قامت مجموعةٌ من العلماء بتعليم خلايا الدماغ كيفية ممارسة لعبة الفيديو بونغ، وبدأت الخلايا المأخوذة من أدمغة البشر والفئران في التعلُّم بالتزامن مع ممارستها للعبة أكثر. إذ أصبحت تلعب لفتراتٍ أطول وتكسب عدداً أكبر من الجولات.
قال الباحثون من ملبورن إن نجاح 800 ألف خلية في إتقان إحدى نسخ لعبة الفيديو، التي يرجع أصلها إلى السبعينيات، خير دليل على قدرتها على إظهار وعيٍ أوّلي، وذلك حسبما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية في تقريرها الأربعاء 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022، ونُشرت الدراسة في دورية Neuron العلمية.
تعليم خلايا المخ طريقة ممارسة لعبة فيديو
يتألف الفريق من أفراد شركة Cortical Labs وباحثي جامعات موناش، وملبورن، وكلية لندن الجامعية. واستخدم الفريق الخلايا البشرية المأخوذة من الخلايا الجذعية، وخلايا الفئران المأخوذة من خلايا الأجنة.
حيث وضع العلماء بعدها تلك الخلايا داخل "طبق الدماغ"، وهو عبارة عن مسرى منظم يمكنه الشعور بنشاط الخلايا ومحاكاتها، ثم نقل المردودات الرجعية إلى الخلايا حتى تعرف ما إذا كان المضرب قد لامس الكرة في اللعبة.
نجحت التجربة. إذ بدأت الخلايا في "تعلُّم" طريقة ممارسة لعبة المحاكاة في غضون خمس دقائق، وذلك باستخدام "لغة" النشاط الكهربائي المشتركة وتراجعت احتمالات هزيمة الخلايا بمرور الوقت، وأصبح في مقدورها لعب جولات أطول. كما نجحت الخلايا البشرية في لعب جولات أطول من خلايا الفئران.
اختبار المحفزات
في سياق متصل لعبت مجموعات الخلايا 486 "جولة"، مع اختبار الباحثين ردود فعلها تجاه وجود مختلف المحفزات أو انعدامها. إذ حصلت الخلايا على مردود رجعي في بعض الجولات، عن طريق تغذيتها بالمعلومات أو إلغاء المعلومات. بينما لم تشهد بعض الجولات أي مردود رجعي على الإطلاق، ولهذا عجزت الخلايا عن معرفة تأثير سلوكها على البيئة.
لكن الخلايا التي استقبلت المردود الرجعي تعلمت منه الكثير، وسينظر الباحثون الآن في أداء الخلايا عندما تصبح في حالة سُكر أو تحت تأثير الأدوية. ويأملون أن يستخدموا طبق الدماغ لمعرفة المزيد عن أمراض مثل الصرع والخرف.
في حين يعمل المؤلف الرئيسي للدراسة، الدكتور بريت كاغان، رئيساً علمياً في شركة Cortical Labs الناشئة للتقانة الحيوية. وقال كاغان إن فريقه أظهر "شيئاً يُشبه الذكاء" عندما تلاعب بالخلايا العصبية وكشف كيف تغير سلوكها بناءً على المردود الرجعي.
أردف كاغان: "يجب أن ننظر إلى الخلايا العصبية من هذا المنظور الجديد. إذ لا تُشبه جهاز حاسوب بالضرورة. بل هي أداة بيولوجية صغيرة يمكنها معالجة المعلومات والاستجابة بذكاء وسرعةٍ عالية، مع استهلاكٍ منخفض للطاقة ومرونةٍ أكبر".
نموذج للدماغ البشري
يُعتبر طبق الدماغ بمثابة نموذجٍ مصغر للدماغ البشري، مما يسمح لهم بتجربة مختلف المدخلات عليه.
حيث قال الدكتور عادل راضي، مدير معمل علم الأعصاب للحاسوبات والأنظمة في جامعة موناش، إن القدرة على تعليم مزارع الخلايا طريقة "تنفيذ مهمة باستخدام الوعي الأوّلي… ستفتح الباب أمام الاكتشافات الجديدة المحتملة التي ستكون لها تداعيات أوسع نطاقاً على صعيد التقنية، والصحة، والمجتمع. ونُدرك أن أدمغتنا تتمتع بأفضليةٍ تطورية تكمن في تحسينها على مدار مئات الملايين من السنين من أجل البقاء. ويبدو أننا نمسك في أيدينا اليوم بالقدرة على حصد هذا الذكاء البيولوجي القوي والرخيص للغاية".
بينما قال الأستاذ كارل فريستون، المؤلف المشارك في الدراسة من كلية لندن الجامعية، إن هذه الدراسة الرائدة سمحت للخلايا العصابية بأن تجرب الأحاسيس.
فيما كتب مؤلفو الدراسة في مقال دورية Neuron، أن الذكاء الأحيائي التركيبي أصبح في متناول أيدينا اليوم، "بعد أن كان مقصوراً على حدود عالم الخيال العلمي في السابق".