لطالما سمعنا عن قصص الهروب من السجن في مختلف أنحاء العالم، لكن هناك سجين اشتُهرت قصته خلال السنوات الأخيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، والسبب محاولاته العديدة في الهروب، والتي تكللت غالبيتها بالنجاح.
كان مارك ديفريست، المولود في 18 أغسطس/آب 1960 بضواحي ولاية فلوريدا الأمريكية خلال طفولته يتعلم من والده كيف يدافع عن نفسه إذا ما قام السوفييت بالهجوم على الولايات المتحدة؛ حيث ترك له بعض المعدات التي يمكن أن يستخدمها في تلك الحالة.
سوء فهم والعقوبة السجن
بعد وفاة والده سنة 1980 أخذ مارك المعدات التي تركها له والده قبل صدور أوراق الميراث، لتقوم زوجة والده بإبلاغ الشرطة التي قصدت منزله فوراً.
بسبب ما عاشه مارك في صغره، توقع أن الشرطة هم السوفييت الذي علمه والده من قبل كيف يهرب أو يدافع عن نفسه منهم، ليتخذ خطوة ستغير مسار حياته في تلك اللحظة.
هرب مارك من شباك منزله حاملاً في يده بندقية صيد لتمسك به الشرطة بعدها، ويُحكم عليه بالسجن 4 سنوات بتهمة السرقة والتهديد بالسلاح، خلال السجن كان دائماً يفكر في طريقة للهروب متحججاً بأنه لم يقترف ذنباً يجعله يبقى في السجن.
في أحد الأيام، وأثناء ذهابهم إلى فصل دراسي داخل السجن، انتبه مارك إلى العدد القليل من الحراس في الباحة؛ ليقرر تسلق الأسلاك الشائكة والهروب، تمت المهمة بنجاح حتى وصوله إلى نهر في المدينة؛ حيث وجد الشرطة تنتظره فوق الجسر.
في تلك اللحظة غطس مارك في مياه النهر لتجنب أي خطر من رصاص الشرطة، إلى حين وصوله إلى منزل مهجور في قرية مجاورة، حيث وجد بجانبه سيارة، فقام بتشغيلها كما علمه والده من قبل، لكن سذاجته في هذه اللحظة ستكون السبب في إلقاء القبض عليه بسرعة.
في طريق هروبه، وجد مارك نزلاً صغيراً، فقرر المبيت فيه لتتمكن الشرطة من تحديد مكانه بكل سهولة، لم يعيدوا مارك في تلك اللحظة إلى السجن، بل وضعوه في مصحة للأمراض العقلية التابعة لسجن المنطقة.
داخل المصحة العقلية لم ييأس مارك من محاولاته للهروب، فخلال الأيام الأولى انتبه إلى أن كل الأطباء يقومون بشرب القهوة في توقيت معين، ليقدم على وضع نوع من المخدر العقلي يسمى "LSD" في قهوة الأطباء.
لم يهرب مارك من السجن في هذه المحاولة، بسبب الحالات غير المألوفة بالنسبة له التي أصابت الأطباء، فمنهم من كان يتحدث مع آلة الغسيل، ومنهم من أُصيب بنوبة ضحك، كما أن حراس الأمن دخلوا إلى المصحة لمعرفة أسباب الفوضى التي يقوم بها الأطباء.
كانت هناك ورشة للنجارة داخل السجن، قام من خلالها مارك بصناعة مسدسين خشبيين بتقنية معينة، وأقدم بعدها على خلع ضرسه من أجل اصطحابه إلى الطبيب، ليقدم بعدها على تهديد الشرطة بالسلاح الذي أضحكهم في البداية، ليقوم مارك بالتصويب على مزهرية في المصحة فيتسبب في كسرها.
قامت الشرطة بإلقاء القبض عليه مرة أخرى، وإعادته إلى المصحة قبل تقديمه للقضاء، تابع حالته 5 أطباء أكد 4 منهم أنه إنسان تبطل محاكمته بسبب عدم توازنه العقلي، فيما أكد الأخير أنه إنسان سليم عقلياً، وكان هذا الطبيب ذا خبرة واسعة في علم النفس، لتأخذ المحكمة برأيه، ويُحكم على مارك بـ10 سنوات بسبب تهمة الهروب من السجن والتهديد بالسلاح وسرقة السيارة.
هروب من أخطر السجون
بعد عقوبة السجن التي وصلت إلى 14 سنة نقل مارك إلى سجن فلوريدا، الذي يعتبر أحد أخطر السجون بالولايات المتحدة وأكثرها استيعاباً لأخطر المجرمين.
وضع مارك في البداية في زنزانة عادية مخصصة للمسجونين التي تعد تهمهم غير إجرامية، لينتبه مارك إلى شكل مفتاح زنزانته، ويصنع شبيهاً له من قنينة المشروبات الغازية المعدنية، انتظر إلى الليل وفتح الزنزانة وقام بمحاولة للهرب، التي تكللت ولحسن حظه بالنجاح.
كما سابقتها لم تدم الحرية طويلاً حتى ألقي القبض عليه وهو يسوق شاحنة سرقها بنفس طريقة السيارة بعدما أبلغ صاحبها عن فقدانها، لتعيده الشرطة مرة أخرى إلى السجن.
وصل عدد محاولات مارك في الهروب إلى 10 محاولات خرب فيها الغرفة التي كان يسجن فيها، لتقدم الشرطة على وضعه بغرفة خاصة بالأشخاص الذين قاموا بتخريب السجن من قبل، الغرفة من الداخل مغطاة بطبقة سميكة من الإسفنج لعدم قدرة السجين على وجود أداة للتخريب أو الهرب.
لم يكن الإسفنج عائقاً أمام مارك، فقد وجد في الغرفة نافذة صغيرة جداً قام بتكسير زجاجها، في تلك المحاولة وجد مارك عصا صغيرة استخدمها لفتح الباب وتكللت محاولته بالنجاح.
في كل محاولة كان يقوم بها مارك في الهروب كان الحراس يقومون بضربه ويعيدونه إلى الغرفة، إلى حين وصل بهم الأمر لوضعه عارياً في غرفة خاصة، ومنعه من الخروج أو رؤية أشعة الشمس كما منع من الأكل لأيام.
حكم على مارك بتهم التخريب والهروب بمدة تجاوزت 70 سنة دون حق في السراح المشروط إلى عام 2085.
الإعلام والحرية
بعد سنوات قضاها مارك خلف أسوار السجن، وصلت قصته للإعلام لتتخذ القضية مجرىً آخر، حيث قام العديد من الحقوقيين بالدفاع عنه بحجة أنه سوء فهم من البداية، ولم يكن هناك سبب في سجنه.
حسب مقال نُشر على "The New York Times" سنة 2016، قدم مارك أمام لجنة السراح المشروط بعدما أكد العديد من الأطباء أن الكفاءة العقلية لمارك غير سليمة، وأنه يعاني من "عبقرية مضطربة"، وهي حالة يتخذ فيها الشخص قرارات صبيانية دون إدراك مخاطرها.
خُفف الحكم على مارك إلى ستة أشهر بعد المحكمة بتهمة التخريب التي قام بها خلال فترة سجنه، كما نقل من سجن فلوريدا إلى السجن الواقع بمدينته، الستة أشهر التي قضاها مارك داخل السجن كانت بمثابة إعادة تأهيل له من أجل عدم ارتكاب جريمة أخرى.