صرّح خبراء الزلازل والجيولوجيون المختصون بأن الزلزال الذي دمر مناطق واسعة من جنوب تركيا وشمال سوريا بعد الأسبوع الأول من فبراير/شباط عام 2023، يُعتقد أنه بدأ فعلياً منذ آلاف السنين وليس قبل أيام معدودة.
فقد هز زلزال تركيا وسوريا الذي بلغت قوته 7.8 درجة، المنطقة في الساعة الـ4.17 صباحاً بالتوقيت المحلي في اليوم الـ6 من الشهر، وكان مركزه في مدينة غازي عنتاب التركية، لكن شعر به من يعيشون في جميع أنحاء المنطقة، وضمن ذلك البلدان المجاورة مثل سوريا ولبنان وفلسطين.
ومع ارتفاع ضحايا الزلزال حتى الآن إلى أكثر من 10 آلاف شخص، يرى خبراء أن الكارثة الطبيعية التي ضربت البلاد فجأة كانت لها علامات وتطورات امتدت على مرّ التاريخ في تلك المنطقة بالتحديد.
صدع شرق الأناضول المنطقة المهددة بالزلازل والهزّات
تعتبر تركيا من أكثر دول العالم نشاطاً في الهزات الأرضية ومخاطر الزلازل، لذا فإن الزلزال الذي وقع وخلّف آلاف القتلى والجرحى لم يكن مفاجأة على وجه العموم. إذ تقع الدولة بين صفيحتين تكتونيتين رئيسيتين تضغطان على تركيا بشكل قوي.
ونتج هذا الزلزال تحديداً عن خط صدع شرق الأناضول، وهو الموقع الذي تسبب في عدد من الزلازل الشديدة عبر التاريخ.
مثلاً، وقع آخر زلزال بهذه المنطقة في 24 يناير/كانون الثاني عام 2020، بمنطقة إيلازيغ التركية، بقوة 6.7 درجة على مقياس ريختر. وتسبب آنذاك في مقتل 41 شخصاً وإصابة أكثر من 1600 شخص.
يمتد صدع شرق الأناضول 434 ميلاً عبر جنوب شرقي تركيا. وهو يمتد من تقاطع على خط صدع شمال الأناضول، والذي يبلغ طوله 932 ميلاً، وينتشر بجميع أنحاء شمال البلاد في بحر إيجة.
يتسبب صدع شمال الأناضول في حدوث معظم الزلازل في البلاد، وغالباً ما تتم مقارنته بصدع سان أندرياس سيئ السمعة في كاليفورنيا.
يعتقد العلماء أن الزلازل الثلاثة السابقة على وجه الخصوص، التي حدثت بمنطقة شرق الأناضول في الأعوام 1513، و1872، و1893، ربما تكون قد راكمت الضغوط على خط الصدع، مما أدى في النهاية إلى هذا الزلزال الكارثي الأخير في عام 2023.
دراسات علمية بحثت مخاطر هذا الصدع
سلطت دراسة تم نشرها عام 2013، ونشرتها مجلة المطبوعات الخاصة بالجمعية الجيولوجية البريطانية، الضوء على أجزاء من الكارثة الطبيعية التي يعتقدون أنها سبب التمزق والصدع في الماضي، خاصة مع الزلازل التي وقعت في 1513 و1872 و1893.
ولفتت مجلة Newsweek الأمريكية إلى أن هذه التمزقات تحدث عندما تحرك الزلازل القوية الصدع في عمق الأرض وتزيد من حدّته، مما يؤدي إلى اختراق السطح بالتبعية. ومع ذلك، لا تتسبب كل الزلازل في حدوث تصدعات.
وبالتالي ونظراً إلى تلك الدراسة، فإنها تُظهر أن هذا الزلزال الأخير الأكثر قوة في تاريخ المنطقة، بدرجة 7.8 على مقياس ريختر، شمل جميع أجزاء الصدع الذي تمزق بالفعل مسبقاً في 1513 و1872 و1893.
وبحسب تصريحات كارولين إم إيكن، الأستاذة بكلية أبحاث علوم الأرض بالجامعة الوطنية الأسترالية، للمجلة الأمريكية، فإن "هناك شيئاً واحداً يمكن مراعاته فيما يتعلق بهذه الكارثة الأخيرة، وهو تاريخ الزلازل الكبيرة التي حدثت سابقاً على طول صدع شرق الأناضول".
إذ من الناحية الأساسية، كانت أجزاء الصدع التي تمزقت آخر مرة منذ وقت طويل، لديها وقت لتكوين الإجهاد والضغط في باطن الأرض.
ومع ذلك، فإن الفترات الفاصلة بين الزلازل الكبيرة الحجم ليست منتظمة، فقد تكون 100 عام لدورة زلزال واحدة، ثم 1000 عام في المرة التالية.
لكن بشكل عام، كانت المرة الأخيرة التي تعرض فيها هذا الجزء من صدع شرق الأناضول لزلزال، قبل 130 عاماً.
في سياق متصل، ذكرت دراسة أخرى نُشرت عام 2020 بمجلة أبحاث علم الزلازل، أن الزلزال السابق الذي وقع في عام 2020، "مزق جزءاً فقط من المنطقة المغلقة للصدع"، لهذا السبب، اشتبه العلماء في احتمال حدوث زيادة في النشاط الزلزالي بمنطقة صدع شرق الأناضول في الفترة التالية، لكنهم لم يتمكنوا من تحديد المدة الزمنية لكي يحدث زلزال جديد، إذ يظل من المستحيل التنبؤ بوقت ومكان حدوث مثل تلك الكوارث.
هل يمكن التنبؤ بمزيد من الهزّات مستقبلاً نتيجة لزلزال تركيا؟
نتيجة لكل تلك المعلومات، فإن العلماء اليوم يستطيعون الجزم بأن صدع شرق الأناضول يُعد خطاً نشطاً للزلازل والهزات الأرضية الخطيرة، لأنه تمزق مرات سابقة في القرن التاسع عشر، ومؤخراً بقوة 6.7 درجة عام 2020.
ومع ذلك، يظل اللافت في الأمر أن الهزة الأرضية الرئيسية التي حدثت للتو كانت أكبر من تلك الزلازل التاريخية التي تم توثيقها جميعاً. ويمكن تفسير ذلك جزئياً من خلال حقيقة أنه تمزق على مدى فترة أطول بكثير من الزلازل السابقة، ومن ثم قام بإطلاق مزيد من الطاقة عندما انفجر الصدع على مسافات أكبر من الأرض.
صحيحٌ أنه يظل من الصعب التنبؤ بالزلازل حتى الآن، لكن يمكن التنبؤ بالتبعات والارتدادات المترتبة عليها لاحقاً بدراسة الصدع وتغيراته.
إذ من المحتمل أن يكون هناك مزيد من الزلازل خلال الفترة المقبلة، على شكل توابع، تنتشر في جميع أنحاء البلاد على طول مساحة الصدع الممتد لمسافة 155 ميلاً.
فبحسب Newsweek، تحدث الهزات الارتدادية بالقرب من مكان وقوع الزلزال الأصلي، وهي ناتجة عن تعديل الأرض لنفسها بعد التعرض لكل هذه التغيرات، ويمكن أن تستمر أسابيع، وأحياناً أشهر إذا لزم الأمر.