لطالما استخدمنا منذ الصغر مقولة "كل الطرق تؤدي الى روما" مثالاً عن تشابه الأفكار أو بصيغة التشبيه إلا أن لهذه المقولة تاريخ يعود إلى القرون الوسطى.
كانت مدينة روما في الماضي إحدى أهم عواصم العالم؛ إذ كانت تسيطر على جنوب غرب أوروبا وجنوب شرق أوروبا والبلقان، بالإضافة إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، وذلك عبر الغزو الذي شنته الإمبراطورية الرومانية على المدن وضمها لها.
كانت المدينة قديماً تعرف بمثلث الحياة، إذ انبثقت الحضارة الرومانية على طول سواحل المتوسط، إذ بدأت من مجتمع زراعي صغير في شبه جزيرة إيطاليا خلال القرن السابع قبل الميلاد إلى إحدى أكبر وأقوى الإمبراطوريات في العالم القديم.
حدث الكثير من التحولات الكبيرة في إمبراطورية روما، ففي البداية كانت تخضع للحكم الملكي ثم تحولت إلى حكم الأقلية الجمهورية، وبعد ذلك تحولت إلى إمبراطورية استبدادية.
من مدينة صغيرة إلى أعظم إمبراطورية
تأسست روما سنة 753 قبل الميلاد على يد الأخوين "رومولوس وريموس" اللذين عاشا في البرية بعدما تم التخلي عنهما، وحسب الأسطورة يقال إنهما رضعا من ذئبة، حسب موقع "History" الأمريكي، يقال إن رومولوس قتل أخوه وأصبح الملك على روما ثم سُميت المدينة بالشق الأول من اسمه.
حكم المدينة العديد من الملوك ثم انتهى حكمهم سنة 509 قبل الميلاد بعدما أطاح الشعب بالملك السابع لها؛ إذ قام باغتصاب سيدة فاضلة مشهورة في روما، لتتحول المملكة بعدها إلى جمهورية.
استمر النظام الجمهوري في الحكم حتى عام 27 قبل الميلاد وحاول تحقيق التوازن بين مصالح الأرستقراطيين "وهم طبقة النبلاء من المواطنين الرومان" والعوام "وهم الطبقة الأقل مستوى والأكثر فقراً"، وكان العبيد جزءاً من المجتمع الروماني، ولكنهم لم يحوزوا الجنسية الرومانية.
كانت بداية الإمبراطورية الرومانية عند صعود ابن أخ يوليوس قيصر الكبير سنة 27 قبل الميلاد؛ إذ تحولت روما من جمهورية إلى إمبراطورية.
انتصر أوكتافيان في الحرب الأهلية التي مات فيها عدوه مارك أنتوني منتحراً، بعد أن قتلت كليوباترا السابعة نفسها. ومع التخلص من أعدائه، انحصرت السلطة في أيدي أغسطس وخلفائه، توسعت روما نفسها بشكل هائل بحلول الوقت الذي وصل فيه أغسطس إلى الحكم.
وغالباً ما يُرجِع المؤرخون المعاصرون حقبة "الإمبراطورية الرومانية"، أي الوقت الذي أعقب انتهاء الجمهورية الرومانية، إلى المدة الزمنية الواقعة بين عامي 27 قبل الميلاد حتى 476 بعد الميلاد.
وخلال هذه المدة، وفي ظل حكم واحد أو أكثر من الأباطرة، توسعت الإمبراطورية لتشمل إنجلترا وويلز وأجزاء من رومانيا الحديثة؛ بل شُنت محاولات مشؤومة لغزو الأراضي التي تُعرف الآن بألمانيا واسكتلندا والعراق، وفقاً لما ورد في موقع Livescience الأمريكي.
كل الطرق تؤدي الى روما
حسب موقع "carpediemtours" الأمريكي بعد التوسع الذي بدأت تشهده روما كانت المدينة تواجه صعوبة كبيرة في الوصول إلى هذه البلاد التي أصبحت تابعة لها بسبب صعوبة المواصلات ووعورة الطريق، فقامت بربط كل المدن التي فتحتها بطرق مرصوفة، حتى تكون جميع المدن تحت سيطرة روما وتسهيل التجارة والتعامل معهم.
كانت جميع هذه الطرق تؤدي الى روما، ومن هنا جاءت مقولة "كل الطرق تؤدي الى روما"، وأصبحت هذه المقولة مثلاً يقصد به أن أي هدف يمكن الوصول إليه بطرق متعددة .
امتدت شبكة الطرق في الإمبراطورية الرومانية من غابات بلاد الغال الكثيفة إلى المدن اليونانية، ومن نهر الفرات إلى المانش. هذه الطرق سهلت حركة الجيوش الرومانية التي استخدمتها روما لتسهل سيطرتها وبسط قوتها على كل أنحاء الإمبراطورية. وكان متفرعاً من هذه الطرق طرق أخرى ثانوية كثيرة تؤدي إلى داخل الأقاليم الرومانية.
وصل طول الطرق التي تصل المدن بالإمبراطورية الرومانية إلى أزيد من 80 ألف كيلومتر وتمت دراسة هذه الطرق عن طريق خريطة تسمى خريطة پويتنڠر، ويعود تاريخ هذه الخريطة إلى القرن الـ14.
البحوث الحديثة حول طرق روما القديمة
حسب موقع "rt بالعربي" قام مجموعة من الباحثين في Moovel Lab، وهو فريق مخصص لأبحاث التنقل الحضري في ألمانيا سنة 2015 بتجربة لمعرفة ما إذا كانت حقاً كل الطرق تؤدي الى روما والتي استمرت ما بين "2015 و 2022".
قام الفريق بإسقاط شبكة موحدة من 500 ألف نقطة في خريطة أوروبا، هذه الأخيرة لم تكن تمثل المدن القديمة أو الحديثة، ولكنها كانت مجرد نقاط عشوائية لبدء رحلة إلى العاصمة الإمبراطورية، استخدم الفريق بعد ذلك خوارزمية لحساب أفضل طريق الى روما باستخدام الطرق الحديثة من كل نقطة من نقاط البداية هذه.
هذه الطريقة أوضحت للباحثين العديد من الشبكات الطرقية التي تؤدي الى مدينة روما مباشرة انطلاقاً من باريس ولندن وإسطنبول والتي كانت جزءاً من الإمبراطورية في الماضي.
ومع ذلك، لا يزال تصميم فيليب شميت، أحد المصممين الذين يقفون وراء هذا العمل الفني، يخبرنا بشيء ما عن قدرة التحمل على الطرق الرومانية، ولا يزال الكثير من البنية التحتية للطرق في أوروبا مصمماً لربط المدن الكبرى بالعاصمة الإيطالية.
حسب الدراسات العديد من الطرق الحديثة الآن في أوروبا هي سلسلة من الطرق الرومانية القديمة، إلا أنها تغيرت قليلاً في السنوات الماضية، وحسب نفس المصدر يقول لبارسيرو أوبينيا: "تجنب الطرق السريعة المبنية حديثاً الأماكن المأهولة بالسكان لتوفير المال في الحصول على الأراضي، وهذا يعني أن بعض الطرق السريعة الجديدة تماماً لم تكن دائماً منطقية مثل الطرق الرومانية القديمة".
نتائج البحث على طرق روما
ووفق نفس الدراسات، كانت الطرق الرئيسية في روما عبارة عن خطوط مستقيمة بالإضافة إلى أنها كانت تربط المدن المهمة بمدن مهمة أخرى، وهي كلها تؤدي في الأخير إلى مدينة روما، كما لم تكن هذه الطرق المباشرة ممكنة إلا بعد ضم الدول من قِبل الرومان وإخضاع أي معارضة عسكرية، وإلا لما كانت آمنة بما يكفي للسفر.
ووقع تصميم هذه الطرق الرئيسية لحركة العجلات والحيوانات، وبعبارة أخرى، كانت أكثر تعقيداً من المسارات الموحلة، إذ تم بناؤها بطبقات مختلفة مثل التراب والصخور، ثم أخيراً ألواح كبيرة من الحجر فوقها. ولم تكن مسطحة، ولكنها على شكل قبة تسمح بالتصريف المناسب لمياه الأمطار.
الإجابة عن سؤال "هل أدت كل الطرق الرومانية إلى روما؟" هي: لا، حسب الباحثين في هذا المشروع، لكنّ عدداً هائلاً من الأشخاص شقوا طرقاً مختلفة ووصلوا في النهاية إلى المدينة .
وأشار "ارسيرو أوبينيا" إلى أن معظم الناس الذين يذهبون إلى روما قديماً لم يسلكوا الطرق، موضحاً: "كان الاتصال عبر البحر أكثر فائدة؛ لأنه أسرع وأرخص، وإذا أردت الذهاب من غرب أيبيريا إلى روما، على سبيل المثال، فمن المحتمل أن تأخذ قارباً وليس حصاناً وعربة".
من قال العبارة الشهيرة عن طرق روما؟
حسب موقع "carpediem tours" الأمريكي، لم يكن أحد الشعراء اللاتينيين أول من جاء بمقولة "كل الطرق تؤدي الى روما"، بل كان عالم لاهوت فرنسياً يكتب باللاتينية خلال العصور الوسطى.
ظهرت النسخة الأولى من المقولة في كتاب صادر سنة 1175 تحت اسم "Alain de Lille"، وجاءت بمعنى "ألف طريق تقود الرجال إلى الأبد إلى روما"، "mille viae ducunt homines per saecula Romam".
بعد مائتي عام، ظهرت كل الطرق تؤدي الى روما مرة أخرى في مقدمة جيفري تشوسر، عن أطروحة حول الإسطرلاب سنة 1391؛ إذ قال: "كما قادت المسارات المتنوعة الشعب الصالح إلى روما"، لا يعرف متى أصبحت المقولة متداولة بشكل كبير، إلا أن أغلب الدراسات تشير إلى القرن العشرين.