تكرس العائلة المالكة حياتها لخدمة "بريطانيا العظمى"، ويعتز أفرادها بقوميتهم وانتمائهم إلى هذه الدولة التي كانت يوماً ما إمبراطورية مترامية الأطراف، لكن هل كنت تعلم أن جدهم الأكبر "ويليام الفاتح"، أو "ويليام النغل"، لم يكن إنجليزياً أصلاً؟
ويليام الفاتح و"هدنة الله"
وُلد الجد الأكبر للعائلة المالكة البريطانية في بلدة فاليز، التابعة لمنطقة نورماندي الفرنسية، وذلك عام 1028.
وعلى الرغم من أن أباه كان دوق نورماندي، "روبرت العظيم" أو "روبرت الشرير" كما يدعوه البعض، فإن حياة ويليام لم تكن سهلة على الإطلاق، فقد كان ابناً غير شرعي لروبرت من عشيقته هيرليفا.
عندما توفي روبرت، كانت البلاد غارقة في الفوضى، وكان ويليام لا يزال صغيراً بالسن، فتنازع على وصايته نبلاء نورماندي كي يحكموا البلاد من خلاله، فعلى الرغم من أنه ابن غير شرعي لروبرت، فإنه كان الوريث الوحيد.
وخلال السنوات الأولى من حكم الدوق الشاب تذابح النبلاء من حوله، وقتل بعضهم بعضاً، في محاولة للسيطرة على الحكم، ولم تستقر الأمور لويليام الذي حظي بدعم من ملك فرنسا هنري الأول حتى عام 1060، وخلال السنوات التي سبقت هذا العام كان الدوق الشاب قد أعلن عن هدنة سماها "هدنة الله"؛ للحد من أعمال العنف التي سيطرت على البلاد، وذلك عبر تقليل عدد أيام السنة التي يسمح فيها بالقتال.
صراع على العرش
من المفارقات أن الجد الأكبر للعائلة المالكة قد دخل إنجلترا غازياً.
بدأت القصة عندما توفي "إدوارد المعترف" ملك إنجلترا، الذي لم يكن له أولاد يخلفونه على العرش، ليبدأ صراع بين ثلاثة طامعين، هم ويليام دوق نورماندي، وهارولد الثاني أحد الملوك الأنجلوسكسونيين، وهارالد الثالث ملك النرويج.
لكن في عام 1066 تم تعيين هارولد الثاني ملكاً لإنجلترا بعد تصويت المطرانات لصالحه.
لم تعجب تلك النتيجة ويليام، فعلى الرغم من صلة الدم الضعيفة التي تربطه بإدوارد (ملك إنجلترا الراحل)، إذ كانت عمة ويليام هي أم إدوارد، فإن ويليام ادعى أحقيته في الحصول على العرش لعدة أسباب:
أولاً: قضى الملك الراحل إدوارد معظم حياته في المنفى في نورماندي أثناء الاحتلال الدنماركي لإنجلترا، ويدعي ويليام أن الملك قد وعده بولاية العرش أثناء زيارة قام بها ويليام إلى إنجلترا عام 1052.
ثانياً: ادعى ويليام أيضاً أن هارولد الثاني، الذي أصبح الآن ملكاً على إنجلترا، كان قد تعهد له بالولاء عام 1064 حين أنقذ ويليام سفينة هارولد من الغرق، وفي إحدى المعارك أقسم هارولد بالولاء لويليام "على عظام القديس".
تلك كانت أسباب دعت ويليام لعدم تقبل هارولد ملكاً على إنجلترا، فاستعد لغزو البلاد وأخذها بالقوة.
غزو إنجلترا
قدّم ويليام ادعاءاته تلك إلى البابا ألكسندر الثاني، الذي أرسل إليه كتاباً يؤكد فيه الدعم الباباوي لويليام، وإثر تلقي ويليام هذا الكتاب عقد على الفور مجلس حرب في ليلابونا شمال فرنسا، وبدأ بجمع الحلفاء حوله، واعداً كلاً منهم بالألقاب والأراضي الإنجليزية عند توليه العرش.
شكل ويليام أسطولاً ضخماً مؤلفاً من 696 سفينة، كما ضمت قواته أعداداً كبيرة من المرتزقة، وفي المقابل جمع هارولد جيشاً كبيراً على الساحل الجنوبي لإنجلترا.
وفي حين استطاع ويليام الحفاظ على تماسك جيشه، عانى هارولد من نقص الإمدادات وتضاءل الروح المعنوية لجنوده.
بكل الأحوال، حدث ما لم يكن في حسبان الطرفين، فقد وردت أنباء أن ملك النرويج، وهو المتنافس الثالث على العرش، قد قرر الدخول على جبهة القتال، واختار أن يواجه هارولد أولاً، وبالفعل انتصر عليه.
أما ويليام، الذي تأخرت سفنه في العبور 8 أيام بسبب حالة الطقس السيئة، فقد حط أخيراً في خليج ساسكس، وعند وصوله إلى اليابسة أخذ بيده حفنة من التراب، معلناً للجميع أنه ملك إنجلترا، وشيد قلعة خشبية لإدارة العمليات، منتظراً عودة جيش هارولد من الشمال.
التقى الجيشان أخيراً في معركة التي استمرت يوماً كاملاً، وقد تمكن الجيش النورماندي أخيراً من سحق الإنجليز وقتل هارولد، فحُسمت المعركة لصالحهم.
وبالرغم من موت هارولد (الذي يعتبر آخر الملوك الأنجلوسكسونيين على عرش إنجلترا) فقد أعلن النبلاء في لندن تعيين ملك سكسوني جديد هو الشاب أدغار أثيلينغ، وفقاً لما ورد في britannica.
وقبل أن يتم تتويجه، زحف جيش ويليام إلى لندن وقضى على تمرد النبلاء، وفي حين كان يدعى فيما مضى باسم "ويليام النغل"، كونه ابناً غير شرعي، أصبح بعد هذه الحرب يُعرف باسم "ويليام الفاتح"، وتم تتويجه ملكاً على إنجلترا عام 1066 في دير ويستمنستر ليحظى كذلك بلقب "ويليام الأول".