عاد الجدل في الأوساط الطبية حول العلاج بالصدمات الكهربائية، بعد أن أثارت دراسات جديدة تأثيراً مباشراً له على الدماغ وتسبباً في تلفه، بحسب ما نقلت صحيفة The Guardian البريطانية الأحد 26 يونيو/حزيران 2022.
يعد العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT) إحدى أكثر التقنيات المستخدمة في مجال علم النفس الحديث، إذ يحدث توجيه صدمة كهربائية مباشرة إلى أدمغة المرضى المصابين بالاكتئاب.
عودة الخلاف
خلاف كبير بين الأخصائيين عاد إلى الظهور الأسبوع الماضي، بحسب الصحيفة، وذلك بعد أن أكد مختصون أنَّ المعالجة بالصدمات الكهربائية قد تسبِّب تلفاً في الدماغ وأنَّ المبادئ التوجيهية التي تنطوي على استخدامه ضعيفة، بالإضافة إلى استخدامه بشكل غير متناسب مع المرضى النساء وكبار السن.
في المقابل، يرفض علماء نفس وأطباء نفسيون آخرون هذه المزاعم، قائلين إنَّه في حين يؤدي العلاج بالصدمات الكهربائية إلى حدوث نوبات خفيفة، لكنه أداة فعَّالة لعلاج المرضى النفسيين المصابين بالاكتئاب الحاد المصحوب بميول انتحارية والذين فشلت معهم جميع أنواع العلاجات والأدوية الأخرى.
يشير المؤيدون إلى أنَّ هذه التقنية العلاجية تساعد في تخفيف حدة الكثير من الحالات، وهذا معتمد من المعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية في المملكة المتحدة وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
من جانبه، قال سمير جوهار من معهد الطب النفسي التابع لجامعة "King's College London": "يعاني الكثير من الأشخاص، الذين يحتاجون إلى العلاج بالصدمات الكهربائية، من حالات ذهان. يسمعون أصواتاً تخبرهم أنَّهم أشخاص سيئون وبشعون يجب أن يموتوا. يُشكّل هؤلاء المرضى خطراً على أنفسهم. عندما تفشل العلاجات الأخرى، لا يمكنك افتراض أنَّ الوضع سيمر بسلام. عند هذه المرحلة، يأتي دور العلاج بالصدمات الكهربائية".
وفقاً للبروفيسور جون ريد، من جامعة شرق لندن، فإن العلاج بالصدمات الكهربائية طُوِّر منذ أكثر من 80 عاماً ووصل استخدامه في المملكة المتحدة إلى ذروته في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بعدد حالات تتجاوز 50 ألف حالة سنوياً، مضيفاً أنَّ "هذا العدد تقلص كثيراً اليوم ليصبح حوالي 2500 حالة".
وقال ريد، وهو أحد المنتقدين الرئيسيين للعلاج بالصدمات الكهربائية: "نعلم أنَّه يسبب تلفاً في خلايا الدماغ. ومع ذلك، لا نعرف حجم الضرر الذي يتسبب فيه أو عدد المرضى المُعرّضين لهذا الضرر. وبناءً على هذا الوضع، لا يوجد مبرر أخلاقي أو علمي لاستخدامه".
مع ذلك، يرفض المؤيدون فكرة أنَّه يسبب تلفاً في الدماغ، مشيرين إلى أنَّه قد يؤدي إلى ضعف في الذاكرة يمكن أن يستمر لعدة أشهر، لكنَّهم يصرون على أنَّ هذه الآثار الجانبية مؤقتة.
يختلف كلا الجانبين أيضاً حول فاعلية العلاج بالصدمات الكهربائية. يجادل المعارضون بأنَّ دراساتهم لم تكشف عن أدلة كثيرة تشير إلى أنَّ هذه التقنية تعمل على نحو جيد كما يزعم المؤيدون.
قال روبرت هوارد، أستاذ الطب النفسي بجامعة "University College London": "عندما تنظر إلى تلك الدراسات تجد أنَّها تنطوي على أوجه قصور منهجية كبيرة ومتحيزة في أساسها. ثمة الكثير من الأدلة التي تثبت فاعلية العلاج بالصدمات الكهربائية".
عنصرية تجاه النساء
يشير أيضاً معارضو العلاج بالصدمات الكهربائية إلى دراسة حديثة تظهر رجحان كفة النساء على الرجال بمقدار الضعف تقريباً عندما يتعلَّق الأمر بالمرضى الذين يخضعون لهذا النوع من العلاج، وهذا يشير إلى تحيّز كبير من جانب الأخصائيين النفسيين.
لكن يوضح المؤيدون أنَّ احتمالية تشخيص النساء بالاكتئاب أكبر من الرجال لأنَّهن يطلبن المساعدة النفسية أكثر من الرجال ويملن إلى العيش حتى مراحل عمرية متقدمة، حيث تزداد مخاطر الإصابة بالاكتئاب. لهذا، يتجاوز عدد النساء اللاتي يتعرضن للعلاج بالصدمات الكهربائية عدد الرجال، لأنَّهن أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
لكن هذا التفسير رفضه البروفيسور جون ريد، قائلاً: "نعم، تميل النساء إلى الإصابة بالاكتئاب أكثر من الرجال لأنهن يعانين درجة أكبر من العنف وسوء المعاملة أو من الوحدة وفقدان الأحباء عند بلوغهن مرحلة متقدمة من العمر، لكن ليس بمقدار الضعف. ومع ذلك، يبقى السؤال، كيف تستطيع الكهرباء معالجة ذلك؟"
تلقى هذه النقطة دعماً من معارضي العلاج بالصدمات الكهربائية الآخرين، إذ يجادلون بأنَّ كيفية تأثير الصدمات الكهربائية على الدماغ لا تزال غير واضحة، لذا لا ينبغي اللجوء إليها.
يختلف روبرت هوارد مع هذا الطرح، قائلاً "هناك العديد من الإجراءات الطبية التي لم يُفهم بعد المسار الدقيق لعملها بصورة كاملة ولكننا نواصل استخدامها لأنَّها تحقق نجاحاً".