانوا يحاولون ببساطة كسب لقمة العيش.
وقد قال ويليس لمصورين وثائقيين: "كنت أعرف أن جميع المصرفيين أغنياء ولم يتوانوا عن إلحاق الضرر بنا نحن المزارعين الفقراء، فلماذا أهتم إذا لحق بهم الأذى؟ لماذا لا أسرق منهم؟ ".
لكن القصة الرومانسية، كما رواها ويليس وإخوته والعديد من المؤرخين، ليست بالضرورة القصة الحقيقية.
يقول ويليامسون: "لقد صوروا ليبدوا أفضل بكثير مما كانوا عليه بالفعل". في الواقع كانوا محتالين ومجرمين.
وكشف ويليامسون النقاب عن روايات صحفية عن إطلاق النار من قبل الإخوة خلال إحدى عمليات السطو على قطار في إلينوي، حيث ادعى أن حمالاً أسود باسم مون توفي بعد ثلاثة أيام من السرقة متأثراً بجروح ناجمة عن طلقات نارية.
وعلى الرغم من أن عائلة نيوتن أقسموا أنهم لم يقتلوا أي شخص أبداً، فقد لا تكون تلك هي الحقيقة، مع ذلك بقي هؤلاء اللصوص في مخيلة العديد من الناس أبطالاً شعبيين بعد وفاتهم، ويتذكرهم الناس اليوم على أنهم لصوص البنوك الأكثر نجاحاً في التاريخ.