في سعيهم لفهم النفس البشرية والمشاعر المختلفة والاضطرابات النفسية والعقلية، قام العديد من علماء علم النفس ببعض التجارب التي كانت غريبة ومخيفة أحياناً وغير أخلاقية في بعض الأحيان.
ومن بين هؤلاء العلماء كان كارني لانديس الذي أراد معرفة ما إذا كان جميع البشر يبدون نفس تعابير الوجه استجابةً لنفس المشاعر.
لذا فقد قام بتجارب حقيقية لتصوير تفاعل الأشخاص وتعابير وجوههم التي يظهرونها تجاه الأشياء التي قد تجعلهم يشعرون بالفرح والضحك والفضول والرضا والمتعة الجسدية. لكنه قام أيضاً بتجارب مريعة لتصوير تعابير الخوف والاشمئزاز والحزن والألم.
من تعريض الأشخاص إلى الصدمات الكهربائية إلى جعلهم يقطعون رؤوس الجرذان بالسكين، تعرفوا معنا على قصة عالم النفس الذي أراد دراسة تعابير الوجه وماذا كانت النتائج التي توصل لها؟
التغييرات الفسيولوجية هل تسبق المشاعر أو تأتي بعدها؟ وهل هي نفسها لدى البشر جميعاً؟
لنفترض أنك تمشي في غابة، وفجأة وجدت نفسك أمام ثعبان ضخم مستعد لمهاجمتك. يندفع الأدرينالين المفاجئ عبر جسدك وتبدأ على الفور في التعرق، مع ارتفاع ضربات قلبك وتوسع عينيك، باختصار تشعر بالخوف.
لكن هل خوفك يثير كل ردود الفعل الجسدية هذه، أم أن ردود الفعل لجسمك تجعلك تشعر بالخوف؟
لتقديم مثال أوضح، لنفترض أنك وقعت في حب شخص ما من النظرة الأولى. هل يتم إفراز هرمون الإندروفين المسؤول عن السعادة بسبب الإثارة، أم أن شعور الإثارة هو نتيجة إفراز هرمون الإندروفين في جسمك؟
كانت هذه المعضلة مصدر بحث رئيسي في الدراسات الأولى حول العاطفة (ولا تزال إلى اليوم، في مجال علوم الأعصاب العاطفية).
ومن بين الفرضيات الأولى والأكثر تأثيراً كانت نظرية جيمس-لانج، التي رجحت على أسبقية التغيرات الفسيولوجية للمشاعر: بمعنى أن الدماغ يكتشف تعديلاً في المنبهات القادمة من الجهاز العصبي، ثم "يفسرها" من خلال توليد عاطفة معينة.
كانت إحدى مشاكل هذه النظرية هي استحالة الحصول على دليل واضح. وقد جادل المشككون بأنه إذا ظهرت كل عاطفة ميكانيكياً داخل الجسم، فيجب أن تكون هناك غدة أو عضو، عند تحفيزه بشكل ملائم، سيؤدي دائماً إلى إثارة نفس المشاعر في كل شخص بالطريقة نفسها. وهذا ما أراد لانديس التحقق منه.
محاولات كارني لانديس لإيجاد الإجابة
في عام 1924، أراد كارني لانديس، الذي كان طالب دراسات عليا في علم النفس في جامعة مينيسوتا الأمريكية، أن يقوم بتجارب ليفهم ما إذا كانت هذه التغيرات الفسيولوجية اتجاه المشاعر هي نفسها بالنسبة للجميع.
قرر لانديس أن يركز على التغيرات الأكثر وضوحاً وسهولة في الدراسة: حركة عضلات الوجه عند ظهور المشاعر. وكانت دراسته تهدف إلى إيجاد أنماط متكررة في تعابير الوجه.
لفهم ما إذا كان جميع الناس يتفاعلون بنفس الطريقة مع المشاعر، قام لانديس بتجنيد عدد كبير من زملائه من طلاب الدراسات العليا، وبدأ برسم علامات قياسية على وجوههم، من أجل إبراز تعابير وحركة عضلات وجوههم.
وتمثلت التجارب في تعريضهم لمحفزات مختلفة أثناء التقاط صور لهم.
في البداية، طُلب من المشاركين القيام ببعض المهام العادية، مثل الاستماع إلى موسيقى الجاز، وشم رائحة الأمونيا، وقراءة مقطع من الكتاب المقدس، أو الكذب.
لكن النتائج كانت محبطة للغاية ومختلفة جداً من شخص لآخر، لذلك قرر لانديس أن يقوم بتجارب أكثر تطرفاً؛ لعلها تثير مشاعر أقوى.
عرض صوراً غير لائقة وأطلق الرصاص الحي ليصور تعابير وجه المشاركين!
بدأ لانديس بعرض صور إباحية على المشاركين في التجارب. ثم استخدم بعض الصور الطبية لأشخاص يعانون من أمراض جلدية مروعة.
لم يتوقف لانديس عند ذلك الحد، ولإثارة مشاعر الخوف القصوى، قام بإطلاق رصاصة ليلتقط تعابير وجه المشتركين لحظة خوفهم بالضبط.
ورغم كل ما قام به، كان لانديس يواجه صعوبة في الحصول على التعبيرات المشتركة التي كان يبحث عنها، ومرة أخرى بدأ يشعر بأن محاولاته ما زالت غير كافية. مما دفع بتجاربه إلى منعطف مظلم تماماً.
بعد عدم وصوله لنتائج ترضيه، صعق المشاركين كهربائياً وطلب منهم قطع رأس فأر!
لتصوير مشاعر الاشمئزاز والخوف والمفاجأة، طلب لانديس من المشاركين في تجاربه وضع أيديهم في دلو دون النظر إلى محتواه.
وكان الدلو مليئاً بالضفادع الحية، لكن ذلك لم يكن الشيء الوحيد. فقد طلب منهم أيضاً الوصول إلى قاع الدلو حتى وجدوا المفاجأة الحقيقية: أسلاك قامت بصعقهم كهربائياً!
كل ما سبق لم يكن الأسوأ بين تجارب لانديس، وصلت تجاربه ذروتها عندما وضع فأراً حياً في يده اليسرى وسكيناً في اليد الأخرى وأمر المشاركين بقطع رأس الحيوان.
أصاب طلب لانديس زملاءه بالذهول واعتقدوا أنه كان يمزح. لكنه لم يكن كذلك، وقد قام بعضهم بقطع رأس الحيوان الصغير، أما الذين رفضوا فقد أجبرهم على رؤيته وهو يقوم بذلك بنفسه أمام أعينهم.
نتائج متباينة دفعته للتوقف في النهاية عن تجاربه
بعد القيام بتجاربه المتطرفة الأخيرة، أصبحت ردود الفعل قوية وواضحة- لكن للأسف تبين أنها أيضاً أكثر تعقيداً وتبايناً مما كان يتوقع لانديس.
فقد بدأ بعض الأشخاص في البكاء، وضحك آخرون بشكل هستيري؛ في حين تجمد بعضهم تماماً، وانفجر البعض الآخر في الشتائم.
وكما أشرنا سابقاً، كان المشاركون في تجارب لانديس طلاباً آخرين وزملاء له تطوعوا في التجربة رغم أنه لم يخبرهم أبداً عن أي منها، لكن أحد الاستثناءات الملحوظة كان صبياً يبلغ من العمر 13 عاماً كان في القسم كمريض، بسبب مشاكل نفسية وارتفاع ضغط الدم. وقد تم توثيق ردة فعله من خلال لقطات لانديس أيضاً.
وربما كان الجانب الأكثر إحباطاً في القصة بأكملها أن النتائج النهائية لهذه الاختبارات القاسية لم تصل لأي معلومات مفيدة.
وقد كتب لانديس، في دراساته حول ردود الفعل العاطفية، تحت عنوان "السلوك العام وتعبير الوجه" الذي نُشر في مجلة علم النفس المقارن الاستنتاجات التالية:
1) لا يوجد تعبير وجه نموذجي مصاحب لأي عاطفة أثيرت في التجربة.
2) لا تتميز العواطف بتعبير نموذجي أو نمط متكرر من السلوك العضلي.
3) كان الابتسام هو رد الفعل الأكثر شيوعاً، حتى أثناء التجارب غير السارة.
4) لم تحدث ردود فعل جسدية موحدة تقريباً.
5) كان الرجال أكثر تعبيراً من النساء.
الخبر السار، أنه بعد حصوله على شهادته، كرس كارني لانديس نفسه لعلم النفس الجنسي وتوقف عن القيام بتجاربه المريعة.