عند الحديث عن أبرز المدن الأندلسية التي ازدهرت في فترة الحكم الأموي خلال القرن العاشرة، يمكن الإشارة إلى مدينة الزهراء، التي تقع في شمال غرب مدينة قرطبة الإسبانية.
وقد ازدهرت هذه المدينة، التي كانت تعتبر أجمل عواصم العالم، لمدة 80 سنة متواصلة، قبل أن يهجرها سكانها خلال ثورة البربر، التي كانت احتجاجاً من سكان شمال المغرب ضد حكم الأموي.
وبالرغم من أن مدينة الزهراء قد أصبحت غير مأهولة بالسكان لسنوات طوال، فإنها تمكنت من أن تستعيد بريقها، كواحد من بين أبرز الأماكن السياحية في إسبانيا، بعد أن تمت إعادة اكتشافها من جديد.
مدينة الزهراء.. أسسها عبد الرحمن الناصر
تم بناء مدينة الزهراء سنة 940 م، بأمر من الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر، وهو ثامن خلفاء الدولة الأموية في الأندلس، إذ حرص على أن يكون معمار المدينة شبيهاً بقصور مدينة دمشق السورية، فيما اختار لها اسم "الزهراء"، تيمناً باسم زوجته، وتعبيراً منه عن حبه الكبير لها.
وكان السبب وراء بناء المدينة لتكون مقراً للخلافة الأموية الجديدة، ثم الابتعاد عن صخب العاصمة قرطبة بعد أن ضاقت مرافقها نتيجة الزخم السكاني الذي كان يزداد بشكل دائم.
إذ تمكن مدينة الزهراء، بفضل معمارها المميز، والذي كان يطغى في تصميمه على الذهب والرخام، من أن تصبح أجمل عواصم العالم في ذلك العصر.
كما أنها كانت رمزاً من أجل وصف عظمة وقوة السلطان الحاكم، وتخليداً لعصره، عبر التاريخ، إذ إن الناصر كلفه بناء هذا القصر أموالاً كثيرة جداً؛ لأنه جلب مواد البناء من مختلف أنحاء الأندلس، وأوروبا، وإفريقيا.
اكتشاف جديد لمدينة الزهراء بعد مئات السنين
اختفت مدينة الزهراء بعد ثورة التي تسببت في نهاية الخلافة الأموية، في الفترة ما بين 1009-1010 م، وقد تم نسيانها لأكثر من 1000 عام، إلى أن تمت إعادة اكتشافها في أوائل القرن العشرين.
وقد كان شكل المدينة بعد اكتشافها الجديد عبارة عن بقايا القصور، والمساجد، والطرق، والجسور، والمباني والعناصر الزخرفية التي كانت تشكلها عند تشييدها، لتكون بذلك صورة واضحة عن الحضارة الإسلامية التي قد اختفت منذ مئات السنين في الأندلس.
وقد تم إعلان أن هذه المدينة أصبحت مصنَّفة ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو، بتاريخ 1 يوليو من سنة 2018، إضافة إلى أنها أصبحت مزاراً سياحياً تاريخياً شهيراً.
فموقع المدينة اليوم عبارة عن مجمع حضري كامل يشمل البنية التحتية والمباني والديكورات والأشياء ذات الاستخدام اليومي، ويوفر معرفة متعمقة حول الثقافة المادية للحضارة الإسلامية للأندلس في أوج روعتها قبل أن تختفي.
وحسب الموقع الرسمي لليونيسكو "unesco"، فقد تم الحفاظ على هذا الطابع الذي تمتاز به المدينة منذ فترة طويلة، ولم يتم تعديله، أو تغيير أي شيء فيه، وذلك من أجل حماية المآثر التي تمتاز بها، بدعم من المؤسسات العامة.
مبانٍ مميزة في مدينة الزهراء
هناك العديد من المباني التي ما زالت تحكي تاريخ مدينة الزهراء الأندلسية، وتبرز مدى جمالية المباني الإسلامية، التي تمزج بين أصالة المعمار والمناظر الطبيعية الخلابة.
وأبرز هذه المباني التي وُجدت في المدينة، التي كانت مساحتها تقدر بحوالي ألفين وسبع مئة ذراع من الشَّرق إلى الغرب، هو قصر الزهراء، الذي كان عبارة عن تحفة فنية، زينت جدرانه من الذهب والرخام الخالص.
وقد تم تزيين القصر في الداخل بالتحف النفيسة، والمميزة، فيما توسطه صهريج مليء بالزئبق، الذي كلما سطعت عليه الشمس انعكست منه أضواء ساحرة، وغاية في الجمال.
فيما كان حول قصر الزهراء حدائق مزينة بتماثيل جاءت من الشام خصيصاً إلى الأندلس، مصنوعة من العنبر واللؤلؤ، إضافة إلى هياكل حيوانات مصنوعة من الذهب.
وقد تميز قصر الزهراء كذلك بأبوابه الثمانية، المزخرفة بشكل رائع، ثم بهوه المزين بالأقواس عند المدخل الرئيسي له، وذلك لأنه كان مكاناً مخصصاً لاستقبال الشخصيات المهمة من ملوك ووزراء.
وبعيداً عن هذا القصر، فقد كان مسجد الزهراء هو الآخر واحداً من بين المباني المميزة في المدينة الأندلسية القديمة، خصوصاً أنه احتاج لأكثر من 40 عاماً من أجل بنائه.
ومن بين الأشياء التي ميزت هذا المسجد، الذي أشرف عبد الرحمن الناصر على بنائه، هو أعمدته الفخمة، وأرضيته المصنوعة من الرخام الأحمر.