يوهان فون ليرز، الذي عُرف لاحقاً في حياته باسم عمر أمين، هو أحد أبرز الداعين لمعاداة السامية في الرايخ الثالث بألمانيا النازية منتصف القرن العشرين.
فقد كره اليهود واليهودية، ووصل إلى أنه اعتبر المسيحية بدورها طائفة يهودية يجب التصدي لانتشارها. ومثل العديد من مجرمي الحرب من جيله، فقد كان رجلاً مثقفاً ومطلعاً بامتياز.
وقد وصل هذا الاطلاع إلى درجة استعانة النظام المصري بالضابط الألماني لكتابة دعاية معادية للصهيونية، فعمل مستشاراً إعلامياً لجمال عبد الناصر ما قبل حرب النكسة.
إذاً، من هو هذا الضابط الألماني الغامض الذي عُرف باسم عُمر أمين في مصر، والذي حقق نفوذاً وسلطة كبيرة وصلته لدوائر صنع القرار، بل ومكنته من أن يصبح أحد أهم خبراء الإعلام في البلاد؟
من هو يوهان فون ليزر؟
وُلد فون ليرز في مدينة مكلنبورغ شفيرين، بألمانيا في 25 يناير/كانون الثاني عام 1902.
درس القانون في برلين وروستوك، وعمل في النهاية ملحقاً في وزارة الخارجية الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية.
شارك بنشاط في سياسة Völkisch خلال جمهورية فايمار التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933 كنتيجة الحرب العالمية الأولى، وهي حركة إثنو قومية ألمانية نشطت من أواخر القرن التاسع عشر حتى العصر النازي.
ثم في عام 1933 وقع على اتفاقية "تعهد الولاء الأكثر إخلاصاً" لأدولف هتلر بعدما أصبح زعيماً للبلاد، في أعقاب أزمة اقتصادية طاحنة ضربت ألمانيا ودول أوروبا.
بحلول عام 1936 عمل يوهان فون ليرز ضابطاً ألمانياً برُتبة رائد في صفوف Waffen SS الجناح العسكري للحزب النازي والمقرب بشكل مباشر من أدولف هتلر.
كما عمل أيضاً أستاذاً ومحاضراً معروفاً بخطاباته المعادية لليهود والداعية لتطهيرهم عرقياً. ما دفع بوزير الإعلام جوزيف غوبلز إلى تعيينه في وزارة الدعاية النازية، وهناك تم تكليفه بنشر الدعاية الحزبية، وفي النهاية كتب 27 كتاباً بين عامي 1933-1945.
بعد الحرب العالمية الثانية
بحلول عام 1945 هرب فون ليرز إلى إيطاليا، وعاش هناك لمدة 5 سنوات في الخفاء، ثم انتقل إلى الأرجنتين عام 1950 حيث واصل أنشطته الدعائية المناهضة لليهود.
وقد أشاد به مفتي القدس أمين الحسيني على ولائه للقومية العربية ومناهضته لسياسات اليهود في الاستيطان، ومن هنا تمكن من الانتقال إلى الشرق الأوسط للاستقرار هناك، بحسب موقع Military Wiki للتاريخ.
وقد جاء فون ليرز إلى مصر، عن طريق مفتي القدس. حيث عمل مستشاراً إعلامياً في وزارة الإرشاد القومي بحكومة جمال عبد الناصر.
كما أشرف على الدعاية المناهضة لقيام دولة إسرائيل وقتها، كما قام بترجمة كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون"، وأعلن إسلامه وغير اسمه ليصبح (عمر أمين).
استقدام خبراء النازية إلى مصر
بدأت مرحلة استقدام خبراء النازية إلى مصر بعد هزيمة الألمان في الحرب العالمية الثانية.
وبحسب الباحثة في الشؤون الإسرائيلية سلوى صابر، في كتابها "الموقف الأمريكي من سباق التسلح بين مصر وإسرائيل 1955-1967": "بدأ استقطاب العلماء والخبراء الألمان للعمل في مصر منذ عام 1950، إذ احتاجت إليهم مصر لإعادة بناء جيشها وتنظيمه على النمط العسكري الألماني، وكان هناك اتجاه داخل الجيش يهدف إلى إحلال الكثير من المدربين الألمان محل نظرائهم الإنجليز في محاولة لكسر نفوذ بريطانيا ومقاومة احتكارها للتسليح".
وأوضحت أنه لذلك تحديداً "أنشأت مصر إدارة خاصة في وزارة الحربية لشؤون الخبراء الأجانب الذين كانوا يعملون بموجب عقود خاصة لكل منهم"، وذلك لإعادة تأهيل الجيش المصري.
عُمر أمين يتزعم الدعاية المصرية
لم يتوقف استقدام خبراء الحرب الألمان إلى مصر على المجال العسكري، بل تم الاستعانة بهم كذلك في المجال الدعائي أيضاً.
يروي صبري العدل، المؤرخ المصري ورئيس قسم المخطوطات الأسبق في دار الوثائق القومية، لموقع رصيف22 أن جميع الوثائق الرسمية الأجنبية التي أفرجت عنها وكالة الاستخبارات الأمريكية عام 2002 تؤكد وجود الضابط النازي يوهان فون ليرز، أو عُمر أمين، في مصر.
وهناك عمل في مجال الدعاية ضد إسرائيل والحركة الصهيونية عام 1956، خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ضمن برنامج الدعاية الموجه ضد إسرائيل في وزارة الإرشاد القومي، ودرّس اللغة الألمانية.
استطاع عُمر أمين أن يواصل عمله بتلك الطريقة ويندمج كلياً في المجتمع المصري حتى وفاته في القاهرة بمحل إقامته في 5 مارس/آذار عام 1965 عن عُمر 63 عاماً.
لكن في أعقاب هزيمة يونيو/حزيران 1967 وحالة الإحباط والترقُّب التي سادت في الشارع المصري، والتي تزامنت مع تدخل الاتحاد السوفياتي في السياسة المصرية وضغوطه للتخلي عن الخبراء الألمان؛ صدر قرار سياسي بوقف التعاون مع الخبراء الألمان في نهاية عام 1968 وأوائل عام 1969.