مع احتفال الملكة إليزابيث هذا الأسبوع باليوبيل البلاتيني للمملكة المتحدة، في الذكرى السبعين منذ توليها زمام الحُكم بالبلاد، انطلقت عبر بريطانيا ودول الكومنولث فعاليات عديدة للاحتفاء بالملكة وفترتها القياسية، ولما اعتبروه "تقديراً لحُكمها الناجح".
الاحتفالات استقطبت الملايين من السياح من حول العالم، مع تقدير أوّلي بتجاوز أعداد الجماهير في الشوارع أكثر من 12 مليوناً في بريطانيا، بحسب قناة iTv. مع أكثر من 200 ألف فعالية في المدن المختلفة، وفقاً للحكومة البريطانية.
وبعد كل هذه العقود الطويلة في ولايتها، قد يتساءل البعض: لماذا يحب البريطانيون الملكة إليزابيث ويحتفون بها بهذا القدر، في عصر قد ولّت فيه الملكية التاريخية المتوارثة بالدم كأنها ماضٍ سحيق؟
فعاليات ضخمة بحضور الملايين
من الناحية النظرية، قد تبدو الاحتفالات مبالغاً فيها، وحتى عملياً، هناك حجة جيدة على أنها إهدار كبير لمال الدولة في وقت ضغطت فيه تبعات تفشي الوباء العالمي على المستوى المادي للشعب.
تقول إحدى الجماعات المناهضة للملكية، إن أفراد العائلة المالكة كلفوا دافعي الضرائب البريطانيين أكثر من 200 مليون جنيه إسترليني (320 مليون دولار)، وفقاً لتقارير أسوشييتد برس عن الاحتفالات السابقة من الطراز ذاته، مثل اليوبيل الماسي احتفالاً بمرور 60 عاماً على حُكم الملكة إليزابيث.
حتى إن التقديرات الرسمية تقول إنها تكلف 40 مليون جنيه إسترليني في السنة، عام 2012. وهو الرقم الذي يُتوقع أنه تضاعف في الاحتفال الجاري هذا الأسبوع، مطلع يونيو/حزيران 2022.
مع ملايين الحاضرين في الشوارع لمشاهدة الفعاليات الغنائية والملكية، وأضعافهم من المشاهدين في المنازل حول العالم.
كل هذا الإنفاق والإقبال الجماهيري يرجعه مراقبون لمحبة الملكة الكبيرة في قلوب البريطانيين ومتابعي الأسرة الملكية الأكثر شهرة في التاريخ تقريباً. مع استطلاع سنوي يشير إلى أن 8 من كل 10 أشخاص يحبون الملكة بشكل استثنائي، وفقاً لموقع YouGov البريطاني. ولكن حقاً، لماذا كل هذا التقدير؟
الملكة لم تصدر تصريحاً مسيئاً قط
أتقنت الملكة فن الحديث بما فيه الكفاية خلال فترة حُكمها، لكنها لم تقل قط أي شيء قد يسيء إلى المواطنين والمسؤولين على حدٍ سواء.
وبحسب الصحفي ماثيو نورمان بصحيفة The Telegraph البريطانية، "لا أحد منا لديه أدنى فكرة عما تعتقده الملكة، وهذا هو ما يجعلها مميزة، وأفضل ما يفسر نجاحها".
وأشار إلى أنه بعد كل تلك السنوات لم يكن لدى شعبها سوى فكرة غامضة عما يدور في رأسها. وعلى الرغم من كونها أكثر شخصية عامة على كوكب الأرض ط لا يمكن اختراقها، فإنها وفي الوقت نفسه مألوفة بشكل فريد وغير مسبوق، ما يجعلها شخصية محبوبة لدى البريطانيين وغيرهم أيضاً.
تُذكر البريطانيين بعصرهم الذهبي
بلغت الملكة سن الرشد خلال الحرب العالمية الثانية، وأصبحت الملكة في عام 1951. وكانت في شبابها بمثابة تذكير بقوة المملكة المتحدة خلال تلك الحرب.
حتى إنها شاركت في الحرب العالمية الثانية بدور عملي رغم سنها اليافعة. فقد انضمت الملكة إليزابيث الثانية إلى الخدمة الإقليمية للمساعدة في عام 1945، حيث تدربت لكي تكون ميكانيكي سيارات.
وبذلك كانت أول عضو في العائلة المالكة تنضم إلى القوات المسلحة كعضو نشط بدوام كامل يومياً. وهو ما عمل كسبب رئيسي في تقدير ومحبة البريطانيين لها.
المؤثرة الأهم في المملكة ومصدر للسياحة
تدر الاحتفالات الملكية التي تُقام على شرف الملكة وأعضاء الأسرة الرفيعين، المليارات من الدولارات سنوياً من السياحة على الاقتصاد البريطاني.
ويُقدر حجم العوائد السياحية على الدولة من فعاليات اليوبيل البلاتيني المقامة حالياً، بأكثر من 1.5 مليار دولار أمريكي، وفقاً لموقع Visit England البريطاني. مع توقعات باستمرار تزايد هذا الرقم خلال الأيام المقبلة.
كل هذا الزخم يأتي بعد أن أصبحت رؤية الملكة والعائلة الحاكمة ضمن أكثر المؤثرين في الإعلام حول العالم. إذ باتوا مادة ثرية يستهلكها هواة ومراقبي المشاهير والمؤثرين منذ أن قررت لأول مرة أن تسمح للكاميرات والقنوات التلفزيونية والصحف بتصوير تتويجها الملكي، في يونيو/حزيران 1953.
الأهم من ذلك: الملكة = أيام عطلة طويلة
معظم الناس في المملكة المتحدة حظوا بعطلة 3 أيام استثنائية للاحتفال باليوبيل البلاتيني للملكة، علاوة على العطلة الأسبوعية المعتادة يومي السبت والأحد.
وبحسب موقع Business Insider، يُعد ذلك عامل إقبال وشعبية كبيراً!
خلال حفل الزفاف الملكي في العام 2011، مثلاً، أدى مزيج من عطلة عيد الفصح، والزفاف الملكي (عطلة خاصة) والأول من مايو/أيار (الذي عادةً ما يكون عطلة)، إلى ثلاث عطلات نهاية أسبوع طويلة على التوالي.
قد تفسّر تلك العوامل المختلفة كيف يمكن للملكة إليزابيث الثانية أن تحظى بكل تلك الشعبية خلال عقود طويلة من الحُكم، وكيف أنها ببعض الذكاء الاجتماعي وبراعة إدارة العلاقات أصبحت رمزاً بريطانيّاً فريداً لا يختلف عليه كثيرون.