كانت فرحة شانارا موبلي لا توصف بعد ولادتها، عندما احتضنت رضيعتها الصغيرة "كاميا موبلي" لأول مرة، لكنها لم تكن تتصور أنها ستكون المرة الأخيرة التي ستراها فيها، وأنها ستُحرم منها 18 عاماً، أو أنها ستظل تعاني حتى بعد ما كان يفترض أن يكون النهاية السعيدة لهذه القصة المأساوية.
يوم الولادة وبداية قصة اختطاف "كاميا موبلي"
عام 1998 في ولاية فلوريدا الأمريكية، كانت "شانارا موبلي" وزوجها "كريغ" في المستشفى، استعداداً لولادة "شانارا" واستقبال طفلتهما البكر، خاصةً أن "شانارا" عاشت حياة صعبة، واعتبرت طفلتها فرصة جديدة لإصلاح أمورها.
خرجت شانارا من غرفة الولادة إلى غرفتها في المستشفى، ومعها رضيعتها "كاميا موبلي".
وبعد ساعات على ولادتها، كانت "شانارا" على وشك مغادرة المستشفى، وهي تشعر بسعادة لاتوصف، لكن تلك السعادة على وشك أن تتحول إلى شعور بالفزع وصدمة تستمر لسنوات طويلة.
دخلت امرأة تدعى "غلوريا" ترتدي زي الممرضات، إلى غرفة شانارا، وباركت لها ولادة طفلتها الصغيرة، وبقيت تتبادل معها الحديث قليلاً، ثم حملت الطفلة على ذراعيها وأخبرت الممرضة، شانارا بأنها ستقوم بإجراء بعض الفحوصات السريعة للطفلة لإكمال إجراءات خروجها من المستشفى، وأن الأمر لن يستغرق سوى دقائق.
مرت الدقائق ولم تعد الممرضة ولا الطفلة إلى الغرفة، وتحولت الدقائق إلى ساعة، حينها شعرت شانارا بأن هناك خطباً ما، وحين نادت على الممرضات وسألتهم عن طفلتها الرضيعة، نزل جوابهن عليها كالصاعقة.
أنكرت الممرضات أي معرفة بالممرضة التي وصفتها شانارا، وأنه لم يكن هناك أي فحوصات، فسارع طاقم المستشفى بالاتصال بالشرطة، وقلبوا المستشفى رأساً على عقب، بحثاً عن الطفلة والممرضة المزعومة، لكن الاثنتين اختفتا دون أي أثر، وأدرك الجميع أنهم أمام قصة اختطاف، وأن تلك المرأة انتحلت صفة ممرضة لتنفيذ خطتها.
فقدت جنينها فقررت اختطاف كاميا موبلي
لم تكن "غلوريا ويليامز" المرأة التي اختطفت "كاميا موبلي" تكذب حول كونها ممرضة، لكن الحقيقة كانت أكثر تعقيداً، فهي لم تكن ممرضة في ذلك المستشفى وإنما ممرضة في إحدى دور رعاية المسنين، وكانت عائلتها تسكن في ولاية ثانية.
وكانت تعاني من علاقة عاطفية مؤذية وفقدت حضانة ولديها، كأن أملها في تعويض فقدان ولديها، هو جنينها الذي كانت تنتظره، لكن شاءت الأقدار أن تتعرض للإجهاض وتفقد جنينها، وكانت تلك نقطةَ الانهيار النفسي والعاطفي بالنسبة لغلوريا ويليامز.
فقررت بناء سعادتها حتى على القصة المأساوية التي سببتها لعائلة كاميا موبلي، لم تخبر غلوريا عائلتها بالإجهاض الذي عانت منه، وقادت سيارتها لمدة 4 ساعات حتى وصلت إلى المستشفى الذي كانت به "شانارا موبلي".
ولكونها كانت ترتدي زي الممرضات الخاص بها، لم يشك أحد في كونها لا تعمل في هذا المستشفى.
دخلت غلوريا إلى حجرة رعاية الأطفال حديثي الولادة، ونظرت إلى الأطفال الرضع الموجودين فيها، ثم توجهت لردهة الولادة ودخلت غرفة شانارا، ووجدتها مع ابنتها الرضيعة.
قدمت غلوريا نفسها على أنَّها ممرضة بالمستشفى، وتجاذبت أطراف الحديث مع شانارا، حتى إنَّها أحضرت لها ثوب مستشفى جديداً. وعندما أخبرت غلوريا، شانارا بضرورة أخذ الطفلة خارج الغرفة لإجراء الفحوصات.
وضعت غلوريا الطفلة "كاميا موبلي" في حقيبة، وخرجت من باب المستشفى، ثم توجهت إلى سيارتها لتعود بها إلى منزلها في ولاية كارولينا الجنوبية.
وعندما وصلت غلوريا إلى المنزل، أخبرت عائلتها بأنَّ المخاض فاجأها أثناء العمل وأنجبت ابنة، وأنها سمتها "أليكسيس".
في تلك الأثناء، كانت شانارا تصرخ وتبكي بطريقة هستيرية من أجل طفلتها المفقودة. ولمدة عامين ونصف العام، حاولت الشرطة العثور على أي خيط يوصلهم إلى معرفة مصير "كاميا موبلي" والسيدة الغامضة التي اختطفتها، لكن دون جدوى.
18 عاماً وشانارا تنتظر عودة ابنتها
طوال السنوات اللاحقة لم تتوقف شانارا وزوجها عن البحث، ولم يفقدا الأمل بعودة طفلتهما المفقودة، بل أن شانارا كانت تحضر كعكة ميلاد في يوم ميلاد ابنتها كل عام؛ على أمل أنها ستحتفل معها يوماً ما.
ولم تكن تعلم أن تلك القصة المأساوية قاربت على النهاية، ولكن ليس النهاية التي تتوقعها.
على بعد مئات الكيلومترات، كانت غلوريا قد استعادت حياتها الطبيعية وتزوجت من جديد، واستعادت حضانة ولديها، لكنها أخفت قصة اختطاف "كاميا موبلي" عن الجميع، ولم تتخل عنها وقامت بتربيتها كأنها ابنتها الحقيقية.
عاشت كاميا حياة شبه طبيعية مع عائلتها الجديدة، وكان منزلها الجديد مليئاً بالحب، بفضل غلوريا، التي بشهادة كاميا نفسها، كانت مبتسمة دائماً ومتفائلة دائماً ونشيطة جداً، ولكنها كانت تشعر دائماً بأن أمها المزعومة تخفي شيئاً ما.
ولم تكن تلك الكذبة تستمر إلى الأبد، فعندما بلغت كاميا 16 عاماً، اكتشفت أنَّه ليس لديها رقم ضمان اجتماعي، والذي ستحتاجه عند التقدّم إلى وظيفة أو الحصول على رخصة قيادة، وعندما سألت أمها عن السبب، انهارت غلوريا واعترفت لها بالحقيقة.
وسردت لها القصة المأساوية عن اختطافها من حضن أمها عندما كان عمرها ساعات فقط، وأنها مستعدة لمساعدتها للبحث عن عائلتها الحقيقية، وتسليم نفسها للشرطة لتنال جزاءها العادل.
على الرغم من الصدمة الكبيرة لم تستطع "كاميا موبلي" أن تتخيل السيدة التي عاملتها بكل حب، وراء القضبان، لذلك قررت البقاء معها، وإكمال حياتها كما هي.
نهاية قصة اختطاف "كاميا موبلي" وتوسطها لغلوريا لدى السلطات
بعد عامين من اكتشاف كاميا الحقيقة، تشاء الأقدار أن تتوصل السلطات إلى غلوريا وكاميا في عام 2017، وأجروا اختبارات الحمض النووي لكاميا، ليكتشفوا السر الذي حاولت غلوريا إخفاءه طوال تلك سنوات، وأنّ أليكسيس هي في الواقع "كاميا موبلي".
كانت فرحة شانارا لا توصف بخبر عثورها على ابنتها المفقودة، ونهاية هذه القصة المأساوية.
لكن عودة كاميا إلى عائلتها الحقيقية لم يكن حدثاً سعيداً بالنسبة لكاميا. فقد ظلَّت كاميا تنظر إلى غلوريا ويليامز على أنَّها والدتها.
وعلى الرغم من اللقاء السعيد بعائلتها الحقيقية، بقيت كاميا تشعر بالحزن على مصير غلوريا، وفي فبراير/شباط 2018، وفي قاعة المحكمة أقرت غلوريا ويليامز بأنَّها مذنبة بارتكاب جريمة خطف طفلة. بينما كانت كاميا البالغة من العمر آنذاك 19 عاماً، تستمع بهدوء لجلسات المحاكمة وهي تنظر إلى غلوريا.
وعلى الرغم من أن غلوريا قدمت اعتذارها لشانارا عن الألم الذي سببته وقالت إنها كانت تتصرف تحت تأثير صدمة فقدان جنينها، فإن جراح شانارا النفسية لم تكن تعافت بعد، بسبب القصة المأساوية التي عاشتها لـ18 عاماً، وطالبت بأشد العقوبات على غلوريا.
أدان القاضي في نهاية المطاف غلوريا وحكم عليها بالسجن لمدة 18 عاماً. وبالنسبة لكاميا فقد ظلت مخلصة لغلوريا ويليامز لدرجة أنَّها كتبت رسالة تلتمس الإفراج المبكر عنها.
وفقاً لما ذكرته قناة "WCSC" الأمريكية كان نص الرسالة: "أود توضيح أنَّها والدتي. لقد تولَّت تربيتي ولم توفر لي احتياجاتي فحسب، بل أحبتني دون قيد أو شرط. رغم كل شيء، أنا أحب والدتي غلوريا وأدعمها بكل إخلاص. أرجو من عدالة المحكمة الرأفة والرحمة، لأنَّني بحاجة إليها".
لكن القاضي رفض طلب الالتماس المُقدَّم من كاميا للإفراج المبكر عنها. ولا تزال غلوريا ويليامز في السجن حتى الآن.
أما العلاقة بين كاميا ووالدتها البيولوجية، فيبدو أنَّ قلبيهما قد تآلفا رويداً رويداً على مر السنين. كتبت كاميا منشوراً على صفحتها على فيسبوك مصحوباً بصورة لشانارا في عام 2021: "لقد صُدمنا كثيراً لأنَّنا متشابهون كثيراً. لكنها مثالية جداً بالنسبة لي".