تشتهر مرحلة المراهقة بالعديد من الاضطرابات، سواء أكانت نفسية أم سلوكية، أو حتى جسدية، لكن دائماً ما تستوقفنا حالات العنف في سن المراهقة، ونشعر بالصدمة من ارتكاب شخص في مقتبل شبابه أعمالاً تقشعر منها الأبدان.
صحيح أنه لا يمكن أبداً التنبؤ بسلوكيات الآخرين، إلا أن هناك العديد من العوامل التي تجتمع معاً وتؤدي في نهاية المطاف إلى خلق شاب مراهق لديه ميول ودوافع قوية لممارسة العنف، وجرائم إطلاق النار على المدارس في أمريكا ليست بعيدة.
70% من جرائم إطلاق النار العشوائية ارتكبها مراهقون
ذكرت الصحف الأمريكية خلال اليومين الماضيين أن 70% على الأقل من جميع حوادث إطلاق النار في المدارس، التي وقعت منذ عام 1999، نفَّذها أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وذلك عند حساب الحالات التي تم فيها تسجيل عمر مُطلق النار.
وكان أصغرَ المجرمين المتورطين في تلك الجرائم طفلٌ يبلغ من العمر 6 سنوات في الصف الأول، أطلق النار على زميلة له في الفصل، عام 2000، بمسدس من عيار 32 ملم، بعد أن قال إنه لا يحبها.
واستناداً إلى الحوادث التي وقعت خلال تلك الفترة وحتى اليوم، كان متوسط عمر مطلقي النار على المدارس هو 16 عاماً، باستثناء 86 حالة، حيث يكون عمر مطلق النار غير معروف.
وأفادت صحيفة Washington Post الأمريكية، أنه في الحالات التي يمكن فيها تحديد مصدر السلاح الناري المستخدم، أحضر أكثر من 85% من مطلقي النار تلك الأسلحة من المنزل، أو حصلوا عليها من خلال الأصدقاء أو الأقارب.
ووقعت واحدة من أكثر الهجمات دموية في أمريكا يوم الثلاثاء، 24 مايو/أيار 2022، حيث جرى إطلاق نار على مدرسة ابتدائية في أوفالدي بولاية تكساس، وتوفي فيها ما لا يقل عن 19 طفلاً، وشخصان بالغان.
وكان المشتبه به مراهقاً أمريكياً يبلغ من العمر 18 عاماً. وقالت السلطات لصحيفة Houston Chronicle، إن المشتبه به اشترى بندقيتين من طراز AR-15 في اليوم التالي لعيد ميلاده الثامن عشر.
عوامل عديدة تؤدي لخلق مراهق مجرم
وبعيداً عن قوانين حق امتلاك السلاح في الولايات المتحدة الأمريكية، التي أتاحت الفرصة لمراهقين في أعمار تتراوح بين 16 و18 سنة فقط، للحصول على سلاح ناري دون عمليات تدقيق في خلفياتهم أو حالتهم النفسية والعقلية، لكن من المثير للاهتمام أن يمتلك أشخاص في هذه السن الحساسة دوافع تدفعهم لارتكاب مثل تلك الجرائم الصادمة.
قد تشير بعض التجارب الحياتية التي يتعرض لها الطفل إلى تضرر نفسيته وقواه العقلية، خاصة إذا لم يتلق الرعاية المتخصصة للتعامل مع الصدمات الكبرى، التي أثرت عليه خلال سنوات الطفولة والمراهقة.
ومع ذلك قد تشير بعض السلوكيات أو الخبرات التي يتعرض لها الطفل إلى قابلية توجهه إلى الجريمة والسلوك العنيف للتعبير عن مشاعره وتنفيس تلك الطاقة المكبوتة وغير المُعالجة.
لذلك من الضروري دوماً ملاحظة العوامل التي تؤثر بالسلب على الطفل خلال الطفولة والمراهقة، بشكل قد يدفعه إلى العنف، أو حتى تقف وراء سلوكياته التي تستدعي رعاية وعلاج متخصص قبل فوات الأوان.
لماذا يلجأ المراهق إلى العنف؟ وما عوامل الخطورة؟
لسوء الحظ، في متوسط شبه يومي بجميع أنحاء العالم، من المحتمل أن تجد خبراً صادماً واحداً على الأقل في الأخبار، حول ارتكاب طفل مراهق لجريمة عنيفة.
وتتنوع أسباب العنف، سواء أكان ذلك قتالاً وعمليات تخريبية أم جرائم قتل. في كثير من الأحيان تكون هناك مجموعة متنوعة من العوامل التي تجتمع لدى الطفل في حياته، تزيد احتمالية أن يصبح مراهقاً عنيفاً ومتورطاً في الأعمال الإجرامية.
1- عندما يكون العنف أمراً طبيعياً بالنسبة له
يلعب تاريخ سوء المعاملة والإهمال والصدمات في حياة الطفل دوراً مهماً في زيادة السلوك العدواني أو العنيف لديه عندما يصبح مراهقاً.
وتشير الأبحاث وفقاً لمجلة Community Psychology لعلم النفس، إلى أن التعرض المستمر للعنف في المنزل ومن قِبَل الأفراد في المجتمع يجعل العنف أمراً طبيعياً لدى المراهق في نهاية المطاف.
وبالتالي يُعد وجود تاريخ من السلوك العدواني، سواء بين أفراد أسرته وبعضهم البعض، أو ضده بشكل مباشر، دافعاً إلى زيادة خطر تصرف المراهق بعنف وارتكابه الجرائم.
2- انخفاض الذكاء وصعوبات التعلُّم والإدمان
كذلك يُعد المراهقون الذين يعانون من انخفاض معدل الذكاء أو العجز المعرفي أو اضطرابات التعلم أكثر عرضة للتصرف بعنف، كما يعتبر نقص الانتباه وفرط النشاط من عوامل الخطر.
إذ تلعب قضايا الصحة العقلية والاضطراب العاطفي دوراً في خلق وتطوير السلوك العنيف، لكن من المهم ملاحظة أن معظم المراهقين المصابين بمرض عقلي لا يصبحون عنيفين بالضرورة أيضاً.
كذلك تزيد المعتقدات المعادية للمجتمع والمشاركة في نشاط غير قانوني -مثل تعاطي المخدرات واستهلاك الكحول- من فرص أن يصبح المراهق عدوانياً وعنيفاً جسدياً.
علاوة على ما سبق، عادة ما يكون الطلاب الذين يكون أداؤهم ضعيفاً أثناء المدرسة الابتدائية معرضين بشكل متزايد لخطر السلوك العنيف أثناء المدرسة الثانوية.
كما أن المراهقين الذين يتركون المدرسة أو يهربون من حصصهم الدراسية يكونون أكثر عرضة لارتكاب أعمال عنف، وأن يصبحوا ضحايا للعنف كذلك، وفقاً لدراسة منشورة Frontiers للأبحاث العلمية.
3- عوامل الخطر الأسرية والاجتماعية
يمكن للمجتمعات ذات المساكن المتدنية وتدهور الوضع الاقتصادي للأسرة أن يُسهم في شعور الأطفال بأن المجتمع لا يهتم بهم، وفي بعض الأحيان يعبّرون عن غضبهم من خلال العنف في سن المراهقة وارتكاب الجريمة.
يمكن أن يؤدي الانضباط غير المتوازن والتربية المضطربة للطفل في زادة فرص تحوله إلى مراهق عنيف ومتورط في الأعمال الإجرامية بأنواع.
ويُؤدي التأديب القاسي بشدة، أو المتساهل بشكل مفرط، إلى جعل المراهقين يتصرفون بشكل غير قانوني على الأغلب، وفقاً لمسوحات واستطلاعات أجراها الخبراء، بحسب موقع Very Well Mind للصحة النفسية والعقلية.
كما أن الافتقار إلى الإشراف يمنح المراهقين فرصاً أكبر للانضمام إلى العصابات، وتعاطي المخدرات، والانخراط في أعمال العنف والتخريب.
وبشكل أساسي، يؤدي الافتقار إلى الارتباط العاطفي بالوالدين إلى زيادة احتمالية تصدي الطفل لأي سلطة، وبالتالي يرتكب العنف في سن المراهقة.
4- الاضطرابات الأسرية المستمرة
تُسهم إصابة واحد أو كلا الوالدين بالمرض العقلي في عدم استقرار الحياة المنزلية والعلاقة بين الوالدين وأبنائهم، ما قد يزيد من خطر تعرض الطفل للعدوانية، وارتكابه العنف في سن المراهقة.
وقد يزيد الإهمال والإساءة في مرحلة الطفولة من فرص ارتكاب المراهق جريمةً عنيفةً. وتُسهم البيئات الأسرية المجهدة والمضطربة، مثل عدم غياب الأب عن المنزل، أو الصراع المستمر في المنزل، أو ارتكاب الوالدين لأعمال عنف وجرائم، إلى انعدام شعور الثقة والأمان عند الطفل، ما يؤدي بالتبعية إلى ارتكابه العنف في سن المراهقة بشكل خاص، بحسب مجلة Scientific American العلمية.
كما أنه من المهم للرقابة الأسرية أن تساعد الطفل على اختيار دائرة الأصدقاء المقربين بعناية، لكي لا يكونوا بدورهم عوامل جذب للطفل إلى نطاق الجريمة والأعمال الخارجة عن القانون.
كيف تقدم المساعدة لطفلك؟
بشكل رئيسي، يجب على الآباء والمدرسين وجميع من يقدم الرعاية للطفل أن يلاحظ عن كثب أي علامات عنف تظهر في سلوكيات الطفل.
إذا رأيت علامات عنف فمن المهم أن تطلب المساعدة الفورية لابنك المراهق، حتى الأعمال العدوانية المتوسطة، مثل ضرب الأخ الأصغر أو تدمير الممتلكات عن قصد، لا ينبغي تجاهلها أبداً.
إذ يمكن أن يزداد العنف سوءاً بمرور الوقت إذا تُرك دون معالجة.
تحدث إلى طبيب نفسي متخصص في رعاية سن المراهقة إذا كانت لديك مخاوف. قد يوصي الطبيب عند تعذّر تعديل السلوك بتوجيه طفلك إلى العلاج مع أخصائي الصحة العقلية.