ما زالت آثار الدمار الكبير الذي سبَّبه الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا، وشمال سوريا، تظهر يوماً بعد يوم، بالرغم من مرور أكثر من أسبوع عليه.
فبعد أن تم رصد انهيار العديد من المباني الأثرية، في كل من سوريا وتركيا خلال الأيام الأولى للزلزال، الذي ضرب يوم 6 فبراير/شباط 2023، ها هو اليوم مسجد حبيب النجار، المتواجد في مدينة أنطاكيا، يُضاف إلى القائمة.
انهارت جدران المسجد، ومئذنته، واختفت الكثير من معالمه التي اشتهر بها، وهو الذي بُني في القرن السابع، وكان أول مسجد يتم بناؤه في تركيا.
قصة تشييد مسجد حبيب النجار
شُيد مسجد حبيب النجار في القرن السابع، وبالضبط سنة 638، على يد الصحابي أبي عبيدة بن الجراح، قبل سنة واحدة من وفاته، فوق معبد وثني قديم من العصر الروماني، بعد دخول المسلمين بلاد الشام، وبالضبط مدينة أنطاكيا، التابعة للأراضي التركية حالياً. وكان أول المساجد التي بُنيت في الأناضول.
وقد تم بناء المسجد على الطراز المعماري الخاص بالقرون الوسطى، وهذا ما تبرزه النقوش والزخارف المنقوشة على جدرانه الداخلية.
فيما توجد بداخله، على عمق 4 أمتار تحت الأرض، مقام حبيب النجار، أو مؤمن آل ياسين، الذي سُمي المسجد على اسمه، وقبل كل من سيدنا يونس، وسيدنا يحيى.
إذ كان حبيب النجار، حسب ما جاء في سورة يس في القرآن الكريم، أول آمن بالله وترك عبادة الأصنام، من أهل بلدته (أنطاكيا اليوم)، بعد أن أرسل الله إليهم اثنين من رسله، من أجل دعوتهم إلى دخول الإسلام.
وقد ضحى بحياته من أجل محاولة إقناع أهل بلدته الدخول إلى الإسلام، وتصديق كلام الرسل، لكنه لم يتمكن من إيقاف رفضهم وغضبهم، فقتلوه رمياً بالحجارة.
تعديلات على مسجد حبيب النجار
عرف مسجد حبيب النجار في مدينة أنطاكيا، التابعة لولاية هاتاي، العديد من التغييرات على مر السنين، مقارنة بشكل بنائه الأول في القرن السابع، لكنه في نفس الوقت حافظ على بساطته، وجماله.
إذ يتم الدخول إليه من باب تاجي كبير، ثم باب دائري عليه مجموعة من النقوش الكتابية في المنتصف، لتجد باحة الصلاة الكبرى، التي صممت بشكل مستطيل.
وقد قام العثمانيون، خلال القرن الـ17، بإضفاء العديد من التغييرات على المسجد، من بينها غلقه بقبة، مصنوعة من الرخام والجرانيت.
وإضافة مئذنة، طولها 16 متراً، على عكس البناء الأصلي، الذي كان حينها من غير مئذنة، فيما تم توسيع باحة المسجد، وإضافة نافورة إليه، خلال القرن 19، مع بناء مدرسة إسلامية بجانبه.
كما أن المسجد عرف العديد من التغيرات البسيطة الأخرى، التي تمت خلال تعاقب العديد من الحضارات على تركيا، أبرزها عندما احتل الصليبيون المدينة سنة 1099، وقام السلطان بيبرس بإعادة بنائه خلال فترة حكمه في المدينة.
وحسب العديد من المصادر التاريخية، فإن مسجد حبيب النجار يحوي مقابر المسيحيين الأوائل الذين عاشوا في أنطاكيا، وهو نوع من الانغماس والاتحاد بين الديانات.
أما آخر التعديلات التي طرأت على المسجد، قبل الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي، كان سنة 2006، من طرف المديرية العامة للأوقاف التركية.
زلزال جنوب تركيا يدمر أول مسجد في تركيا
تضرر مسجد حبيب النجار أكثر من مرة بفعل الزلازل التي ضربت ولاية هاتاي، والجنوب التركي لأكثر من مرة، الشيء الذي جعله عرضة للترميم المستمر.
إلا أن الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر، يوم 6 فبراير/شباط 2023، تسبب في دمار كبير في المسجد، ومحو العديد من معالمه البارزة.
إذ تهدمت المئذنة والقبة الخاصة بالمسجد، حسب ما رصدته الأقمار الصناعية، إضافة إلى تهدم أحد جدرانه بالكامل، وتضرر البقية الآخرين بشكل واضح.
إذ تحول المسجد، الذي كان من بين أشهر الأماكن السياحية في مدينة أنطاكيا، إلى كومة من الأنقاض، والحجار المتراكمة داخل قاعة الصلاة، كما هو الحال بجميع المباني التي هدمت بسبب نفس الزلزال.