بعدما هجرها سكانها الأصليون، وانتقلت منها الأجيال الشابة بحثاً عن فرص أفضل، باتت بلدة رياشتي العريقة بإيطاليا ملاذاً آمناً لمئات اللاجئين المهاجرين من مختلف دول العالم، حتى أصبحت أقرب لكونها مدينة عالمية في قلب إيطاليا.
البلدة العالمية الصغيرة الواقعة في قلب إيطاليا
بلدة رياتشي الصغيرة، الواقعة في منطقة كالابريا بجنوب إيطاليا، هي مدينة ريفية مهجورة أصبحت في العقد الأخير نموذجاً لدمج المهاجرين واللاجئين في نسيج مجتمعها.
بدأ كل شيء في حكايتها في العام 1998، عندما وصل مئات اللاجئين من كردستان إلى ميناء رياتشي عبر البحر، فقررت جمعية سيتا فوتورا، المخصصة للكاهن الصقلي دون جوزيبي بوجليسي، مساعدتهم.
فبدأ اندماجهم عندما حصلوا على منازل هجرها أصحابها. وبذلك تحولت رياتشي من مدينة مهجورة إلى قصة عالمية لتوضيح مدى النجاح الذي من الممكن تحقيقه عندما يتحالف مسؤولو المنطقة مع أناس ضاقت بهم السبل ففروا من أوطانهم.
وقد تصدرت البلدة عناوين الصحف عندما تم وضع رئيس البلدية تحت الإقامة الجبرية بتهمة "المساعدة في الهجرة غير الشرعية"، بعدما اعتبروا مساعيه في دمج اللاجئين "حافزاً لجلب المزيد من اللاجئين" لإيطاليا، بحسب مجلة Info Migration لحقوق ومبادرات اللاجئين.
العمدة لوكانو نموذجاً لمشاريع دمج اللاجئين
أدرجت المجلة الأمريكية Fortune في عام 2016 عمدة المدينة دومينيكو لوكانو في الفترة من 2004 وحتى 2018، في المرتبة 40 في تصنيف 50 من القادة الأكثر تأثيراً في العالم.
فعلى يديه لم تعد مدينة رياتشي معروفة فقط بكونها البلدة البرونزية التي يبلغ عمرها 2500 عام، وتضم تمثالين لمحاربين يونانيين يُعدان أحد أعظم الكنوز الأثرية في إيطاليا؛ بل باتت تُعرف أيضاً باسم المكان الذي نجح فيه الاندماج الاجتماعي في أبهى صوره.
وبصفته رئيس بلدية رياتشي، أمضى لوكانو عقداً من الزمن في محاولة القيام بشيء حقيقي لمساعدة طالبي اللجوء الذين يخاطرون بحياتهم على متن قوارب متهالكة وصولاً لأوروبا.
استهداف متعمد للوكانو بسبب موقفه من اللاجئين
وبحسب موقع BBC البريطاني، بدأ لوكانو العمل منذ عام 1998 عندما هبط 300 لاجئ كردي فروا من الاشتباكات التركية الكردية على شاطئ بالقرب من رياتشي.
وبدلاً من مشاهدتهم وهم يُساقون لأحد مراكز احتجاز اللاجئين سيئة السمعة في إيطاليا، قدم لهم العمدة لوكانو منازل في القرية كان قد تم التخلي عنها مع تضاؤل عدد السكان المحليين.
ومع ذلك، واجه العمدة الإيطالي الذي "أنقذ قريته بالترحيب باللاجئين" الطرد من قريته بحلول عام 2018 من قِبل الحكومة الإيطالية اليمينية المتطرفة المناهضة للاجئين.
حيث ظل رهن الإقامة الجبرية حتى عام 2021 عندما تم الحكم عليه بالسجن 13 عاماً ونصف العام في قضية مثيرة للجدل بتهم من بينها "المساعدة والتحريض على الهجرة غير الشرعية واستغلال المنصب".
وهو ما اعتبره النشطاء استهدافاً متطرفاً لرمز اجتماعي بسبب التضامن مع اللاجئين، بحسب موقع Medium الثقافي.
اللاجئون بمثابة قبلة الحياة لمدينة تحتضر
قبل موجات اللاجئين المتجهة للبلدة الإيطالية الصغيرة، شهد المجتمع الريفي الساحلي لرياتشي، في المنطقة الجنوبية من كالابريا، انخفاضاً في عدد سكانه من 2500 إلى 400 منذ التسعينيات.
وذلك مع انتقال الناس إلى الأجزاء الشمالية من البلاد والتوجه للعاصمة روما بحثاً عن فرص عمل أفضل ومستوى معيشي أعلى.
لكن عندما بدأ اللاجئون في التدفق، أطلق عمدة رياتشي مشروع "الترحيب باللاجئين"، ما مثّل قبلة الحياة التي أنقذت البلدة من الموت.
يقول لوكانو بحسب مجلة Euronews تعليقاً على هذا، إن استقبال اللاجئين سمح للقرية بالحفاظ على الخدمات العامة الأساسية مثل المدارس، وكذلك المحلات التجارية والشركات التي اختفت فعلياً: "لقد أدى وصول هؤلاء الأشخاص إلى تغذية الديناميكيات التي خلقت الأمل أولاً للأشخاص الذين وصلوا، ولكن أيضاً للأشخاص الموجودين هنا بالفعل".
منذ ذلك الحين، تضاعف عدد سكان ريات بأكثر من ثلاثة أضعاف وصولاً إلى 2800 نسمة وفقاً لمسح أجري عام 2015، من بينهم نحو 500 مهاجر من أكثر من 20 جنسية يعتبرون المدينة الإيطالية موطنهم.
حيث يأتي معظم المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وباكستان، وأفغانستان، وبنغلاديش، وكردستان، وسوريا.
وعادة ما يرعى المهاجرون الأغنام في التلال المنحدرة المحيطة بالمدينة، ويقودون الجرارات على الطريق المتعرج المؤدي إليها للعمل في الزراعة، ويعملون جنباً إلى جنب مع السكان الإيطاليين في عدد قليل من متاجر الحرف اليدوية في وسط المدينة.
إنقاذ المدينة من النسيان
مع تتابع وصول المزيد من المهاجرين للمدينة، تم إنقاذ المدرسة المحلية من الإغلاق حيث التحق أطفالهم بها، وعاد مستوى الحضور بما يسمح لكي تستكمل المدرسة نشاطها. لتضم الحضانة والمدرسة أكثر من 10 جنسيات في نهاية المطاف.
وبحسب تقرير بصحيفة Guardian البريطانية، عملت إدارة العمدة على دمج اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وتمويل الأنشطة الصغيرة، وإنشاء المتاجر والمخابز وتوسيع مجالات الحرف والأعمال اليدوية.
فعمل المواطنون ومندوبو الحكومة لشؤون اللاجئين جنباً إلى جنب مع المهاجرين، بينما ساعدتهم عُملة مالية تم سكها خصيصاً في البلدة لعلاج أزمة التمويل، في نفقاتهم وكلفة المعيشة والمعاملات اليومية ببلدة رياتشي.
ونقلاً عن موقع Alarabiya الإخباري، اعتبر العمدة لوكانو أن الحكومة يجب أن تعمل على تعزيز توطين اللاجئين في مجتمعات إيطاليا الصغيرة والمتقلصة، معتبراً أن هذه السياسة "منطقية أكثر من الناحية الاقتصادية من إيواء هؤلاء الأشخاص في مخيمات اللاجئين".