يتوارث المسلمون في كل دول العالم عادات وطقوساً مختلفة للاحتفال بقدوم شهر رمضان، ومنها ما يكون لتشجيع ومكافأة الأطفال في رمضان عن أول صيام لهم، ويحظى الأطفال الذين يصومون لأول مرة في دول المغرب العربي بطقوس واحتفالات خاصة من أجل دفعهم للمواظبة على أداء فريضة الصيام.
صيام الأطفال في رمضان في دولة المغرب واحتفالات تشبه العرس
في دولة المغرب، الأطفال هم نجوم وأبطال شهر رمضان، حيث يعتبر صيام الأطفال لأول مرة مناسبة يُحتفى بها، في إحياءٍ لتقليد توارثته الأُسر المغربية جيلاً بعد جيل.
تشجع الأسر المغربية أطفالها على تجربة الصيام في سن مبكرة، فيبدأون في مرحلة أولى بما يسمى بـ"تخياط نهار الصيام"، مراعاة لسن الأطفال وقدرتهم على التحمل، فيسمح لهم بالصيام صباح اليوم ويفطرون في الظهر، وفي اليوم التالي يصومون من فترة الظهر إلى موعد أذان المغرب.
وبعد أن يبلغ الطفل سناً يستطيع معه الصيام يوماً كاملاً، تحتفي الأسر المغربية بالطفل الصائم وتقيم له احتفالاً بهذه المناسبة المميزة في حياته.
وعادة ما يُشجع الأهل في المغرب أبناءهم على صيام يوم 26 من رمضان كاملاً، والذي يوافق ليلة 27، أو ليلة القدر في العرف المغربي؛ التماساً لبركة هذه الليلة المقدسة، وربط الأطفال بشعيرة الصيام التي تحظى بتوقير عظيم من المغاربة.
وخلال أيام العشر الأواخر من شهر رمضان، تقوم العوائل بنصب الخيام في الشوارع والساحات لاستقبال الأطفال الصائمين لأول مرة والاحتفاء بهم، فيما يشبه طقوس عرس جماعي مفتوح، وفق التقاليد المغربية في تنظيم الأعراس.
ويُحتفى بالاطفال الصائمين في رمضان داخل البيوت بحضور أفراد العائلة، وخارجها في الشوارع، في احتفال جماعي مفتوح، بالنسبة للفتيات تشرف على تنظيمه "النكافات"، أي المزيّنات، في خيام أو داخل محالّهن، حيث يُلبسن الفتيات ملابس تقليدية وحُلياً، ما بين هيئة لباس رباطي أو فاسي أو أمازيغي أو شرقي أو صحراوي، فلكل منطقة من المغرب حليها الخاصة ولباسها المتفرد.
وتُخضِّب "النقَّاشة" أيدي الفتيات بنقوش الحناء، وبالنسبة للصبيان التجربة مشابهة مع اختلاف بسيط بالتفاصيل، فيرتدون الملابس المغربية التقليدية التي تتكون عادة من رداء يشبه القميص، وسروال وعباءة تشبه الجلباب، يطلق عليها "الجلابة" أو "الجابادور" و"البلغة"، ويزينون رؤوسهم بـ"الطربوش الفاسي"، ويتم إحضارهم لمكان الاحتفال على ظهور الخيل أحياناً، ثم تُلتقط الصور للذكرى التي تؤرخ لهذا الحدث المهم.
وتبدأ الاحتفالات بداية مع أذان المغرب، حيث تقدم العوائل للأطفال الصائمين، الأطباق التقليدية المغربية، وتقدم إليهم إفطارهم الذي يكون أوله الحليب والتمر، ومن ثم تقديم الهدايا من أفراد العائلة الذين يحرصون على الاجتماع من أجل الاحتفال بهذه المناسبة.
خاتم من الفضة هدية صيام الأطفال في الجزائر
لا تقل مناسبة صيام الأطفال لأول مرة في رمضان في الجزائر أهمية عن المغرب، لكنها تختلف بالطقوس والعادات للاحتفال بهذه المناسبة داخل الأسر الجزائرية. لترسيخ عادة الصوم والصبر لدى الأطفال والفرحة في شهر رمضان.
وتبدأ العائلات الجزائرية تدريب الأطفال على الصيام بشكل تدريجي، ومن سن مبكرة، لتعويدهم على هذا الركن من الدين الإسلامي، مع زرع مشاعر الفخر بإكمال الصيام وانتظارهم موعد الإفطار، وبداية انتقالهم من مرحلة الطفولة وتحضيرهم لمرحلة البلوغ.
وتختلف أيضاً بعض المناطق الجزائرية عن بعضها بطرق الاحتفال بأول يوم من صيام الأطفال في رمضان.
يتم تهنئة الطفل من قبل أفراد الأسرة مع أذان المغرب بعد إكماله الصيام ليوم كامل. وتقدَّم له جرعة ماء مخلوطة بماء الزهر، ويقدم له الحليب في إناء من الفخار ويوضع في داخله خاتم من الفضة، مع تناول حبات من التمر، بالإضافة لبعض الهدايا الأخرى التي تقدم للأطفال تقديراً لإتمامه الصيام لأول مرة في ذلك اليوم.
وفي مدن شرق الجزائر مثل مدينة "ميلة" مثلاً، تختلف طقوس الاحتفال قليلاً، فيتم تحضير حلوى تقليدية جزائرية تسمى "الطمينة"، والتي تصنع من العسل والطحين والسكر، ويُوزع منها على الجيران، لمشاركتهم الاحتفال بهذه المناسبة، مع مشروب "الشّاربات" الجزائري التقليدي المصنوع من ماء الورد المقطر وعصير الليمون والسكر.
أما منطقة وسط الجزائر، فتحتفي العائلات بأول يوم صيام لأطفالها، بوضع أشهى الأطباق من المأكولات المحضرة خصيصاً للطفل بحسب رغبته، في مكان مرتفع من المنزل، كرمز من رموز رفع وعلوّ شأنه مستقبلاً.
وبالنسبة للأطباق التي تحضرها العائلات احتفالاً بأبنائها الصغار، فترتكز على الحساء والحلويات التقليدية مثل "المحنشة" (حلوى على شكل دائري) و"قلب اللوز" (حلوى جزائرية). كما يرتدي الأطفال في يوم صيامهم الأول ملابس تقليدية من النوع الرفيع، وغالباً ما تكون ملابس مرتبطة بالزي الاحتفالي لتلك المنطقة، سواء للبنات أم للذكور، يعلوها برنوس "السِّتر" (معطف طويل)، بينما يتم تخضيب أيديهم بالحنّاء، للتعبير عن الفرح والسعادة بهذا الإنجاز في بيت العائلة.
"تصييم الصغار" في تونس ومكافآت مالية للأطفال
الاحتفال بصيام الأطفال في رمضان في تونس يبدأ مبكراً وقبل بداية شهر رمضان، حيث يحافظ أهالي جزيرة جربة التونسية على عادة متوارثة في شهر رمضان، وهي قيام العوائل التي يصوم أطفالهم لأول مرة بإقامة مأدبة عشاء يحضرها الأقارب قبل رمضان بيومين، ويطلق على هذه العادة "تصييم الصغار".
والهدف منها تشجيع الأطفال للشعور بأهمية الصيام والالتزام به في السنوات القادمة، ويقدم الحضور من أقارب العائلة والضيوف التهاني والتبريكات للطفل، مع تقديم مبالغ مالية مكافأة للطفل وتشجيعه على الصيام.
ومع بداية شهر رمضان يستضيف الأقارب الطفل الصائم في منزلهم، ويعدون مائدة الإفطار احتفالاً به، مع الحرص على تكريم أشقائهم الأصغر عمراً لتحضيرهم للصوم عندما يبلغون السن المناسب. وبينما يهدى للصبي الصائم في تونس مبالغ نقدية، تحصل الفتيات على ملابس جديدة وأزياء تونسية تقليدية.