تقول الحكمة القرآنية "وأما بنعمة ربك فحدث".. في زمن ارتفعت فيه نسب الاكتئاب والإحباط والمشاعر والأفكار السلبية، ربما يجدر بنا أن نفكر في خلق نوع من التوازن في حياتنا، وبدلاً من التركيز على الأشياء التي لا نملكها ولم نحصل عليها ربما يجدر بنا أن نفكر قليلاً في للنعم التي رزقنا بها وأن نكون ممتنين وشاكرين لوجودها في حياتنا. ليس فقط لأن ذلك سيجعلنا نشعر بقيمة ما نملك، لكن لأن تلك المشاعر ترتبط أيضاً بإحساسنا بالسعادة وتعزز العديد من الجوانب في صحتنا الجسدية، وفقاً للعلماء.
الرضا والامتنان.. ماذا يفعلان بأجسادنا؟
أظهرت كثير من الأدلة العلمية أن الامتنان له آثار بعيدة المدى على صحتنا. عندما نشعر بالرضا والامتنان فإن ذلك ينعكس كذلك على صحتنا الجسدية.
بينت الدراسات أن الأشخاص الذين يمتلكون مستويات أعلى من الرضا والامتنان، أكثر ميلاً إلى ممارسة الرياضة وتناول الغذاء الصحي والعناية بصحتهم بشكل عام، ويعتقد العلماء أن مشاعر الرضا تحفزنا في الواقع نحو عيش حياة أفضل وأكثر صحة.
ووفقاً لما ورد في موقع Very Well Mind، يشير الباحثون أيضاً إلى دور الشعور بالامتنان والرضا في تقليل التوتر والآلام الجسدية وتحسين صحة الجهاز المناعي.
كذلك تم ربط ما بين مشاعر الامتنان الإيجابية وتحسين ضغط الدم والتأثيرات الإيجابية على القلب.
ماذا عن الصحة النفسية؟
إذا كان لمشاعر الامتنان والرضا تأثير إيجابي على الصحة البدنية فلا بد أن تؤثر إيجاباً أيضاً على صحتنا النفسية.
فللامتنان تأثير إيجابي قوي على الصحة النفسية أيضاً. فهو يزيد من احترام الذات ويعزز المشاعر الإيجابية ويجعلنا أكثر تفاؤلاً.
فضلاً عن ذلك يؤدي الشعور بالامتنان إلى تنشيط الناقلات العصبية مثل الدوبامين، الذي يرتبط بمشاعر السعادة والمتعة، والسيروتونين الذي ينظم مزاجنا. كما أنه يتسبب في إفراز الدماغ للأوكسيتوسين، وهو هرمون يثير مشاعر مثل الثقة والكرم، الأمر الذي يعزز الترابط الاجتماعي والشعور بالتواصل.
دراسات حول الامتنان
قام اثنان من علماء النفس، وهما الدكتور روبرت أ. إيمونز من جامعة كاليفورنيا في ديفيس، والدكتور مايكل إي ماكولو من جامعة ميامي، بكثير من الأبحاث حول الامتنان. في إحدى الدراسات، طلبا من جميع المشاركين كتابة بضع جمل عن مواضيع معينة كل يوم.
كتب المشاركون في إحدى المجموعات عن أشياء كانوا ممتنين لها خلال الأسبوع. بينما كتب المشاركون في المجموعة الثانية عن الأشياء التي كانت تزعجهم، والمشاركون في المجموعة الثالثة كتبوا عن الأحداث التي أثرت عليهم (مع عدم تأكيد كونها إيجابية أو سلبية). بعد 10 أسابيع، كان أولئك الذين كتبوا عن الامتنان أكثر تفاؤلاً وشعروا بتحسن في حياتهم. والمثير للدهشة أنهم مارسوا أيضاً تمارين رياضية أكثر من أولئك الذين ركزوا على مصادر الإزعاج.
نظرت دراسات أخرى في كيف أن الامتنان يمكن أن يحسن العلاقات. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت على الأزواج أن الأفراد الذين أخذوا وقتاً للتعبير عن الامتنان لشريكهم لم يشعروا فقط بمزيد من الإيجابية تجاه الشخص الآخر، بل شعروا أيضاً براحة أكبر في التعبير عن مخاوفهم بشأن علاقتهم.
قد يجد المديرون الذين يتذكرون قول "شكراً" للأشخاص الذين يعملون معهم، أن هؤلاء الموظفين يشعرون بالحماسة للعمل بجدية أكبر. فقد قام الباحثون بمدرسة وارتون في جامعة بنسلفانيا بتقسيم جامعي التبرعات في الجامعة بشكل عشوائي إلى مجموعتين. أجرت إحدى المجموعات مكالمات هاتفية لطلب التبرعات بالطريقة نفسها التي اعتادوا عليها دائماً. المجموعة الثانية تلقت خطاباً حماسياً من مديرة قسم التبرعات عبرت من خلاله عن مدى امتنانها لوجودهم معها. وعلى مدار الأسبوع التالي، قام موظفو الجامعة الذين تلقوا رسالة الامتنان بإجراء مكالمات لجمع الأموال بنسبة 50% أكثر من الموظفين في المجموعة الأولى.
علاقة الرضا والامتنان بالشعور بالسعادة
وفقاً لدراسة نشرتها Harvard Health، يرتبط الشعور الدائم بالامتنان بالشعور بالسعادة كذلك، وقد توصل العلماء لهذه النتيجة بناءً على أبحاث عديدة في مجال علم النفس.
تشير الدراسة إلى أن الامتنان يساعد الناس على "الشعور بمزيد من المشاعر الإيجابية، والاستمتاع بالتجارب الجيدة، كذلك تساهم هذه المشاعر في تحسين الصحة والقدرة الأفضل على التعامل مع المصاعب، فضلاً عن قدرة أكبر على التواصل الفعال وبناء علاقات قوية مع الناس".
لذا، من المهم أن تكون للامتنان والرضا مساحة في حياتنا، فهذه المشاعر تزيد من إحساسنا بالسعادة وتؤثر إيجاباً على صحتنا الجسدية.
ما هي تمارين الامتنان؟
مع ذلك قد يبدو الشعور بالامتنان والرضا صعباً بالنسبة لكثيرين، لكن العلماء يؤكدون أن هذه المشاعر تماماً مثل العضلات تتطور بالتدريب وتحتاج إلى الممارسة حتى تترك آثاراً مفيدة.
يشجع علماء النفس على تخصيص دقائق يومياً لـ"ممارسة" الامتنان واعتباره تمريناً يومياً، من الممكن ممارسته حتى وأنت في العمل.
خلال أيام العمل المزدحمة وحتى في عطلات نهاية الأسبوع، هناك طرق قابلة للتنفيذ لممارسة الامتنان وإضافته إلى جدولك اليومي.
من الممكن أن تخصص دقيقة فقط أو أكثر في اليوم للتفكير في الأمور الإيجابية التي تشعر بأنك ممتن وشاكر لوجودها في حياتك، ليس بالضرورة أن تكون هذه الأشياء إنجازات كبيرة، من الممكن أن تشعر بالامتنان لأشياء بسيطة تبدو غير مهمة، فقط لأنها متاحة لنا واعتدنا وجودها، فكِّر مثلاً في كوب الشاي الدافئ الذي تستمتع به، أو المنزل الذي تعيش فيه وأن هناك سقفاً يحميك، كن شاكراً إذا لوّح لك أحدهم بالسلام أو ابتسم في وجهك، كن ممتناً لوجود عائلتك وأحِبّتك مِن حولك وعبِّر لهم عن هذا الامتنان.
مع الوقت سيصبح الامتنان عادة لديك، قد تفكر أيضاً في تدوين هذه الأفكار بشكل يومي، إذ يعتقد العلماء أنها ممارسة مفيدة في خلق توازن مع عشرات الأفكار السلبية التي تمر برؤوسنا يومياً.