بدءاً من العصر الحجري.. كيف تغيرت طرق “صناعة الأصدقاء”، وما دورهم في الحفاظ على الصحة النفسية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/22 الساعة 09:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/22 الساعة 09:21 بتوقيت غرينتش
دور الأصدقاء في تحسين الصحة النفسية| shutterstock

دائماً ما يحاول الإنسان الفكاك من شعور الوحدة، وصناعة الأصدقاء بشكل دائم حتى وإن كان الأمر غير سهل، خصوصاً في عصرنا الحالي، الذي تراجعت فيه فرص الصداقة التقليدية على أرض الواقع، وتحولت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي تلعب دوراً رئيسياً في القضاء على الصداقة بشكلها القديم.

ومن أجل التخلص من طريقة إنشاء الصداقات عبر نطاق "الأونلاين"، تم إنشاء مجموعة من الفعاليات سواء كانت فردية أو جماعية، لتحقيق ذلك.

وحسب تقرير أوردته مجلة فوربس، صارت الروابط المشتركة للمجتمع المدني تتلاشى لدرجة أن التواصل الوحيد المتاح هو الاحتجاج، والعواطف التي تصعد إلى القمة هي الإحباط والغضب، ولكن هل حقاً تنجح تلك المحاولات؟!

من بينها "قشور بيض النعام".. طرق قديمة لـ"صناعة الأصدقاء"

في الغالب تنطوي الصداقة على تبادل شيء ما، إذ كانت البداية قبل ستة آلاف عام، كان الصيادين وجامعو الثمار عبر شمال شرق أوروبا يتبادلون حلقات من الإردواز، وهو نوع من الصخر الصفائحي المرقق، كرمز للصداقة والتواصل الأبدي، ويبدو أنها كانت ذات قيمة كبيرة لدرجة أن تلك الحلقات بقيت في أيدي أصحابها حتى وفاتهم.

لكن هذا ليس كل شيء، فقبل خمسة آلاف عام أيضاً، كان الأصدقاء يتبادلون قشور بيض النعام، كعلامة على الصداقة الوطيدة، حسب دراسة رصدت كيف كان الصيادون والقطافون في العصر الحجري، بمنطقة جنوب الصحراء الكبرى في قارة إفريقيا، يستخدمون حبات قشر بيض النعام، كعلامة واضحة على الصداقة، والتأكيد على أواصرها، بل والإعلان عنها للآخرين، كان هذا يتضمن تبادل الحلي المصنوعة من قشر بيض النعام.

صناعة الأصدقاء| hutterstock
صناعة الأصدقاء| hutterstock

ومن هنا يمكن الإشارة إلى أن محاولات صنع الأصدقاء مرت بمراحل عديدة عبر الزمن، بدءاً من العصر الحجري، مروراً بمحاولات صنع الأصدقاء عبر تبادل الطوابع البريدية، و"بريد الأصدقاء" على صفحات الصحف والمجلات وتبادل الخطابات عن بعد، وصولاً إلى عصر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث يمكن للمرء على  موقع "فيسبوك" وحده أن يمتلك 5 آلاف صديق على قائمته.

أهمية الصداقة والعلاقة المتبادلة بين الأصدقاء 

يفرق أرسطو بين ثلاثة أنواع من الصداقة، هي: صداقة المنفعة، وصداقة اللذة، وصداقة الفضيلة، لكن تلك التقسيمات لم تبد ذات قيمة في ذلك التعريف الذي أوردته دائرة معارف ستانفورد، التي أشارت إلى أن الصداقة عبارة عن "علاقة شخصية مميزة، ترتكز على اهتمام كل صديق برفاهية الآخر، وهذا ينطوي على درجة معينة من الحميمية".

وذلك لأن الأصدقاء يساعدون في تشكيل هويتنا، وفي نفس الوقت الصداقة تبرز في غالبية الأحيان أسئلة حول إمكانية التوفيق بين متطلباتها، والمتطلبات الأخلاقية، مما يظهر تعارضاً، في بعض الأحيان، بين الأمرين.

وفي كتاب لها بعنوان "صداقة" تتبعت الأستاذة الجامعية الأسترالية باربرا كين تاريخ الصداقة في أوروبا، والطرق التي تغيرت بها بمرور الوقت، بداية من الفترة الهلنستية وحتى اليوم، بما في ذلك لغة الصداقة، وأخلاقياتها، وكيف لعبت دوراً في الفلسفة الغربية.

وهذا  ليس هو الكتاب الوحيد الذي حاول البحث عن جذور الصداقة، سواء كانت بين البشر، أو البشر والحيوانات، أو الدول وبعضها البعض!

ويجب الإشارة إلى أن الصداقة عبارة عن "احتياج" عصبي، قبل أن تكون احتياجاً نفسياً، فبحسب دراسة بعنوان "علم أعصاب الصداقة"، تبين وجود روابط عصبية مهمة ترتبط بتكوين الصداقات، يؤدي تعطيلها إلى مشاكل صحية.

صناعة الأصدقاء| hutterstock
صناعة الأصدقاء| hutterstock

كما أن الصعوبات في تكوين صداقات أو الحفاظ عليها، يمكن أن يصاحب اضطرابات عصبية ونفسية مثل التوحد والاكتئاب، ربما لهذا حتى الحيوانات لديها أصدقاء، ذلك لأن الصداقة ليست اختراعاً بشرياً، ولكنها سمة تطورية، حيث تشير الدراسات الصادرة عن أكاديمية نيويورك للعلوم إلى وجود مجموعة مشتركة من الدوائر العصبية ترتبط بتكوين الصداقات لدى كل من البشر والحيوانات. 

مبادرة "اصنع أصدقاء" من مواقع التواصل إلى الواقع بشروط غريبة 

"اصنع أصدقاء" كان هذا هو عنوان عدد من الفعاليات  التي شهدتها محافظة الإسكندرية بمصر،  والتي انطلقت من موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك على شكل "مناسبة"، إذ تبين بالبحث أنها تتبع حركة فريدة من نوعها لصناعة الأصدقاء حول العالم بعنوان يحمل نفس الاسم، تقام في دول عدة مثل أيرلندا والولايات المتحدة، وعشرات الدول الأخرى، وصولاً إلى مصر التي شهدت تنظيم عدة فعاليات للتعارف وتكوين الصداقات.

 لكن الانضمام إلى هذه الفعاليات المنطلقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وُضعت له شروط، بدت للبعض على أنها غريبة، ساقها المنظمون عبر الصفحة الخاصة بالفعالية مثل:

  • أن يحتفظ المنظمون بالحق في رفض أي شخص دون مبرر. 
  • إذا أقيمت الفعاليات في مكان خاص مثل بار أو مطعم فستتم مطالبتك بطلب مشروب واحد على الأقل احتراماً لنا ولمجتمعنا.
  • من يقرر الحضور مسؤول عن شؤونه الشخصية، وفي حالة الضياع أو السرقة لن يتمكن من الانقلاب على مجتمع "اصنع أصدقاء". 
  • إذا صدر عن الشخص أي سلوك غير محترم فسوف يتم حظره من جميع الفعاليات اللاحقة.
  • الحضور يعني الموافقة على أن يتم تصوير الشخص، وستتم مشاركة الصور ومقاطع الفيديو عبر  الشبكات الاجتماعية، وعلى من يرغب أن يُعلم المنظمين بهذا.

هذه الشروط أثارت حفيظة الشابة سمر أشرف، التي لفتت نظرها الفعالية وتحمست لها قبل أن تتراجع قائلة: "الشروط التي وضعوها بدت غريبة جداً بالنسبة لي، والتأكيد على نقطة الأمان والسرقة أصابتني بالخوف، كيف يمكن صناعة الأصدقاء تحت التهديد المسبق؟ وما العائد الذي يمكن أن أجنيه من لقاء أذهب إليه بنية صناعة أصدقاء، خارج مواقع التواصل فأجدهم يعودون بي إلى ذات المواقع في هيئة صور أو مقاطع فيديو أظهر فيها!".

من مبادرة
من مبادرة "اصنع أصدقاء"| مواقع التواصل

بعيداً عن هذا النوع من الفعاليات، فثمة العشرات من مجموعات "صناعة الأصدقاء" تحمل أسماء مختلفة، عربية وأجنبية، الهدف منها بالكامل ألا يبقى المرء وحيداً، خاصة في الأعمار الكبيرة، لعل أبرزها مجموعة بعنوان "أصدقاء فوق الستين"، تضم أكثر من ربع مليون شخص، يتبادلون حكايات ما بعد الستين وروتين اليوم والنصائح وكذلك الخبرات.

الصديق الصدوق.. طبيب نفسي مجاني!

حسب الموقع الطبي "مايو كلينك"، فإن علاقة الصداقة تؤثر على الصحة بشكل بارز، وتساهم –إن كانت صحية- في زيادة الشعور بالانتماء، ووجود هدف في الحياة، وتحسين الثقة في النفس، وتقدير الذات، والمساعدة على التعايش مع الصدمات، وتقليل خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم.

يقول الدكتور جمال فرويز، طبيب استشاري في الصحة النفسية وأمراض المخ والأعصاب وعلاج الإدمان، لـ"عربي بوست" إن الصديق هو عبارة عن طبيب نفسي مجاني، ويضيف: "عند مرحلة معينة، يحتاج المرء لصديق، حتى وإن كانت جميع علاقاته الأخرى مثالية، سواء في البيت أو العمل، وذلك لأن الصديق الصدوق هو مخرج ومنفس عما يدور داخل المرء من أمور لا يمكن أن يعرفها أي أحد سواه".

بحسب فرويز، فإن أصدقاء الطفولة هم عادة الأكثر بقاء وصدقاً، ويقول: "عبر عملي في مجال الطب النفسي، تابعت كيف قام الكثيرون بإفشاء أسرارهم لأصدقاء افتراضيين، تحولوا لاحقاً لأعداء، أو مبتزين، بينما الصديق الصدوق يجب أن يكون شخصاً نثق فيه، ويفضل لو كان من معارف الطفولة، عندما لا تكون الصداقة مبنية على غرض أو مصلحة، وهو أمر نادر الوجود".

دور الأصدقاء في تحسين الصحة النفسية| shutterstock
دور الأصدقاء في تحسين الصحة النفسية| shutterstock

ينصح استشاري الطب النفسي بتقدير قيمة الصداقة والإبقاء على الأصدقاء: "لهذا دور في زيادة التركيز والسعادة، لن يستطيع المرء في كل مرة أن يذهب لطبيب نفسي حين يرغب في البوح عن شيء ما يضايقه، الطبيب يسمع ولا يمنح نصيحة، تلك هي القاعدة في الطب النفسي، أما الصديق، فهو يعرف صديقه وتاريخه وجوانب شخصيته جيداً، ومن ثم يمنحه النصيحة الأنسب والأكثر صدقاً".

علامات:
تحميل المزيد