عند تحليق طائرة فوق صحراء البيرو، فإن التمازج ما بين الصخور والرمال يعطي أشكالاً تثير الانتباه، إذ تتمازج الخطوط البيضاء المميزة تدريجياً من اللون الأسمر والأحمر الصدأ.
يتغير المشهد عندما تتشكل الخطوط لتشكل تصميمات هندسية بسيطة: شبه المنحرف، والخطوط المستقيمة، والمستطيلات، والمثلثات، والدوامات. تبدأ بعض الدوامات والمتعرجة في تكوين أشكال أكثر تميزاً: طائر طنان، عنكبوت، قرد.
رسومات يشوبها الغموض لـ80 سنة
خطوط نازكا هي مجموعة من الأشكال الجيوغليفية العملاقة المحفورة في الأرض، تقع في السهل الساحلي البيروفي على بُعد 400 كيلومتر جنوب ليما. تم إنشاؤها بواسطة ثقافة نازكا القديمة في أمريكا الجنوبية، وتصور النباتات والحيوانات والأشكال المختلفة قبل 2000 عام.
لا يمكن تقدير خطوط نازكا القديمة بالكامل إلا عند عرضها من الجو، نظراً لحجمها الهائل. على الرغم من دراستها لأكثر من 80 عاماً، فإن الأشكال الجيوغليفية التي تم تصنيفها كموقع تراث عالمي لليونسكو عام 1994 لا تزال لغزاً للباحثين.
حسب "ناشيونال جيوغرافيك" هناك أكثر من 800 خط مستقيم و300 شكل هندسي و70 تصميماً للحيوانات والنباتات، وتسمى أيضاً الأشكال الحيوية، تصل بعض الخطوط المستقيمة إلى 55 كلم، بينما يتراوح طول الأشكال الحيوية من 15 إلى 366 متراً.
تُعرف الخطوط باسم geoglyphs رسومات على الأرض مصنوعة عن طريق إزالة الصخور والأرض لإنشاء صورة "سلبية"، تتأكسد الصخور التي تغطي الصحراء، وتتحول إلى لون صدأ عميق.
وعندما تتم إزالة أعلى 12 و15 بوصة من الصخور، تنكشف رمال فاتحة اللون، نظراً لقلة الأمطار والرياح والتعرية، فقد ظلت التصاميم المكشوفة سليمة إلى حد كبير لمدة 500 إلى 2000 عام.
يعتقد العلماء أن غالبية الخطوط صُنعت من قبل شعب نازكا، الذين ازدهروا من نحو 1 إلى 700 بعد الميلاد.
تبدو مناطق معينة من بامبا، وكأنها لوحة طباشير مستخدمة جيداً، مع وجود خطوط متداخلة مع خطوط أخرى، وتصميمات مقطوعة بخطوط مستقيمة من كل من الأصل القديم والحديث.
الغرض من خطوط نازكا
في عام 1997 قام فريق دولي من علماء الآثار والجغرافيين وعلماء الآثار وغيرهم بتشكيل مشروع "Nasca-Palpa" من أجل توثيق وتحليل خطوط نازكا، وعدد من الشخصيات المماثلة بالقرب من مدينة بالبا بالبيرو.
حسب موقع "History" أشارت الأبحاث إلى أن الغرض من خطوط نازكا كان متعلقاً بالمياه، وهي سلعة ثمينة في الأراضي القاحلة في السهل الساحلي في بيرو. لم يتم استخدام الجيوغليف كنظام ري أو دليل للعثور على المياه، ولكن كجزء من طقوس للآلهة محاولة جلب الأمطار التي تشتد الحاجة إليها.
كما يشير بعض العلماء إلى صور الحيوانات، بعضها عبارة عن رموز المطر أو الماء أو الخصوبة، وتم العثور عليها في مواقع بيرو القديمة الأخرى، وعلى الفخار – كدليل على هذه النظرية.
سنة 2015 اتفق الباحثون بأن الغرض من خطوط نازكا تغير بمرور الوقت. في البداية، استخدم الحجاج المتجوين إلى مجمعات المعابد في بيرو النقوش الجيوغليفية كطرق وطقوس عبادة.
علم الفلك وخطوط نازكا
ظلت نظريات علم الفلك Kosok-Reiche صحيحة حتى السبعينيات، عندما وصل باحثون أمريكيون إلى بيرو لدراسة الصور الرمزية.
بدأت هؤلاء الباحثون البحث في إحداث ثغرات في وجهة نظر علم الفلك الأثري للخطوط ، ناهيك عن النظريات الراديكالية في الستينيات المتعلقة بالأجانب ورواد الفضاء.
حسب "CNN" قدم يوهان راينهارد، وهو مستكشف بناشيونال جيوغرافيك، نهجاً متعدد التخصصات لتحليل خطوط نازكا، إذ أراد معرفة كيف تمكن شعب نازكا العيش في تلك المنطقة التي لا تتجاوز مدة هطول الأمطار بها 20 دقيقة سنوياً.
حسب الأبحاث من المرجح أن معظمها لا تشير إلى أي شيء، إذ أظهرت الاكتشافات أن الخطوط المستقيمة وشبه المنحرف مرتبطة بالمياه، ولكنها لا تُستخدم للعثور على الماء، بل تُستخدم فيما يتعلق بالطقوس وسقوط الأمطار.
يقول "أفيني"، أحد الباحثين في خطوط النازكا أن شبه المنحرفات عبارة عن مساحات واسعة؛ حيث يمكن للناس الدخول والخروج منها بأريحية. ومن المحتمل أن تكون الطقوس مرتبطة بالحاجة القديمة لاسترضاء أو سداد ديون للآلهة، وربما للدفاع عن الماء هي السبب في إنشاء هذه الخطوط.
وتعتبر رمزية الحيوانات شائعة في جميع أنحاء جبال الأنديز، وتوجد في الأشكال الحيوية المرسومة على سهل نازكا: يُعتقد أن العناكب علامة على المطر، وترتبط الطيور الطنانة بالخصوبة، وتوجد القردة في منطقة الأمازون، وهي منطقة بها وفرة من المياه.
لا يوجد تقييم واحد يثبت نظرية حول الخطوط، لكن الجمع بين علم الآثار والتاريخ العرقي يثبت عودتها إلى حضارة نازكا قبل نحو 2000 سنة.