في عام 2008 عرض الفيلم الأمريكي Changeling الذي مثَّلت البطولة فيه النجمة أنجلينا جولي، وأخرجه الممثل والمخرج الكبير كلينت إيستوود، وحقق نجاحات كبيرة على الصعيدين الجماهيري والنقدي، ولكن هناك العديد من محبي فيلم الجريمة الغامض لا يعرفون أن هذا الفيلم بالأساس كان ملفاً من ملفات.
في إحدى ليالي مارس/آذار عام 1928 توجهت السيدة كريستين كولينز إلى شرطة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية في حالة ذعر، وأبلغت الضباط بعدم عودة ابنها البالغ من العمر 9 أعوام "والتر كولينز" من دار العرض القريبة من منزله بعد أن أعطته بعض النقود لمشاهدة أحد الأفلام.
وبالتحريات السريعة الأولية شوهد الفتى آخر مرة قرب دار العرض في غروب يوم 10 مارس/آذار، وتلك لم تكن الحادثة الأولى لاختفاء أطفال في أرجاء لوس أنجلوس ومقاطعة "باسادينا" تحديداً، بجوار العديد من القضايا العديدة المتعلقة بالفساد، وهو ما وضع ضغطاً شديداً على شرطة المدينة، ولكن بلا جدوى في العثور على الصبي المفقود، ولكن الأمور انقلبت رأساً على عقب في أغسطس/آب من العام نفسه عندما تلقت الشرطة في لوس أنجلوس اتصالاً من شرطة ولاية شيكاغو بخصوص "والتر كولينز" المفقود.
عودة والتر الذي ليس هو والتر!
في أغسطس/آب تلقت شرطة لوس أنجلوس اتصالاً من شرطة مدينة "إلينوي" في ولاية شيكاغو يفيد بأن لديهم فتى يدَّعي أن اسمه والتر كولينز وأنه من لوس أنجلوس، وأنه عثر عليه هائماً، وقال في البداية إن أباه قد هجره وإنه كان صامتاً لا يريد الحديث لفترة، ثم اعترف لاحقاً بأنه الفتى المفقود من لوس أنجلوس.
بعدها قامت شرطة شيكاغو بترحيل الصبي إلى مدينة لوس أنجلوس، والتي تحفظّت عليه ثم أرسلت لأمه "كريستين كولينز" رسالة مفادها أنه تم العثور على ابنها المفقود، ولما توجهت الأم إلى الشرطة ورأت الصبي الصامت شعرت بأن الفتى يبدو مختلفاً عن ابنها والتر، ولما أبدت انزعاجها بدأت شرطة لوس أنجلوس في محاولة إقناعها بأن الفتى فقد الوزن وتغير نتيجة الحياة السيئة خلال الشهور الماضية، بل أفادت ملفات القضية بأن الشرطة سارعت بصرف الأم والابن وإغلاق القضية وكان ردهم على اعتراضات الأم أن تعود لمنزلها و"تجرب" الفتى لفترة!
وتحت الضغط والإرهاق النفسي، عادت الأم القلقة إلى المنزل بصحبة الفتى، وبدأت في مراقبة تصرفاته والتي تناقضت مع تصرفات ابنها، بدأت الأم في عرض الفتى على كل معارفه وأصدقائه وجيرانه، وبدأت تجمع توقيعات من كل من قال أنه ليس والتر، كما قامت "كريستين" بجمع سجلات بصمات أسنان ابنها، وسجلت أن طول الفتى الذي أعادته لها الشرطة أصر من ابنها بحوالي بوصة (2.5) سم، وجمعت كل تلك الأدلة وقررت الذهاب للشرطة بعد 3 أسابيع وأعلنت أمام العالم والصحافة أن شرطة لوس أنجلوس أعادت لها شخص لآخر غير ابنها وتحاول إغلاق القضية بهذا الإدعاء.
الشرطة (الفاشلة) في حيرة!
بين اعتراف الصبي بأنه "والتر كولينز" وبين إنكار الأم وقعت شرطة لوس أنجلوس في معضلة غامضة لم تستطِع التعامل معها خاصة مع الضغوط الإعلامية والمحلية من المواطنين باتهامات التقصير وعدم الكفاءة؛ وهو ما دفع رئيس الشرطة في المدينة إلى الميل لتصديق رواية الفتى بزعم أنه لا داعي لأي طفل أن يدعي أو يكذب في قضية مثل هذه، وقرر أن يهاجم الأم المكلومة.
هكذا قرر J. J. Jones رئيس الشرطة تكذيب ادعاءات الأم واتهمها بالقسوة ورغبتها في التخلص من مسؤولية ابنها، ومحاولة تركه للسلطات لترعاه؛ ولما ازداد تشبث "كريستين" بروايتها ونكرانها لهذا الفتى بدأت اتهامات الشرطة تتحول من القسوة إلى الجنون، وألقت بالفعل قوات الشرطة القبض على "كريستين كولينز" وأودعتها إحدى المصحات العقلية الرسمية في لوس أنجلوس بتهمة الهلوسة والجنون.
اعترافات تتزامن
في أثناء إيداع "كريستين" المصحة العقلية تعرضت لشتى أنواع الضغوط النفسية ومحاولات العلاج القاسية بالصعق، وتعرضت للاعتداء الجسدي في محاولة لإقناعها بالعدول عن روايتها بإنكار الفتى.
وبالتزامن مع وجودها في المصحة شن محاميها وأحد القساوسة في الكنيسة التابعة لها "كريستين" حملة ضد الشرطة واتهامها بالفساد والكذب وإبداع امرأة بريئة عاقلة في الصحة العقلية، وفي هذه الأثناء انكشف الستار عن قضية أكثر غموضاً ودموية ارتبطت بقضية كريستين واختفاء ابنها.
تلقت شرطة لوس أنجلوس بلاغاً من امرأة تتهم فيها ابن شقيقتها "جوردون نورثكوت" بأنه قد اختطف ابنها "سانفورد كلارك" وقام باحتجازه والاعتداء عليه في إحدى المزارع، وعندما ذهبت الشرطة إلى المزرعة المذكورة لم تعثر على المتهم "جوردون نورثكوت"، ولكن الفتى "سانفورد كلارك" كان هناك، فاحتجزته الشرطة وحققت معه بشكل مكثف، فاعترف بأن ابن خالته "سانفورد" كان قاتلاً وخاطفاً لأكثر من 20 صبياً في سن صغيرة، وهنا تذكر أحد المحققين أمر "كريستين" وابنها المفقود.
ولما عرضت صور الفتى المفقود والتر ابن كريستين على "سانفورد" الناجي من مزرعة ابن خالته، تعرف على "والتر" من بين المخطوفين هناك.
وفي ضوء هذا الاعتراف واجهت الشرطة الفتى الذي ادعى أنه والتر كولينز، فاعترف أنه بالفعل ليس كولينز، وأنه بالمصادفة فكر في انتحال صفة الفتى بعدما قام أحد زبائن الحانات في شيكاغو بإخباره بأنه يشبه الفتى المفقود في لوس أنجلوس، ومن ثم أغرته الفكرة بالعيش في لوس أنجلوس على أنه الفتى المفقود.
نصف الحقيقة أم الحقيقة كلها؟
بعد تأكد رواية "كريستين كولينز" تم إطلاق سراحها من المصحة، كما أطلق سراح العديد من النساء اللاتي دخلن المصحة نفسها بادعاءات مشابهة من الشرطة، وقامت "كريستين" برفع دعوى قضائية ضد الشرطة وعلى رأسها J. J. Jones قائد الشرطة الذي كذّب روايتها وأودعها المصحة، وطالبت بتعويض قيمته 11 ألف دولار، وجاء الحكم في القضية بعزل قائد الشرطة بتهم التقصير والفساد، وتم تنحيته من منصبه، ووقع عليه حكم بالتعويض لصالح كريستين.
وبعد شهر وفي سبتمبر/أيلول 1928، ألقي القبض على سفاح مزرعة نورثكوت والمدعو "جوردون نورثكوت" هو ووالدته التي شاركته جرائمه البشعة بقتل 20 طفلاً والتخلص منهم، وحوكم وأدين بالقتل هو وأمه التي اعترفت لاحقاً بأنها قتلت الفتى "والتر كولينز" بفأس وتخلصت من بقاياه، وتم إعدام "جوردون"، لكن اعتراف الأم لم يقترن بأي دليل، ولم يعثر على بقايا الطفل "والتر كولينز"، وهو ما اعتبرته الأم نصف الحقيقة، وظلت حتى آخر لحظات حياتها مؤمنة بأن ابنها والتر قد لا يزال حياً في مكان ما طالما لم يُعثر لابنها على بقايا، وحتى يومنا هذا لم تُعثر على أية بقايا للفتى المختفي "والتر كولينز".