تُقيم دولة بريطانيا، اليوم الإثنين 19 سبتمبر/أيلول 2022، جنازة مهيبة للملكة إليزابيث الثانية، يحضرها رؤساء دول وشخصيات بارزة من المستوى الرفيع من العالم.
ورغم أن بريطانيا تجمعها علاقة وطيدة مع المملكة المغربية، إلا أن الملك محمد السادس لن يُسافر إلى لندن لتقديم واجب العزاء حضورياً، وأرسل شقيقه الأمير رشيد ليحل مكانه، حسب ما أُعلن عنه رسمياً.
وليست الجنازة الأولى التي يغيب عنها ملك المغرب، فقد غاب مؤخراً عن جنازة رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد، وقبلها غاب عن جنازة والده الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان سنة 2004، الأمر الذي تسبب في سوء فهم بين المغرب والإمارات لأشهر.
وليست الجنازات فقط، فالأعراف العلوية تمنع ملوك المغرب من حضور حفلات الزفاف والأعراس، ولم يحضر ملك المغرب أعراساً خارج القصر الملكي، كما أن والده الحسن الثاني حضر أعراس أخواته وبناته فقط.
لماذا لا يعزي الملك؟
الملك لا يُعزي، هكذا تقول أعراف وتقاليد الأسرة الملكية على مر تاريخ المغرب، فنادراً ما يحضر الملوك الجنازات، أو على الأقل آخر الملوك الثلاثة للمغرب، محمد الخامس، والحسن الثاني، ومحمد السادس.
هذا الاستثناء ليس مقتصراً على الجنازات خارج القصر، فحتى داخل الأسرة الملكية فالملك لا يمشي في الجنازات، فالملك محمد السادس مثلاً لم يمشِ في جنازة عمته الأميرة عائشة، واكتفى باستقبال النعش في القصر فقط.
الاستثناء الوحيد كان خلال جنازة الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1999، عندما شيع الملك الجديد حينها محمد السادس جثمان والده في جنازة مهيبة حضرها قادة العالم وأكثر من مليوني مواطن.
لكن بعدها، لم يظهر محمد السادس في أي جنازة، إذ كان يُرسل شقيقه الأمير رشيد العلوي لتقديم العزاء باسم المملكة المغربية، فنجد الأمير مثلاً في عزاء السلطان قابوس، وفي عزاء ملك السعودية السابق وولي عهدها الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود.
وظهر شقيق الملك رشيد العلوي في العاصمة الإماراتية أبوظبي الأحد 15 مايو/أيار وهو يقدم واجب العزاء إلى محمد بن زايد في وفاة شقيقه خليفة بن زايد.
كما أن ملك المغرب غاب عن جنازة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك وأرسل ولي العهد الحسن الثالث لينوب عنه، وبرر غيابه بتعرُّضه لالتهاب رئوي أجبره على عدم السفر امتثالاً لنصيحة الأطباء.
الملك محمد السادس قطع الشك باليقين بجوابه عن سؤال أثناء حواره مع صحيفة "إيل باييس" الإسبانية في 16 يناير/كانون الثاني 2005 قائلاً في ردِّه على سؤال: لماذا تغيبون عن الجنائز؟ قائلاً: "تقاليدنا لا تسمح بحضور مراسم الزفاف أو الجنازة بالخارج".
أما بخصوص الشخصيات الوطنية فالملك محمد السادس أيضاً لا يحضر إلى جنازاتها، ويرسل في أغلب الأوقات شقيقه الأمير رشيد، أو مستشاره الخاص محمد المعتصم الذي يتلو برقية التعزية المختومة من الملك.
وإثر وفاة المطربة الجزائرية وردة، بعث الملك مستشاره فؤاد عالي الهمة، والسفير عبد السلام الجعيدي، لتقديم تعازيه إلى السلطات الجزائرية، فتوجّها مرفوقين بسفير المغرب بالجزائر آنذاك، عبد الله بلقزيز، إلى قصر الثقافة بالجزائر العاصمة.
الملك والأعراس
الأعراس كالجنازات لدى الأعراف العلوية في القصر الملكي في المغرب، فملوك المغرب لا يحضرون أيضاً الأعراس وحفلات زفاف الشخصيات سواء العالمية، أو الطبقة العليا داخل المغرب.
ويلتزم ملك المغرب بالتقاليد السلطانية العلوية العريقة كما التزم بها والدها وجده قبله ويتقيد بها بصرامة، فلم يحضر مثلاً زفاف ولي عهد لوكسمبرغ وحضرت بالنيابة عنه زوجته السابقة الأميرة سلمى.
كما أن الزوجة السابقة للملك الأميرة سلمى حضرت الزفاف الأسطوري الذي نظمه القصر البريطاني الذي احتفى عام 2011 بعقد قران نجل الأميرة ديانا ولي العهد ويليام وكيت ميدلتون.
وتُلزم التقاليد السلطانية في المغرب بجعل ظهور الملك المغربي متميزاً عن سائر "الرعايا" وذا "هيبة" خاصة، وتمنع ظهوره في الفضاء العام إلا وفق تقاليد سلطانية "تكرّس هالة المهابة والاحترام الواجبة له".
لكن الأمر داخل أسوار القصر يختلف، فالملك يحضر حفلات الزفاف المتعلقة بأفراد الأسرة الصغيرة، إذ ترأس سنة 2014 حفل زفاف شقيقه الأمير رشيد على زوجته أم كلثوم بوفارس في القصر الملكي في الرباط.
وشارك القصر الملكي صوراً خاصة من حفل الزفاف الذي امتد على أيام، وأقيم حسب التقاليد المغربية الأصيلة التي يحرص القصر الملكي على التشبث بها في كل الحفلات والأعراس الخاصة.
وظهر الملك محمد السادس أيضاً في زفاف كريمة شقيقته الأميرة مريم، وهي الأميرة سكينة، وهي واحدة من الحفيدات المقربات من الملك الراحل الحسن الثاني، التي احتفلت بزفافها في القصر الملكي.
وأشرف الملك محمد السادس على حفل الزفاف الذي اقتصر على حضور الأسرتين وأقرب المقربين، وتم الاحتفال به أيضاً على الطريقة المغربية التقليدية، وتم تعميم صوره على وسائل الإعلام.
آخر حفلات الزفاف التي حضرها الملك هو حفل عقد قران الأميرة نهيلة كريمة شقيقة الملك الأميرة أسماء، والذي تم الاحتفال به داخل القصر الملكي أيضاً، واقتصر على حضور الأسرتين، نظراً لتزامنه مع انتشار جائحة كورونا.