وصل نعش الملكة إليزابيث الثانية إلى كنيسة ويستمنستر في لندن العاصمة، ضمن مراسم تشييع الجثمان التي بدأت إجراءاتها منذ لحظة وفاة الملكة، وتستمرّ 10 أيام، حتى موعد الجنازة يوم الإثنين المقبل في 19 سبتمبر/أيلول 2022.
وفي أول حدثٍ احتفالي كبير يسبق جنازة الملكة، حُمل نعش إليزابيث الثانية من قصر باكنغهام إلى قاعة ويستمنستر أمس الأربعاء 14 سبتمبر/أيلول على عربة مدفع، حيث سيبقى خمسة أيام. على أن يُثبّت التابوت وسط القاعة، على منصة معروفة باسم Catafalque، والتي ستكون مفتوحة أمام الجمهور لمدة 23 ساعة في اليوم.
عشية الجنازة، سيرحب تشارلز بحضور العائلات الملكية الأجنبية. وستقام جنازة الدولة في ويستمنستر، بعد أن يُحمل التابوت من القاعة إلى الدير. في ذلك الوقت، ستكون هناك دقيقتا صمت في جميع أنحاء البلاد.
بعد ذلك سيصاحب التابوت موكبٌ احتفالي كبير إلى "هايد بارك"، حيث سيُنقل من عربة المدافع إلى عربةٍ أخرى من شأنها أن تقلّه إلى قلعة وندسور، حيث سيتم إنزال التابوت في القبو الملكي.
لكن الموكب الجنائزي للملكة إليزابيث الثانية يحمل أكثر من ألف عامٍ من التقاليد الملكية، ستُستعرض في بضعة أميالٍ رمزية، بحيث يعكس كل غرضٍ من الموكب وكلّ مكانٍ يمرّ أو يقف فيه النعش جوانب مختلفة من مكانة العائلة المالكة في الحياة البريطانية، سواء كانت عسكرية أو إدارية أو دينية. هذه بعضها:
نعش الملكة إليزابيث مبطّن بالرصاص!
أُعدَّ نعش الملكة منذ أكثر من 30 عاماً، وهو من خشب البلوط الإنجليزي، ومبطّن بالرصاص من أجل عزل الهواء والماء. الشركة نفسها التي صنعت نعش الملكة إليزابيث، صنعت كذلك نعش زوجها الراحل الأمير فيليب -الذي توفي العام الماضي- وكذلك نعش أسطورة الغناء الإنجليزي فريدي ميركوري وعازف البلوز جيمي هندريكس، وفقاً لصحيفة Telegraph البريطانية.
والنعش ملفوف بالعلم الملكي القياسي، وتمثل مربّعاته الأربعة كل من: إنجلترا (مرتين، ثلاثة أسود صفراء على خلفية حمراء)، واسكتلندا (الأسد الأحمر على خلفية صفراء)، وإيرلندا (آلة الهارب على خلفية زرقاء).
يرفرف العلم فوق المبنى أو السيارة، عندما يكون جثمان الملكة داخل التابوت؛ وعلى عكس علم المملكة المتحدة (علم الاتحاد)، فإنه لا يُنكَّس أبداً، لأن المملكة المتحدة لا تخلو من ملك أو ملكة.
خلال المواكب جميعها، يسافر النعش على عربة مدفعٍ قدّمتها فرقة مدفعية الأحصنة الملكية، وهي وحدة احتفالية تابعة للجيش البريطاني. قد يسحب أفراد البحرية الملكية العربة جزئياً سيراً على الأقدام، وهو تقليدٌ بدأ عندما تدخّل البحّارة سريعاً ليحملوا نعش الملكة فيكتوريا، بعد تحرّر الخيول قبل موكب الجنازة في العام 1901.
عندما ترقد الملكة إليزابيث في "وستمنستر هول"، فإن نعشها المُغلق يستريح على منصة مرتفعة تسمى Catafalque. سوف يُحرَس كل ركن على مدار الساعة، من قِبل ضابطٍ تابع لإحدى الوحدات التي تخدم العائلة الملكية، مثل حراس القصر.
الرموز الملكية فوق تابوت الملكة إليزابيث
صُنع تاج الإمبراطورية من أجل والد الملكة، الملك جورج السادس، في عام 1937، وقد عُدِّلَ من أجلها. ومن بين أكثر من 3000 حجر، يتضمن التاج أشهر وأغلى الجواهر في العالم، أبرزها ألماسة كولينان 2 بقيمة 317.4 قيراط. إضافةً إلى حجر الإسبينيل الذي يبلغ وزنه 170 قيراطاً، وقيل إن هنري الخامس ارتداه في المعركة عام 1415.
يمثل صولجان الملكة، الذي يبلغ طوله 3 أقدام، قوة الملك في العالم الدنيوي. وأُضيفَت رموز الورد والشوك والنفل المطلي بالمينا، التي تمثل إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا، إلى المقبض في عام 1820.
رُكِّبَت ألماسة كولينان 1 -التي يبلغ وزنها 530 قيراطاً- وهي واحدة من عدة قطع قُطِعَت من أكبر ألماسة في العالم، على القمة في عام 1910. فيما وُضع روبي الأمير الأسود (الإسبينيل) في نقش صليبٍ فوق ألماسة كولينان 2، في مقدّمة تاج إمبراطورية المملكة المتحدة.
سيرافق النعش أيضاً الجرم السماوي، وهو عبارة عن كرة ذهبية مجوّفة، بمقاس 11 بوصة، مع صليبٍ في الأعلى يمثل قوة الملك في العالم المسيحي. في الجرم السماوي ثلاث مجموعات من المجوهرات، تمثل القارات الثلاث التي اعتقد الحكام البريطانيون أنها كانت موجودة عند صنع الجرم السماوي في العام 1661.
تجدر الإشارة إلى أن الصولجان والجرم السماوي صُنعا في العام 1661، من أجل الملك تشارلز الثاني، وهما جزءٌ من مجوهرات التاج البريطاني.
حملت العربة الجنائزية نعش الملكة من المطار إلى قصر باكنغهام، على أن يُنقَل إلى الوجهة النهائية في وندسور، بعد موكب الجنازة يوم الإثنين. العربة الجنائزية تُشبه سيارة جاغوار XF المعدَّلة السوداء -بما يتماشى مع البروتوكول الملكي- وهي السيارة نفسها التي حملت نعش والدتها الملكة الأم في العام 2002. ولكنها مختلفة تماماً عن الـ"لاند روفر ديفندر" العسكرية الخضراء، التي ساعد الأمير فيليب في تصميمها خصيصاً من أجل جنازته عام 2021.
معنى الأماكن التي يسلكها موكب الملكة إليزابيث
قصر باكنغهام، المكوَّن من 775 غرفة، هو المقرّ الرسمي للعائلة المالكة في لندن منذ العام 1837؛ وهو المكان الذي عاشت فيه الملكة، وأجرت الأعمال الرسمية طوال معظم حياتها.
سينتقل موكب جنازة الملكة إليزابيث من القصر على طريق "مول"، وهو أروع طريقٍ احتفالي في لندن، يعود تاريخه إلى عام 1660، ويمتد إلى ميدان ترافالغار. يأتي اسم "مول" من لعبة تشبه لعبة الكروكيه، تُسمّى "بيلي مول" أو "بول مول"، لُعِبَت في متنزه سانت جيمس.
نعش الملكة إليزابيث موجود حالياً في قاعة وستمنستر هول، وهو أقدم مبنى في مجمع البرلمان، ويعود تاريخه إلى العام 1097. تشتهر القاعة -التي تبلغ مساحتها 17 ألف قدم مربع- بسقفها البلوطي، وهي أعجوبة هندسية بتكليفٍ من ريتشارد الثاني عام 1393. والأعيان الذين يرقدون في القاعة حديثون نسبياً، بدءاً من رئيس الوزراء ويليام جلادستون في عام 1898.
ستكون الجنازة يوم 19 سبتمبر/أيلول هي الأولى لملك بالكنيسة الملكية في "وستمنستر آبي"، منذ جنازة الملك جورج الثاني في عام 1760.
ورغم دفن 17 ملكاً وملكة هناك، إلا أن الدير، الذي يعود تاريخه إلى عام 960، غالباً ما يرتبط بعصور ملكية أكثر سعادة. وقد استضاف تتويج كل ملك منذ عام 1066 و16 حفل زفاف ملكي منذ عام 1100، بما في ذلك حفل تتويج الملكة في عام 1947 والأمير ويليام لكيت ميدلتون في عام 2011.
بعد موكب الجنازة، سيُنقل نعش الملكة إليزابيث إلى محراب وندسور في قوس ويلينغتون. والقوس هو نصب تذكاري كبير لمعركة واترلو، حين هزم دوق ولينغتون (قائد جيش التحالف الإنجليزي) نابليون بونابرت عام 1815. ويعلوه ملاك السلام البرونزي ينزل على عربة حربية. والقوس أجوف من الداخل ويتكون من ثلاثة طوابق من الغرف، وكان يضم في السابق أصغر مركز شرطة في لندن.
في وندسور، سيتبع نعش الملكة إليزابيث طريقاً يبلغ طوله ثلاثة أميال تقريباً ينتهي عند قلعة وندسور. أُنشِئ المسار في عام 1680 من قبل الملك تشارلز الثاني عبر متنزه دير، والذي كان جزءاً من غابة صيد ملكية واسعة في أيام ويليام الفاتح.
ستكون الملكة إليزابيث الثانية الملكة الحادية عشرة التي تُدفَن في أقبية ومقابر كنيسة القديس جورج.
أقيمت في الكنيسة، التي اكتملت في عام 1528، جنازات جميع الملوك والملكات السابقين منذ عهد الملك جورج الثالث عام 1820. واستضافت العديد من المناسبات الملكية، بما في ذلك حفلات زفاف الأمير هاري إلى ميغان ماركل في عام 2018، والأميرة أوجيني إلى جاك بروكس بنك في عام 2019.
سيوضَع نعش الملكة إليزابيث في مُلحقٍ صغير بجوار القبو الملكي، المُسمّى كنيسة الملك جورج السادس التذكارية، جنباً إلى جنب مع والديها ورماد شقيقتها الصغرى، الأميرة مارغريت. وسيُنقَل نعش الأمير فيليب من القبو الملكي ويوضع إلى جانب قبو زوجته.