إذا سبق واعتنيت بقطة من قبل فلا بد وأنك تعرف تماماً أن القطط تتشابه مع الأطفال في كثير من الأشياء.. فهم بحاجة إلى الاهتمام والرعاية، يحبون اللعب، وينشطون ليلاً.
لكن فيما يقضي الأطفال الليل في البكاء غالباً، تنظم القطة جدولها الليلي بشكل مختلف تماماً، إذ تخصص وقتاً للقفز فوق سريرك، ووقتاً للتجول في المطبخ، ووقتاً لتسلق كل ما تستطيع تسلقه في المنزل الذي يكون في ذلك الوقت ملكاً لها بالكامل، لكن المثير للاهتمام أن كل ذلك يحدث في الظلام الدامس، ما يدفع بالكثيرين من مربي القطط للاعتقاد بأن حيواناتهم الأليفة تمتلك قدرة استثنائية على الرؤية في الظلام، فهل هذا صحيح؟
هل ترى القطط في الظلام بشكل أفضل؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال دعونا نشرح سريعاً آلية الرؤية لدى الكائنات الحية عموماً، ويشمل ذلك البشر والقطط وغيرها.
ببساطة ينعكس الضوء من الأجسام الموجودة حولنا إلى أعيننا حيث تجمع المستقبلات الضوئية أشعة الضوء وتتكون عبر الخلايا العصبية الموجودة في العين شحنات كهربائية تنتقل إلى الدماغ عبر العصب البصري، إذ يقوم الدماغ بترجمة أشعة الضوء المرسلة إلى صور، وهذا يفسر عدم قدرتنا على الرؤية في الظلام، فلحدوث الرؤية لا بد من وجود ضوء محيط بنا.
لكن مع ذلك، تتكيف عيون القطط مع الرؤية بالظلام بشكل أفضل بكثير من عيون البشر، وفقاً لكارين بلامر، أخصائية طب العيون البيطري السريري في كلية الطب البيطري بجامعة فلوريدا.
فقد قالت بلامر لموقع Live Science، إن السبب في ذلك يعود إلى كيفية تطور عيون القطط بحيث تستوعب كميات أكبر من الضوء من تلك التي تستوعبها العين البشرية.
إذ يمكن للقطط أن ترى في الظلام لأن بنية عيونها، وخاصة شبكية عينها، تسمح لها برؤية أفضل من البشر عندما تكون مستويات الضوء منخفضة. القطط لديها نسبة مئوية وتركيز أعلى للمستقبلات الضوئية من البشر، ما يعني أن لديها حساسية أفضل للضوء، ويمكنها رؤية المزيد في مستويات الإضاءة المنخفضة أكثر من البشر.
ووفقاً لجمعية حماية القطط الخيرية، فإن هذه الوفرة من المستقبلات الضوئية تعني أن القطط يمكنها أن ترى "أفضل بست إلى ثماني مرات" من البشر عندما يحل الظلام.
لماذا تطورت القطط بحيث تتمتع برؤية ليلية استثنائية؟
عندما نتحدث عن التطور، نلاحظ أن كل نوع من الكائنات الحية طور ميزات تختلف عن الآخرين وفقاً لاحتياجاته للبقاء على قيد الحياة والتفاعل مع البيئة المحيطة بشكل مثالي.
وكما نعلم فإن القطط هي حيوانات آكلة للحوم، مما يعني أنها يجب أن تأكل اللحوم من أجل البقاء بصحة جيدة. فهي غير قادرة على إنتاج بعض البروتينات المهمة لصحتها ويجب أن تبتلعها من مصدر خارجي. لكن العديد من فرائس القطط المحتملة تنشط في الليل أو في الضوء الخافت.
وبناءً على ذلك فقد طورت القطط قدرة خاصة على الرؤية بشكل أفضل في الليل لاصطياد فرائسها.
ورغم كونها أنشط من الإنسان العادي أثناء الليل، إلا أن القطط ليست حيوانات ليلية تماماً. بل يعتبرون كائنات "شفقية"، أو نشطية أثناء الغسق، بسبب ولعها بالصيد عند الغسق والشفق.
السر ليس في العيون فقط
ومع ذلك، رغم أن عيون القطط مصممة للرؤية الليلية، فإن قدرة القطط على التنقل جيداً في بيئتها خلال فترات الظلام يرجع إلى أسبابٍ أكثر من مجرد تكوين عيونهم. وفقاً لبلامر، تعتمد القطط أيضاً على حواسها الأخرى.
فلدى القطط سمع حاد جداً وشم قوي للغاية، ما يساعدها على التنقل حتى في الظلام الدامس معتمدة على حواسها الأخرى إذ يتطلب التفاعل مع البيئة تعاون جميع الحواس.
لذلك، القطط أمهر في التجول ليلاً من البشر، ولكن عندما يتعلق الأمر بجودة الرؤية، فهي بالتأكيد لا تتفوق على البشر أثناء النهار.
قال رون عوفري، أستاذ طب العيون البيطري في كلية كوريت للطب البيطري في الجامعة العبرية في إسرائيل، لموقع Live Science الأمريكي: "في التطور، عادة ما يكون هناك ثمن يُدفَع مقابل كل ميزة".
بالنسبة للقطط، فإن المقايضة للحصول على رؤية ليلية رائعة يجب أن تتعامل مع ضعف الرؤية نسبياً أثناء النهار.
قال عوفري: "نتيجة للتكيفات التي تسمح بمثل هذه الرؤية الليلية الحساسة، فإن حدة البصر خلال النهار تبلغ حوالي 1/7 من قدرتنا. هذا يصدم الأشخاص الذين يعتقدون أن القطط تتمتع دائماً برؤية رائعة: فهي تفعل ذلك، ولكن فقط في الليل ؛ أما في النهار نستطيع القول أن الرؤية ضعيفة لديهم".
ماذا عن الألوان؟
الاختلافات بين عيون البشر والقطط لا تتوقف فقط على حدة الرؤية بل تتعداها كذلك إلى القدرة على تمييز الألوان، إذ لا ترى القطط العالم بنفس الألوان التي نراها نحن.
قالت بلامر: "القطط لديها عدد مطلق وتركيز أقل من المستقبلات الضوئية المخروطية مقارنة بالبشر، لذلك فهي لا ترى اللون بالطريقة التي نراها نحن، ولا تتمتع بدرجة دقة التفاصيل التي لدينا".
المخاريط الموجودة في العين هي المسؤولة عن تحديد لون "رؤية النهار". ولدى البشر ثلاثة أنواع من المخاريط التي تمكِّنا من إدراك الألوان الأزرق والأخضر والأحمر، بينما القطط لديها نوعان فقط من المخاريط، ما يعني أن ما نراه باللون الأخضر والأحمر يظهر باللون الرمادي للقطط.
كان يُعتَقَد منذ فترة طويلة أن القطط مصابة بعمى الألوان، لكن العديد من العلماء لم يعودوا يعتقدون أن هذا هو الحال -رغم احتدام النقاش في ذلك. يُعتقد الآن على نطاق واسع أن القطط يمكنها رؤية الأزرق والرمادي، وربما أيضاً بعض ظلال اللونين الأصفر والأخضر، ولكن الحقيقة هي أنه لا يمكن لأحد الجزم بذلك.
قالت بلامر: "القطط ثنائية اللون، ما يعني أن لديها نوعين من المستقبلات الضوئية المخروطية، مقارنة بأنواعنا الثلاثة. لذا فهي لا ترى العديد من الألوان الزاهية مثلما نراها نحن".