الكثير منا يحب طعم الفانيليا، سواء في المثلجات، أو في بعض أنواع الحلويات، إذ يمكن اعتبارها من بين أكثر النكهات الكلاسيكية في عالم الحلويات.
إلا أننا لا نعلم حقيقة ما يدور حول عالم زراعة هذا النبات، وكيف من الممكن أن يصبح الحصول عليه أمراً صعباً، وخطراً في نفس الوقت.
فقد تحوّل الأمر في مدغشقر إلى حروب دامية، وصراعات مستمرة، بين المزارعين واللصوص الذين يستهدفون محاصيل الفانيليا من أجل بيعها للشركات الأوروبية، وذلك بسبب قلة إنتاجها وارتفاع سعرها خلال السنوات الأخيرة.
عصابات الفانيليا وسرقة محاصيل المزارعين تحوّلت لجرائم قتل
كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، الكثير من التفاصيل حول ما أسمته "حرب الفانيليا"، وذلك بسبب ما يدور من نزاعات بين المزارعين، ولصوص الفانيليا في مدغشقر، البلد الذي يُعرف بإنتاجه أكبر كميات من الفانيليا في العالم، والمصدر الأول لها.
فقد تحول الأمر في عاصمة مدغشقر، أنتاناناريفو، من عمليات سطو على محاصيل الفانيليا من طرف بعض العصابات، إلى نزاعات وصلت إلى عمليات قتل، يشهدها سكان القرى التي تتم فيها عمليات سرقة قرون الفانيليا، ولا تتدخل فيها الشرطة، أو يتم تسليط الضوء عليها، والحديث عنها.
ففي سنة 2018، كان لصوص الفانيليا واثقين جداً من قدرتهم على تخويف المزارعين لدرجة أنهم قدّموا تحذيراً مسبقاً لهم، وكتبوا "نحن قادمون الليلة، جهزوا ما نريد".
لكن الأمر لم يسر كما كانوا متوقعين، وانقلبت ثقة اللصوص في قدرتهم على سرقة محاصيل الفانيليا إلى مجزرة، راح ضحيتها 5 أشخاص منهم.
فقد قام أصحاب المحاصيل من سكان القرية الذين توصلوا بالتهديدات، بالقبض على 5 أشخاص من العصابة التي استهدفت محاصيلهم، واقتيادهم إلى ساحة كبيرة، حيث قاموا بطعنهم بالمناجل، أمام عدد كبير من السكان، دون تدخل أي أحد منهم، أو إيقاف هذه المجزرة عن طريق الاتصال بالشرطة.
وحسب نفس المصدر، فقد قال أحد سكان القرية، الذين شهدوا عملية قتل اللصوص الخمس: "أعتقد أن ما حصل جيد، لم تتدخل الشرطة، والآن سيخاف رجال العصابات السرقة منا، لدينا الحرس الخاص بنا الآن، شباب القرية يقومون بدوريات المراقبة في فترات الليل".
تأثير بيع خشب الورد في مدغشقر على سوق بيع قرون الفانيليا
وتم تسليط الضوء حول حرب الفانيليا أولاً من طرف العديد من المدافعين عن البيئة، الذين أشاروا إلى قلة إنتاج قرون الفانيليا، مما تسبب في ارتفاع أسعارها، إذ أصبحت أغلى من الفضة، وثاني أغلى نبات في العالم بعد الزعفران.
فقد تم ربط ارتفاع أسعار هذا النوع من النبات، الذي يعتبر مكوناً أساسياً للعديد من شركات المنتجات الغذائي حول العالم، خلال السنوات الثمانية الأخيرة، بجرائم القرى وتدمير الغابات، خصوصاً تلك المنتجة للفانيليا في مدغشقر.
وحسب ما نشرته "الغارديان"، فقد وصف المدافع عن الغابات، وأحد مؤسسي مجموعة مراقبة البيئة "Coalition Lampogno" كلوفيس رازافيمالالا، أن ما يحصل من حرب حول محاصيل الفانيليا، هو نتاج للأسواق العالمية سيئة التنظيم، وسوء السياسيين، الذين يعتمدون على تجارة خشب الورد غير المشروعة مع الصين.
فبعد أن تم ضبط شاحنة غير شرعية في سنغافورة، محملة بما يزيد على 30 ألف قطعة من خشب الورد، سنة 2014، متوجهة من مدغشقر إلى الصين، وتم إعطاء تصريح خروجها من مسؤولين كبار في البلاد، توقفت نسبياً حركة بيع هذا الخشب بهذه الطريقة غير الشرعية، مما نتج عنه توجه العصابات التي كانت تعمل في هذا المجال إلى حقول الفانيليا، وسرقتها من المزارعين، من أجل بيعها للشركات العالمية.
وبهذا تسببت عمليات السرقة المتكررة، في ارتفاع سعر الفانيليا، أولاً لأن المزارعين أصبحوا غير قادرين على توفير الكميات المطلوبة منهم، وثانياً لأن هذه العصابات أصبحت تعمل بنظام الاحتكار، وبيع قرون الفانيليا المسروقة بأضعاف سعرها.
كما أن المزارعين في مدغشقر، ومن أجل حماية محاصيلهم من السرقة، أصبحوا يقومون بجني الفانيليا قبل نضجها بشكل كامل، مما يعني جني كميات قليلة ذات جودة أقل، مقارنة بالسابق.
احتكار الفانيليا وارتفاع سعرها
وحسب ما صرح به خبير الصناعة ومدير مؤسسة منظمة "فانامبي – Fanamby" غير الربحية لحماية الإنتاج المستدام للفانيليا سيرج راجاوبيلينا، فإن ما يعادل 5 إلى 10% من الزيادة التي حصلت في سوق بيع الفانيليا، كانت تجارة خشب الورد سببا فيها، مشيراً إلى أنه بعد سقوط هذا النوع من التجارة غير القانونية، توجهت العصابات للفانيليا، إذ قاموا بتخزينها، مما تسبب في عجز السوق عن توفيرها، وارتفاع أسعارها.
وطلب راجاوبيلينا في تصريحه من المستوردين معرفة مصدر المنتجات التي يتوصلون بها، لأن شراءها من العصبات والمحتكرين، عبارة عن عقاب للمزارعين الذين أصبحوا يعانون من قلة المحاصيل، وعدم توفر قرون الفانيليا بالكميات المطلوبة، بسبب عمليات السرقة التي يعانون منها.
إذ يمكن اعتبار هذه الطريق عبارة عن حل من أجل عودة سعر الفانيليا لطبيعته، حينما يصبح المزارع قادراً على جني هذا النبات بعد نضجه، دون التعرض للسرقة، والحصول على كميات تكفيه لتلبية حاجيات المستوردين من الشركات العالمية، كما كان الحال في السابق.