من المعروف أن القضاء هو سلطة الفصل في النزاعات القانونية المعروضة أمامه؛ ويُعرف أنه السلطة التي تتولى تطبيق القانون بين الأفراد أو المؤسسات، وهو ثالث سلطات الدولة، بعد السلطتين التشريعية والتنفيذية.
يتولى القضاء مسؤولية المحاكمات وتحقيق العدالة، من خلال تطبيق القوانين التي تسنّها السلطة القضائية، والتي تختلف من بلدٍ إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر.
لم تكن كلّ القضايا القانونية المعروضة أمام القضاء، عبر التاريخ، مشروعة أو معقولة. بعضها اتخذ منحىً تراوح بين الطرافة والغرابة، ولأسبابٍ أكثر طرافة وغرابة في بعض الأحيان، أثارت الكثير من التساؤلات.
لم تكن هذه المحاكمات مجرّد محاكمات غريبة؛ يُمكن القول إنها انعكاسٌ للمجتمع الذي جرت فيه، وكانت الطريقة التي تنظر بها الإنسانية إلى العدالة. لنتعرّف إلى أغرب المحاكمات عبر التاريخ:
المجمّع الكنسي للجثة
لعلّها إحدى أشهر وأغرب المحاكمات عبر التاريخ. فقد مثّل القرن التاسع، إلى جانب العاشر، زمناً عصيباً بالنسبة إلى الكنيسة حول العالم: تقاتلت مختلف الفصائل الداخلية على المنصب الأعلى، وتغيّرت السلطة البابوية أكثر من 20 مرة في 90 عاماً.
في العام 897، كان البابا فورموسوس -أو بالأحرى جثته- أحد ضحايا الاضطرابات السياسية في الكنيسة، بعد اتهامه بالخيانة من قِبل البابا يوحنا الثامن.
برَّأه البابا مارينوس الأول؛ لكن خليفته، البابا ستيفن السادس، كان يعتقد أن فورموسوس هو بالفعل خائن، وقرّر أن يجعل منه عبرةً لكل الناس عن طريق إخراج جثته لتمثُل أمام القضاء وتتم محاكمتها.
وتماشياً مع التقاليد، كان الجثمان يرتدي رداءً بابوياً احتفالياً، ومن المفترض أن يدافع عن نفسه أمام المحكمة ضد تهمة الحنث باليمين. وبطبيعة الحال، لم يقتنع ستيفن السادس بالدفاع.
فأعلن أن فورموسوس مذنب وأمَرَ بإعادة دفنه. وفي وقتٍ لاحق، غيّر ستيفن السادس رأيه وأمَرَ الكنيسة بحفر الجثة مرّة أخرى، ورميها في نهر التيبر.
من أغرب المحاكمات.. دعوى ضدّ ديك في سويسرا
في العصور الوسطى، كان من الطبيعي أن تُحاكم الحيوانات في أوروبا وبعض البلدان، وتصدر بحقها عقوبات بالسجن أو الإعدام. لكن رغم ذلك، تبقى هذه المحاكمة واحدة من أغرب المحاكمات على مرّ التاريخ.
من بين هذه المحاكمات، ما وقع في مدينة بازل السويسرية عام 1747، عندما حوكِمَ ديك بعدما قيل إنه ارتكب -على حدّ تعبير الادّعاء- "جريمةً شنيعة وغير طبيعية، تتمثل في وضع بيضة". فاعتُبرت جريمته خرقاً للطبيعة.
قد تتساءل: "ما المشكلة في ذلك؟"، وأن وضع الديك لبيضة يُمكنه أن يكون معجزة بالنسبة للعلم؛ لكن السكان المحليين اعتبروا أن البيضة التي سيضعها الديك يمكن استخدامها في السحر، أو الأسوأ من ذلك: أن يخرج منها كائن "البازيليسق" (وهو سحلية مجنحة ذات رجلين برأس ديك) يمكنه، كما يُزعَم، قتل شخصٍ من خلال النظر إليه فقط.
تسبّبت هذه الأخبار في انتشار الخوف داخل المجتمع. ولتهدئة حالة الذعر، اعتُقل الديك من داخل مزرعة مالكه، وسرعان ما حكمت السلطات القضائية بإعدامه حرقاً. وقد نُفذ الحكم في مكانٍ عام مع الكثير من المراسم التحضيرية وبحضور آلاف الناس.
ليست هذه هي الحالة الوحيدة التي حوكم خلالها حيوان، في أوروبا بالعصور الوسطى. فقد أُخِذَت محاكمات الخنازير والجرذان والحمير، وحيوانات أخرى، على محمل الجد في بعض الأحيان.
ولطالما كانت المحاكم تتجادل فيما بينها حول طبيعة أهلية الحيوانات، وما إذا كانت مناسبة للمحاكمة أم لا. في بعض الأحيان، استخدمت السلطات المحلية الملاحقات القضائية للحيوانات لتهدئة الرأي العام؛ عندما حاكموا الفئران على سبيل المثال، لأنها أكلت المحاصيل المحلية، ونشرت الأمراض.
محاكمة جان دو كاروج وجاك لو جريس عام 1386
تتميز هذه المحاكمة بكونها واحدة من آخر المحاكمات القتالية في فرنسا، وهي إحدى أغرب المحاكمات عبر التاريخ.
والمحاكمة عن طريق القتال هي شكل من أشكال المحاكمة المعروفة باسم "المحاكمة بالتعذيب"، والتي تحدد ذنب المتهم أو براءته من خلال تعريضه لتجارب مؤلمة (وغالباً ما تكون مميتة).
تسمح هذه المحاكمات القتالية لكلّ جانبٍ من القضية بالقتال ضدّ الجانب الآخر، حتى الموت، مع اعتبار أن الله يدينها.
بدأت المحاكمة عندما اتَّهم السير جان دو كاروج صديقه السابق السير جاك لو جريس باغتصاب زوجته السيدة مارغريت. أحال الملك تشارلز السادس، ملك فرنسا في ذلك الوقت، القضية إلى البرلمان الفرنسي.
وبعد سماع الحجج والأدلة على مدى أشهر، قرر البرلمان أنه لا يستطيع البت في هذه القضية، فأعلن المحاكمة عن طريق القتال. وقرر أنه -في حالة خسارة السير جان دي كاروج- ستُعدَم زوجته بتهمة الشهادة بالزور، لأنها كانت أول من اتهم السير جاك بالاغتصاب.
كان القتال نفسه حدثاً ذا أهمية كبيرة، بعدما أصبحت المحاكمات بالقتال نادرة بحلول ذلك الوقت. وقيل إن الآلاف حضروا القتال، بمن فيهم الملك نفسه وأعضاء آخرون من العائلة المالكة.
انتهى القتال بوفاة جاك لو جريس، بعدما قطع جان رأسه، وأُعلنت براءة دي كاروج وزوجته مارجريت من شهادة الزور.
محاكم سالم للساحرات
ربما تكون قد سمعت عن محاكم سالم للساحرات، والتي كانت عبارة عن سلسلة محاكمات أُجرِيَت في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، في عامَي 1692 و1693 ضدّ أشخاصٍ -معظمهم من النساء- مشتبه بممارستهم السحر والعمل مع الشيطان.
انتشرت محاكمات الساحرات في جميع أنحاء أوروبا بين القرنين الثاني عشر والثامن عشر، لكن محاكمات سالم كانت أشهر هذه الحالات وأشدّها هلعاً ضد الساحرات في أمريكا الشمالية.
قاد المحاكمات قضاة محليّون ومحاكم لتقييم الأشخاص المتهمين بممارسة السحر. جُمِعَت الأدلة بناءً على شهادات المتهمين وأصحاب الادعاء، لكن العديد من المتهمين أُدينوا بعد أن اعترفوا برؤية أرواح شريرة.
شُنقت أول "ساحرة" مُدانة، وتُدعى بريدجيت بيشوب، في يونيو/حزيران من العام 1692. وهي التي تم اتهامها والحُكم عليها بشكلٍ أساسي، بسبب جرأتها في اختيار الملابس في ذلك الوقت، علاوة على ما أُشيع حول دخولها في علاقات غير شرعية مع رجال متزوجين.
اتُّهم مئات الأشخاص وحوكموا بتهمة السحر؛ 80% منهم من النساء. وفي الإجمالي، حُكِمَ على 14 امرأة و5 رجال بالإعدام، بينما سُحق رجل واحد ببطء حتى الموت، وتُوفي حوالي 5 آخرين في السجن.
وبحلول شهر سبتمبر/أيلول 1692، بدأت الهستيريا في الانحسار وانقلب الرأي العام ضدّ المحاكمات وانتقدوها بشكلٍ كبير، متهمين المشرفين على تلك المحاكمات باستهداف من يضمرون لهم أي خلافات شخصية.
وبعد سنوات قليلة فقط من انتهاء المحاكمات، بدأت المحاكم في الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها خلال هذه المحاكمات، وأُلغِيَت الإدانات بعد 9 سنوات.
محاكمة تمثال "ثيجينس ثاسوس"
كان ثيجينس ثاسوس رياضياً في اليونان القديمة، واشتُهر بمهارته -بشكلٍ استثنائي- في الملاكمة والركض.
اكتسب شهرة واسعة في جميع أنحاء اليونان بعدما عرض مهاراته في الألعاب الأولمبية، وغالباً ما تمكن من الفوز على خصومه وحصد العديد من الجوائز. وتكريماً لقوته الرياضية، نصب سكان ثاسوس تمثالاً له من البرونز بعد وفاته.
ويُقال إنه بعد وفاته، كان أحد خصومه السابقين يزور التمثال يومياً ويضربه. وفي إحدى المرات، دفع التمثال وضربه بشدة لدرجة أنه أطاح به. فسقط التمثال على الرجل، وسحقه حتى الموت.
رفع أبناء الرجل دعوى ضدّ التمثال. وقد وثق الخطيب اليوناني ديموستينيس إجراء محاكمة ضدّ الجماد في جرائم القتل والجرائم الأخرى. وبالفعل، حُوكِمَ تمثال ثيجينس وأُدين، كما أُلقِيَ به في المحيط عقاباً له.
ووفقاً لموقع World Atlas، فقد استُردَّ التمثال من المحيط في وقتٍ لاحق، بناءً على طلب الكاهنة اليونانية أوراكل دلفي.