لا شكَّ في أنك عندما تسمع بكلمة "مومياء"، فإن أول ما سيخطر ببالك هو مومياوات مصر القديمة، لكن هل كنت تعلم أن هناك أيضاً مومياوات في أماكن أخرى، مثل جزر الكناري مثلاً؟
المومياوات في جزر الكناري!
تقع جزر الكناري- وهي أرخبيل يتكون من ثماني جزر أقصى جنوبي إسبانيا- أقصى نقطة في الشرق على بُعد 100 كيلومتر غرب المغرب.
ولكن قبل وقت طويل من وصول المستوطنين الإسبان الأوائل إلى الجزر في سبعينيات القرن الـ19، كانت هناك حضارة أخرى مزدهرة هناك وهي: الغوانش.
لسنوات طويلة، بقي شعب الغوانش "Guanches"، وهم سكان جزر الكناري الأصليون في المحيط الأطلسي، يشكلون لغزاً للعلماء والباحثين الذين لطالما كانوا يعثرون على نقوشات وآثار قديمة جداً.
فيما يتوقع البعض أنهم من نسل الأمازيغ في شمال أفريقيا أو السلتيين أو ربما الفايكينغ، فيما يعتقد آخرون أنهم من من السكان الأسطوريين لجزيرة أتلانتس الخيالية، الذين يُقال إنهم شعوب ذات بشرة زيتونية، لهم سمات منغولية وكانوا أسلافاً للأمريكيين الأصليين المعاصرين والمنغوليين والماليزيين.
قبل الفتح الأوروبي، كانت هذه الجزر مأهولة بمجموعات مختلفة من السكان الأصليين الذين أتوا- أو ربما تم نقلهم- في العصور القديمة من شمال إفريقيا في ظروف غير واضحة تماماً.
أما أبرز سمات ثقافتهم فكانت "الممارسة الجنائزية" للحفظ الاصطناعي للجثث، تماماً كالمصريين القدماء.
ووفقاً لما ذكرته الجمعية الأمريكية للبحوث الخارجية، فإن هذا النوع من التحنيط في جزر الكناري يُطلق عليه اسم "ميرليدو"، وقد تمّ توثيقه في 3 من الجزر الـ8 وهي: تينيريفي، وغران كناريا، ولا بالما.
فيما تبدو هذه الممارسة التحنيطية تشبه تماماً الممارسة المصرية من حيث الأهداف والأساليب، فما هي العلاقة؟
وتأتي المعلومات عن التحنيط في جزر الكناري من نوعين رئيسيين من المصادر: الأول هو روايات العديد من المؤلفين منذ القرن الـ15، والتي توفر معلومات قيّمة بشكل خاص، والثاني الأنثروبولوجيا الفيزيائية التي تمتد من نهاية الثمانينيات وحتى القرن العشرين.
وتتناول أوصاف إجراءات تحنيط الكناري العديد من الجوانب المختلفة، إذ يُوصَف المحنِّطون بأنهم متخصصون مكرَّسون حصرياً لهذا النشاط ومن بينهم رجال ونساء على حد سواء، مع تقسيم العمل حسب جنس الجثة المراد علاجها.
وقيل إنهم مجتمع منفصل من مجتمع السكان الأصليين يُنظر إليهم على أنهم منبوذون، بسبب اتصالهم بالجثث.
أما مدة العمل على التحنيط فتستمر من 15 إلى 20 يوماً، وتتضمن أنواعاً مختلفة من الغسيل لتحضير الجثة، إضافة إلى نزع أحشاء الصدر والبطن، واستخدام أنواع مختلفة من المواد النباتية والحيوانية.
بينما تتم عمليات التجفيف واللف باستخدام طبقات مختلفة من جلود الحيوانات.
فيما تم وصف الممارسات المختلفة المتعلقة بالوضع الاجتماعي للمتوفى فيما يتعلق باستخدام التوابيت أو بعض المعدات الجنائزية.
وأخيراً تنوعت ممارسات الدفن مثل طُرق وضع التوابيت واختيار موقعها الذي عادةً ما كان في كهوف يتعذر الوصول إليها للعامة، ولكن الثابت في تلك الممارسات كان وضع جميع توابيت المومياوات باتجاه الشمال.
كيف وصل سر تحنيط المومياوات إلى جزر الكناري؟
كشفت دراسة أجرتها مجلة Journals Plos العلمية عام 2019 على الحمض النووي المأخوذ من مومياوات قديمة من الجزر، أنهم على الأرجح من الأمازيغ من شمال إفريقيا، والذين وصلوا إلى هناك نحو عام 100 بعد الميلاد أو حتى قبل ذلك، لكن لا يُعرف بالضبط كيف وصلوا إلى هناك.
ووفقاً لشبكة BBC البريطانية تشير إحدى النظريات إلى أن الأمازيغ عبَروا إليها من خلال سُفن صغيرة، واستقروا بدايةً في جزيرتي لانزاروت وفويرتيفنتورا.
وعلى الرغم من أن عدد المستوطنين الأوَّلين لا يزال لغزاً أيضاً، فإن الشبكة تقدّر أن 14 زوجاً من الممكن أن يكونوا كافين لسكان الأرخبيل.
وتضيف النظرية أن الغوانش كانوا ينظمون أنفسهم في مجتمع قبلي، حيث حكمهم زعماء القبائل والملوك بشكل شبه كامل، وقد اعتمدوا على الزراعة والصيد وجمع الثمار، وكان نظامهم الغذائي يشمل الحليب والماعز ولحم الخنزير والفاكهة.
كما كانوا يرتدون سترات من جلد الماعز ويعيشون في الكهوف التي قاموا بإنشاء ثقوب في أماكن معينة فيها لدخول ضوء الشمس وتقدير الوقت.
ويعتبر مجمع كهوف "Risco Caído" في جزيرة غران كناريا أحد أشهر تلك المواقع، إذ يتكون من مستوطنة فيها 21 كهفاً، بُنيت على حافة بركانيةٍ ارتفاعها نحو 100 متر.
ويُعتقد أن الموقع استُخدم كصومعة ومعبد ومكان للمراقبة الفلكية، مع وجود ثقوب تسمح لأشعة الشمس وضوء القمر بدخول الكهوف.في عام 2019 أصبح مجمع كهوف "Risco Caído" أول موقع تراث عالمي لليونسكو في جزر الكناري.