مُنذ اكتشاف القارة الأمريكية في أواخر القرن الـ15م، تحولت حياة الهنود الأمريكيين إلى جحيم، بعد أن تعرضوا إلى عمليات إبادة من طرف الأوروبيين المستوطنين للأراضي الأمريكية.
حاول الهنود المقاومة بكل الطرق والأساليب، ففي نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ظهرت وسيلة جديدة لمقاومة الهنود للأمريكيين البيض، وذلك عبر رقص رقصة تسمى "رقصة الأشباح"، التي ابتكرها "وفوكا"، أحد رجال قبيلة البايوت الأصلية، وذلك من أجل استعادة الهنود لأراضيهم.
وفوكا.. ادّعى أنّه سافر للجنّة!
في حوالي عام 1856، وُلد الزعيم الديني الهندي وفوكا بمدينة كارسون بولاية نيفادا الأمريكية، حيث كانت تعيش قبيلته الهندية بايوت، كان والده يسمى "تافيبو"، وكان زعيماً دينياً لقبيلته، ويعمل في مجال الطب، بحيث يستعمل الرقص في مداواة المرضى.
بعد وفاة والده، تمّ نقل الصبي إلى مزرعة للبيض الأمريكيين، حيث حصل على اسم "جاك ويلسون"، والذي كان معروفاً به بين البيض الأمريكيين، وفي فترة عمله في المزرعة لدى عائلة ويلسون، تعلّم وفوكا اللاهوت المسيحي وقصص الكتاب المقدس. ومع ذلك، حافظ وفوكا أيضاً على نشأته القبلية الهندية، بحسب ما نقله تقرير لموقع us history.
عند بلوغه سن 33 سنة، ادعى وفوكا أنّه المسيح وأنه سافر إلى الجنة، وحصل على رؤية نبوية، حدث ذلك أثناء كسوف الشمس الذي شهده في الأوّل من يناير/كانون الثاني عام 1889.
تضمنت الرؤية النبوية لـ"وفوكا"، عودة أشباح الأسلاف إلى الحياة، وخروج البِيض من الأراضي الهندية. لم يحدد وفوكا متى سيحدث ذلك، لكنه قال إنه قريب.
ومن أجل تحقيق تلك الرؤية، طلب وفوكا من شعبه جملة من التعليمات والشروط التي عليهم أداؤها بالشكل الصحيح.
وبحسب تقرير لموقع pbs الأمريكي، أمر وفوكا شعبه، بألا يبكوا عند وفاة أحد، وألا يرفضوا العمل عند البيض، وألا يسببوا لهم أي مشاكل، وأن يعيشوا معهم في سلام حتى تحقق رؤيته في رحيل الأمريكيين البيض عن أراضي الهنود!
طلب وفوكا أيضاً من قبيلته، أن يرقصوا جميعاً رقصة الأشباح لمدة 5 أيام متتالية، وأن يعدوا الولائم، بعدها أن يستحموا جميعاً في النهر، قبل أن يتفرقوا إلى منازلهم عند نهاية الرقصة.
حرص وفوكا ألا يخبر الهنودُ الأوروبيين البيضَ عن سبب الرقصة، وأن يبقوا أمرها سراً.
ساعدت الظروف السيئة التي كان يعاني منها السكان الأصليون لأمريكا، في انتشار تعاليم وفوكا بسرعة بين العديد من الشعوب الأمريكية الأصلية، وخاصة قبيلتي لاكوتا وسيوكس.
كان الهنود الأمريكيون، بحاجة ماسة إلى من يُشعرهم بوجود أملٍ في استرجاع أراضيهم من البيض، والكف عن اضطهادهم، لذلك أضحى وفوكا ورقصته، رمزاً دينياً عندهم.
خصوصاً أنّ وفوكا اشتهر في قبيلته بسلطته المزعومة في التحكم في الطقس، وينقل الكاتب الأمريكي لورانس جي كواتس في كتابه "The Mormons and the Ghost Dance of 1890"، أسطورة انتشرت أنّ وفوكا "تسبب في سقوط كتلة من الجليد من السماء في يوم صيفي، ليكون قادراً على إنهاء الجفاف بالمطر أو الثلج".
الحكومة الأمريكية ترتكب مذبحة الركبة الجريحة لمنع "رقصة الأشباح"
عندما وصلت رقصة الأشباح إلى قبيلة لاكوتا، وهي من القبائل الأصلية للهنود بأمريكا، والتي كانت تبدي مقاومة للبيض، انزعج الجنود الأمريكيون، وبدأو يشعرون بالخوف منها، خصوصاً أنّ وفوكا، كان قد ألزم الشعوب الأصلية لأمريكا بإخفاء سرّها عن البيض.
زعم الجنود الأمريكيون، أن قبيلة لاكوتا طوّرت نهجاً عسكرياً للرقص، وبدأوا في صنع "قمصان الأشباح" التي اعتقدوا أنها ستحميهم من الرصاص، وكانت هذه القمصان مصنوعة من القماش العادي أو جلد الغزال.
قامت الشرطة بالقبض على سيتينغ بول، وهو زعيم قبيلة لاكوتا، لإجباره على وقف رقص الأشباح في قبيلته. وعند اعتقال زعيم قبيلة لاكوتا، حدثت مناوشات بين أفراد القبيلة الرافضين لتوقيف رقصة الأشباح والشرطة الأمريكية.
أسفرت الاشتباكات عن مقتل سيتينغ بول مع عددٍ من رجال الشرطة، بينما أنقذت مفرزة صغيرة من سلاح الفرسان رجال الشرطة المتبقين. بعد مقتل سيتينغ بول، أرسلت الولايات المتحدة الفوج السابع من سلاح الفرسان من أجل توقيف رقصة الأشباح ونزع سلاح قبيلة لاكوتا.
في 29 ديسمبر/كانون الأول 1890م، ارتكب الجنود الأمريكيون مجزرةً كبيرة، تعرف باسم "مذبحة الركبة الجريحة"، إذ فتح فيها 457 جندياً أمريكياً النار على قبيلة لاكوتا الأصلية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 200 منهم، وتسببت المذبحة في تهجير قبائل بوكوتا والسيوكس، وتجريم رقصة الأشباح.
أصيب وفوكا بخيبة أمل، بعد تلك المذبحة، فاعتزل رقصة الأشباح، وعاد إلى العمل طبيباً من حين لآخر، وسافر لحضور مناسبات في المحميات الهندية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
إلى أن توفي في نيفادا في 20 سبتمبر/أيلول عام 1932، ودُفن في مقبرة بايوت في بلدة شورز.