تعيدنا الأزمة الدبلوماسية الحالية بين الجزائر وإسبانيا إلى فصول من الخلافات والحروب بين البلدين تعود إلى قرون خلت.
فكما فتح المسلمون وعلى رأسهم الجزائريون شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال)، وسيطروا عليها قروناً، احتل الإسبان مدناً جزائرية لعقود طويلة، وشنوا حملات صليبية عديدة نجح بعضها وفشل الآخر.
ولعل الكثير لا يعلم أن الإسبان احتلوا مدينة وهران ثاني أكبر المدن الجزائرية، 3 قرون كاملة (1492-1792) ومدينة بجاية لقرابة خمسة عقود (1510-1554).
وجاءت هذه الحملات مباشرة بعد سقوط آخر الحواضر الإسلامية في الأندلس؛ خشية عودة المسلمين لشن حملات عسكرية من سواحل شمال إفريقيا لاستعادة مجدهم الضائع في شبه الجزيرة الأيبيرية.
ومن مخلفات الحروب السجال بين ضفتي غربي المتوسط أن فقد ملوك إسبانيا تاجهم إلى اليوم، فكيف ذلك وما علاقة الجزائر بذلك؟
ملوك بلا تاج
ربما لاحظ الملايين الذين تابعوا تتويج ملك إسبانيا فيليبي السادس سنة 2014 عقب تنازل والده خوان كارلوس الأوّل له عن العرش، أنه لم يضع تاجاً على رأسه رغم وجوده، مثل بقية ملوك أوروبا.
وخلال حفل الإعلان، يظهر التاج والصولجان على وسادة مطرّزة بالذهب، ثم يُعرض في معرض دائم للجمهور داخل "قاعة التاج" بالقصر الملكي في مدريد. وبالفعل، عُرض التاج والصولجان في يونيو/حزيران 2014، لأوّل مرّة بعد عام 1980.
وكان آخر ملوك إسبانيا الذين جرى تتويجهم هو خوان الأوّل من قشتالة، في القرن الرابع عشر. ومنذ ذلك الحين، جرى إعلان الملوك فقط دون تتويجهم.
وبما أن خوان الأوّل (1358-1390) كان ملكاً على ليون وقشتالة في الفترة بين 1379 و1390، أي قبل الإمبراطور شارل الخامس، فهذا يعني أن الأخير لم يُتوَّج أيضاً، وبمعنىً آخر، لم يضع تاجاً على رأسه.
"لسنا أهلاً للتاج"
تقول إحدى القصص الشعبية الجزائرية الشهيرة إن سبب عدم وضع ملوك إسبانيا تيجاناً على رؤوسهم هو فشل الإمبراطور الإسباني شارلكان في احتلال مدينة الجزائر.
وتروي القصة أن شارلكان، وبعد هزيمته في الجزائر سنة 1541، نزَع التاجَ من على رأسه، ورمى به إلى البحر قائلاً: "أيّها التاج أنا لست أهلاً لحَملك"، وتُضيف: "منذ ذلك الحين، لا يرتدي أيُّ ملكٍ من ملوك إسبانيا تاجاً".
ووفق الرواية انطلق الأسطول الحربي من جزيرة مايوركا متّجهاً نحو شواطئ المحروسة (الاسم القديم لمدينة الجزائر)، لكن الحملة اصطدمت بمقاومة عنيفة وأفضت إلى نهاية مأساوية للإسبان.
وقُتل نحو 20 ألف جندي وتحطّمت أكثر من 250 سفينة حربية، واضطرّ الإمبراطور الإسباني إلى التخلّي عن 8000 جندي على شواطئ المحروسة؛ لعدم كفاية ما تبقّى من السفن.
وفي دراسة للمستشرقة الإسبانية مابال فِيّاغرا بعنوان "هزيمة الإمبراطور البطولية"، توافق الرواية الشعبية الجزائرية، فتروي أن الإمبراطور عندما غادر سواحل الجزائر مهزوماً ألقى تاجه وخوذته ودرعه في البحر، بينما كان بصره متعلقاً بالمسافة التي تفصله عن مدينة الجزائر، وقال: "اذهب، فربّما يأتي ملك آخر أهلاً لك ويلبسك".
رواية أخرى
ترى رواية أخرى أن عدم تتويج ملوك إسبانيا كغيرهم من الملوك في أوروبا تطور طبيعي لوضعية الملكية بالبلاد.
ففي مقال للـ"بي بي سي" بعنوان "لماذا لا يُتوّج الملك الإسباني فيليبي السادس؟"، نُشر بمناسبة تنصيب الملك الإسباني الحالي فيليبي السادس في يونيو/حزيران 2014، يكشف مجموعةً من الأسباب التي تقف وراء عدم تتويج الملك الإسباني.
يذكر الموقع أن الإسبان تخلوا عن تتويج ملوكهم، واستبدلوا التتويج الباذخ بإعلان الملوك أمام مجلس النوّاب، مضيفاً أن الدستور الإسباني الحالي "يتحدّث بدّقة عن الإعلان، وليس عن التتويج كما يحدث في ممالك أخرى، مثل إنجلترا"، وأن مراسم الإعلان تُفسر على أنها اتفاق بين الملك والمملكة، عكس تفسيرها القديم الذي يربطها بأمر إلهي".
سببٌ عمليّ آخر يُفسّر غياب التتويج؛ وهو أن التاج الملكي الإسباني الحالي، يُوضّح المقال، كبيرٌ جدّاً؛ بحيث يستحيل وضعه على رأس الملك، مضيفاً أن "للتاج طابعاً رمزياً، ولم يُصنَع ليتمّ وضعه على الرأس". وبما أن فيليبي السادس هو قائد القوات المسلحة، فلن يرتدي عباءة كبيرة أو ملابس فخمة، بل زيّ الجيش.