كثيراً ما نجد أنفسنا نتصرف بشكل مختلف حول الناس، ونتساءل عما إذا كان الأمر على ما يرام. هل نحن مزيفون؟ هل نحن أصليون أو صادقون مع أنفسنا؟ وهل يجب أن نكون بمفردنا مثلما نكون ونحن نشعر بالآخرين يراقبون تصرفاتنا؟
مصطلح علم النفس يصف هذا التغيير في السلوك بـ"المراقبة الذاتية". وهي ببساطة درجة الاهتمام التي يوليها شخص ما لسلوكياته وتعديل كيف يتعامل ويبدو بناءً على الظروف المحيطة به.
وعادة ما لا يلتزم الأشخاص الذين يعانون من ضعف المراقبة الذاتية برؤية من حولهم لهم، ويتصرفون بنفس الطريقة مع الجميع وبمفردهم أيضاً.
في حين يُدرك أصحاب المراقبة الذاتية العالية كيف يتصرفون أمام الآخرين، ويتغيرون بناءً على ما يعتقدون أن الموقف يتطلبه.
وفي بعض الحالات، قد يجعلهم ذلك يؤدون المهام بشكل أفضل ويتحسن إدراكهم بأنفسهم. وهي الحالة التي تسمى علمياً باسم "تأثير هوثورن".
ما هو تأثير هوثورن السلوكي؟
تأثير هوثورن هو مصطلح يشير إلى ميل بعض الناس للعمل بجدية أكبر وأداء أفضل عندما يكونون مشاركين في تجربة أو عند التعرُّض للاختبار.
وغالباً ما يُستخدم المصطلح للإشارة إلى أن الأفراد قد يغيرون سلوكهم بسبب الاهتمام الذي يلقونه من مراقبة الآخرين لهم، وليس بسبب أي تلاعب في المتغيرات.
وقد تمت مناقشة تأثير هوثورن على نطاق واسع في كتب علم النفس، لا سيما تلك المخصصة في علم النفس الصناعي والتنظيمي المستخدمة في تحسين كفاءة العالمين في المؤسسات وغيرها.
تاريخ نشأة المصطلح
يوضح موقع Very Well Mind للصحة العقلية وعلم النفس، أنه قد تم إطلاق وصف تأثير هوثورن لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي من قبل الباحث هنري أ. لاندسبيرجر، وذلك أثناء سلسلة من التجارب التي أجراها خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.
تمت تسمية هذه الظاهرة على اسم المكان الذي أجريت فيه التجارب، وهي شركة Hawthorne Works للكهرباء، الواقعة خارج مدينة هوثورن بولاية إلينوي الأمريكية.
وحينها أجرت شركة الكهرباء بحثاً لتحديد ما إذا كانت هناك علاقة بين الإنتاجية وبيئات العمل. كان الغرض الأصلي من دراسات هوثورن هو فحص كيفية تأثير الجوانب المختلفة لبيئة العمل، مثل الإضاءة وتوقيت فترات الراحة وطول يوم العمل، على إنتاجية العامل.
وخلال أشهر التجارب، كان تركيز الدراسة على تحديد ما إذا كانت زيادة أو تقليل كمية الضوء التي يتلقاها العمال سيكون لها تأثير على كيفية إنتاج العمال أثناء نوباتهم.
في الدراسة الأصلية، زادت إنتاجية الموظف بسبب التغييرات، ولكنها ما لبثت أن انخفضت بعد ذلك بمجرد انتهاء التجربة.
الشعور بالمراقبة يحسّن من أداء الموظف
ما وجده الباحثون في الدراسات الأصلية هو أن أي تغيير تقريباً في الظروف التجريبية أدى بالتبعية إلى زيادة الإنتاجية.
على سبيل المثال، زادت الإنتاجية عندما انخفضت الإضاءة إلى مستويات ضوء الشموع، وعندما تم القضاء على فترات الراحة تماماً، وعندما تمت إطالة يوم العمل.
وبحسب مجلة Simply Psychology لعلم النفس، خلُص الباحثون إلى أن العمال كانوا يستجيبون للاهتمام المتزايد من المشرفين، لا نتيجة للمتغيرات المفروضة عليهم في التجربة.
وخلُصت النتائج إلى أن الإنتاجية زادت بسبب الاهتمام وليس بسبب المتغيرات التجريبية.
عرّف لاندسبيرغر تأثير هوثورن على أنه تحسن قصير المدى في الأداء ناتج عن مراقبة العمال. ولا يزال المصطلح يُستخدم حتى اليوم ليصف التغيير في سلوك الشخص عندما يشعر أنه مراقب.
تغيير سلوكك أمام الآخرين أمر طبيعي
ليس من السيئ أن تضبط سلوكك بناءً على المكان والأشخاص من حولك، فالجميع يفعل ذلك في بعض الأحيان. فأنت مثلاً تتصرف في الجنازة بشكل مختلف عما تفعله في حفل الزفاف.
وتتحدث مع جدتك بشكل مختلف عما تتحدث به مع رفاقك. أشياء من هذا القبيل سهلة بما يكفي للقيام بها ومراعاتها.
كما أنه من الطبيعي أن تكون عملياً في بعض المواقف دوناً عن غيرها. مثلاً قد تلبس وتتصرف "باحتراف" في العمل؛ لأن هذا ما تتوقعه الشركة وزملاء العمل منك، ولأنك تريد أن تبدو موظفاً جيداً.
كذلك يعتمد الأمر أكثر على سبب تغييرك لسلوكك حول أشخاص معينين. بمعنى أن المراقبة الذاتية ليست دليلاً على أنك "شخص سيئ" أو "مخادع"، ولكن من الممكن القيام بها لأسباب خاطئة.
المؤشرات التي قد تدلك على وجود مشكلة
إذا كنت تشعر بأن سلوكك يتغير حول شخص ما وتفكر بشكل تلقائي في تعديل سلوكك أمامه، فاسأل نفسك لماذا تريد القيام بذلك. ويوضح موقع Succeed Socially للمهارات الاجتماعية وتطوير النفس، إلى عدد من الأسئلة التي من شأنها توضيح ما إن كنت تعاني من أسباب أعمق تجعلك تتغير أمام من حولك وتغير سلوكاً وفقاً لهم.
أولاً، اسأل نفسك: هل أنت شخص يعاني من أجل إرضاء الآخرين وبالتالي تغير من وجهك أمامهم، وتضع احتياجاتك ورغباتك الأصلية جانباً؟
هل تتنازل عن إحدى قيمك الأساسية لتلائم المكان الذي أنت فيه ولكي تشعر بالانتماء مع من حولك؟ وهل تتظاهر بأنك شخص مختلف وتدّعي ظروفاً وقيماً وسلوكيات لا تُعبر عنك فعلاً؟
هل تقوم بتعديل طريقة تصرفك لمحاولة التلاعب بشخص ما للقيام بشيء من الواضح أنه لن يفعله إذا كان يعرف شخصيتك الحقيقية؟
إذا أجبت بنعم على سؤال أو أكثر من تلك الأسئلة، فقد يكون من المفيد لك أن تعرف أسباب تلك الإجابات وما العوامل التي تجعلك ترغب في ذلك السلوك.
وقد تساعدك الاستعانة بطبيب نفسي في معرفة الطريق الصحيح لكشف سلوكياتك والعوامل الكامنة خلفها، علاوة على إرشادك في علاج المعضلات التي تجعلك تشعر بعدم الراحة والاتساق مع ذاتك.